أكد الدكتور غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس السوداني، أن ما يحدث في العالم العربي، سيؤدي إلى تغييرات جذرية وجوهرية، لكنه حذر من مشكلات حقيقية في المستقبل القريب والمتوسط، وقال خلال مداخلته في إحدى جلسات اليوم الأخير من منتدى الجزيرة السادس المقام في العاصمة القطرية الدوحة، إن هناك ثلاثة مسارات تؤثر في الوضع الراهن أولها المسار الديموغرافي ويتعلق ببنية المجتمع الذي نشأ فيه الشباب حيث انسدت أمامه فرص المشاركة في الشأن العام وقد امتلك هؤلاء الشباب طاقة كبيرة مقابل انسداد أفق اجتماعي وسياسي، مشيراً إلى أن المكون الآخر هو مكون مذهبي ويمكن النظر إليه من خلال الشعارات في التجمعات الشبابية، وهذه التيارات قد رفعت شعارات لا مذهبية رغم مساهمة كثير من التيارات فلم ترفع شعارات إسلامية في ثورتي مصر وتونس أو أيديولوجيات شرقية أو غربية بل رفعت شعارات تطالب بمطالب قريبة من فهم الناس، وبالتالي استطاعت أن تحشد وراءها حشداً اجتماعياً كبيراً ساهم في إحداث الثورة بصورتها هذه.
وأعرب غازي صلاح الدين، عن مخاوفه من تغير هذه الصورة في المستقبل وقال إن هذا النقاء كان له دور كبير في إنجاح الثورات ولكنه قد لا يستمر طويلا، وأضاف أن المحور الثالث لنجاح الثورة كان المحور العلمي التقني إذ إن هناك تطورات تقنية أزاحت الحواجز التي تقيمها الحكومات بينها وبين شعوبها والتي أصبحت مندرجة في النظم السياسية المختلفة لحجب المعلومات والتواصل وقد فك احتكار هذه الوسائل بشكل غير مسبوق ووفرت للناس وسيلة للتخاطب وإيجاد أنماط جديدة من التنظيم تجاوزت ما فعلته الطوائف والأحزاب والقبائل وقد استفاد الشباب منها.
واعتبر مستشار الرئيس السوداني أن التنبؤ بمستقبل الثورة محفوف بالمخاطر وطالب قادتها بالانتباه لذلك.
من جانبه قال راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، إن الثورة العربية قبل كل شيء هي ثورة في العقول والنفوس، وأكد الغنوشي أن أوضاع الأمة العربية متشابهة، وإذا حدثت الثورة في مصر وتونس وفي أقطار أخرى فهذا لا يعني أن بقية الأقطار العربية بعيدة عن هذا الحراك، وأضاف أن المد الثوري أسقط أهم مقوم من مقومات الديكتاتورية وهو الخوف من الحاكم، وقال إن الدولة العربية قائمة في معظمها على أساس إشاعة الخوف والرعب ولذلك نرى تدخلاً هائلاً في وسائل القمع البوليسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والنفسي والثقافي.
وعبر الغنوشي عن أمنياته أن تتوارد الثورات العربية وتتوالى حتى يكون التركيز الإعلامي على كل ثورة على حدة وقال إن العرب يتزاحمون اليوم بالثورات دون أن ينتظر أحدهم الآخر، مما يدل على أننا أمام مرحلة جديدة تأخرت بسبب الظروف الدولية، فالنظام الدولي اليوم متوحل في مشكلاته الخاصة وغير قادر على مواصلة دعم عملائه في المنطقة وأخذت المنطقة تتخفف من الأثقال وبدأت تزيح عنها هذه الأنظمة الفاسدة، وقال رئيس حركة النهضة التونسية، إن العالم العربي لم يعرف في تاريخه حكاماً على هذا القدر من السوء وبهذا المستوى من الانفصال عن شعوبهم لدرجة أنهم ينشئون نظاما صحيا ولكنهم لا يتعاملون معه عندما يمرضون، وينشئون نظاماً تعليمياً لا يعلمون أولادهم فيه وينشئون بنوكاً وشركات ولكنهم يودعون أموالهم خارجها.
وأشار الغنوشي إلى عدم وجود مصطلح رئيس سابق في العالم العربي بل هناك رئيس يملك ورئيس في القبر وقال إن الحكام انقطعوا عن شعوبهم وأصبح الشعب يشعر بأنه ينتمي لأمة أخرى وترسخت المهانة.
وأكد الغنوشي، أن هذه الثورة هي ثورة كرامة واستعادة للذات، وهي لاتزال في بدايتها لأنها أعادت للإنسان العربي ثقته في نفسه وأعادت التوازن للشعوب وبدلاً من أن يكون الحكام هم قلب العملية أصبح أمامنا الشعوب.