نعم، ما حدث فى (شرم الشيخ) هو فضيحة تمس سمعة مصر، أتحدث عن الدورة الأولى للمهرجان الذى يحمل اسم هذه المدينة العزيزة على قلوبنا وأيضا المنظمة التى تعود لزمن جمال عبدالناصر،(الأفروآسيوية) ) هذا التجمع الذى انطلق مع مؤتمر (باندونج) فى منتصف الخمسينيات، فى وقت كانت يقف فيه العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، والعربية حائرا بين الكتلتين، حيث كان القسط الأكبر منها لا يزال على مشارف التحرر الوطنى، وفى نفس الوقت كانت دول العالم الثالث تواجه الاستقطاب الذى جاء كنتيجة للحرب الباردة بين (روسيا) الاتحاد السوفيتى سابقا و(الولايات المتحدة الأمريكية)، وظهر مبدأ الحياد الإيجابى والتعايش السلمى وعدم الانحياز.
تغيرت الدنيا تماما عن زمن ناصر، وصار الانحياز فرض عين على كل الدول، إلا أن المنظمة لا تزال تتنفس بالقاهرة، ولها أيضا نشاطها الاجتماعى والثقافى، فما الذى أقحمها ودفعها لإقامة مهرجان سينمائى يحتاج لكوادر مدربة؟!
تم إلغاء المهرجان بعد 24 ساعة من إقامته، وطُرد منظموه وضيوفه مصريين وأجانب، طلبت إدارة الفندق منهم المغادرة فورا لعدم دفع المستحقات المالية، لو راجعت الأوراق فستجد أن هناك موافقة من الدولة ممثلة فى لجنة المهرجانات التابعة لوزارة الثقافة على توجيه الدعم الأدبى للمهرجان، وليس المادى، فلم تدفع وزارة الثقافة شىء، واسم الوزير الأسبق د. حلمى الحديدى الذى يرأس حاليا المنظمة الأفروآسيوية، كان دافعا للموافقة، لجنة المهرجانات بالقطع لا تملك أجهزة رقابية، ولكنها تأخذ بظاهر الأمور وهو أن لديها منظمة جادة يرأسها رجل له تاريخ مشرف، والبعد السياسى لعب دوره خاصة مع غياب أفريقى عشناه فى زمن مبارك، بينما الدولة تسعى لعودة مصر سياسيا لحضن أفريقيا، لقد منحت الدولة فقط دعما أدبيا للمهرجان، وكان المهرجان فى حاجة إلى تمويل مادى مباشر، خاصة ونحن نشهد غياب ثقافة دعم الثقافة عن كل رجال الأعمال فى مصر، وبالتالى يصبح مأزق تدبير الميزانية معضلة رئيسية، ولو قلت مثلا إن الدولة لا تمنح الموافقة، ولا توافق على الدعم الأدبى، إلا بعد أن تتأكد أن المنظمين قد استطاعوا تدبير الميزانية ستتهم بعرقلة الفعالية عن الانطلاق، لأن الأمر يستتبع اتصالات مبكرة مع شركات الإنتاج، وأيضا مع النجوم ولجان التحكيم، ولهذا توافق الدولة أدبيا، بمراجعة ظاهر الأوراق أن هناك جدية.
بعيدا عن مهرجان (شرم) وفضيحته ستجد أنه منذ أن أعلنت الدولة فتح الباب للمجتمع المدنى لإقامة مهرجانات فنية، مقابل الحصول على دعم مادى، وهناك حالة من اللهاث، الكل يتقدم بأوراق وجمعيات بعضها وهمى تم إنشاؤها لمجرد أن هناك فلوسا من الممكن أن تصل إليهم، ولكن المهرجان (الأفروآسيوى) طلب فقط رعاية أدبية، فكانت الموافقة أسرع.
اللجنة يرأسها المخرج خالد يوسف ويشارك فى عضويتها أكثر من عشرين متخصصا فى السينما والمسرح والموسيقى، وليس فى حوزتها أجهزة رقابية، من الممكن أن تقول أن الدولة لن تدعم المهرجانات الوليدة أخذا بالأحوط، بالمناسبة كان هذا واحد من الاقتراحات فعلا التى درستها اللجنة، ولكن ظهر صوت يقول ربما تأتى فكرة مهرجان تستحق المؤازرة فلماذا نصادر على القادم، المؤكد أن فضيحة مهرجان (شرم الشيخ) حتى لو كان ما حصل عليه مجرد دعم أدبى، ستؤدى إلى أن تنفخ لجنة المهرجانات حتى فى الزبادى.