x

عبد الناصر سلامة الرُقية الشرعية لترامب عبد الناصر سلامة الأحد 17-09-2017 21:32


شاهدتُ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مستسلماً، مطأطئ الرأس، تحت يد قسيس قادم من مدينة دالاس (ثالث أكبر مدن ولاية تكساس) بصحبة عدد آخر من القساوسة، وقد وضعوا بطريقة جماعية أياديهم على ظهره، مدة ثلاث دقائق و٢٨ ثانية، فيما يشبه الرُقية الشرعية، متوجهين بالدعاء لترامب، ولضحايا إعصار «هارفى» بولاية تكساس، ولأمريكا بالقوة والتماسك فى ظل قيادته، وظل القسيس يتلو الدعاء تلو الآخر مرددين خلفه: آمين، آمين.. كل ذلك وترامب فى حالة نادرة من السكون والخشوع، لا يتناسبان مع شخصيته، أو مع المعروف عنه من سلوك شخصى ماجن.

هذا المشهد بكل ملابساته، وفى الظروف المحيطة به يحمل دلالة مهمة جداً، تتعلق بالدين فى حياة البشر، سواء كانوا فى مصر، أو فى الولايات المتحدة، أو حتى إسرائيل، أو فى أى بقعة أخرى من كوكب الأرض، ذلك أنه مهما كان الشخص عنصرياً متكبراً، هوائياً متجبراً، فإنه خلال الأزمات لن يجد ملجأً سوى الإقبال على الله ومناجاته، علَّ وعسى الرحمة أو النجاة، ما بالنا إذا كنا أمام مواقف لا تجدى معها قوة البشر، ولا صولجان القيادة، كما لا يمنعها أو يكبح جماحها الحذر أو المراسيم السامية.

الأمر الآخر الذى توقفتُ أمامه كان عبارة عن تساؤل مهم هو: ماذا لو أن هذا المشهد كان يتعلق برئيس عربى أو زعيم إسلامى، وقد وضع بعض علماء الدين يدهم على رأسه أو ظهره، متوجهين بالدعاء إلى الله بتوفيقه أو نصرته أو أى شىء من هذا القبيل؟، أعتقد أن الأمر كان سيُصبح مختلفاً من كل الوجوه، ذلك أن مثل هذا المشهد منذ الوهلة الأولى لا يجب تسريبه إلى وسائل الإعلام، حتى لا يُتهم هذا الرئيس أو الزعيم بالتدين أو ربما التخلف، وما أكثر الملاحدة المستترين فى مجتمعنا الذين يتصيدون ذلك على صفحات الجرائد وبرامج التليفزيون المفتوحة أمامهم طوال الوقت، إضافة إلى ذلك فإنها سوف تُعد فرصة لخصوم الداخل والخارج لنعته بالإرهاب والتشدد، وهى كارثة أخرى.

الاستقبال الحار من ترامب لوفد كنيسة دالاس، هو فى حد ذاته يحمل العديد من الدلالات المتعلقة بأهمية الدين ورجال الدين فى حياة البشر، حتى لو كانوا على مستوى ترامب، وأهمية احترامهم وتبجيلهم إلى هذا الحد، ناهيك عن تلك العقيدة الراسخة لدى الرئيس الأمريكى بأهمية المدد من هؤلاء أو من كل ما يتعلق بالدين بصفة عامة، مع ملاحظة أننا نتحدث عن ترامب، الذى ارتبط اسمه بعالم القمار والمراهنات والجنس والفضائح، لا نتحدث هنا عن چورج بوش الابن، الذى ارتبط اسمه بالتشدد والتطرف والعنصرية والطائفية، وترجمة كل ذلك إلى حروب صليبية، أسفرت عن قتل ملايين البشر، وليس الآلاف أو مئات الآلاف.

إذا تجاوزنا ترامب والولايات المتحدة، إلى إسرائيل وقادتها المتعاقبين، سوف نجد أننا أمام الحالة الأكثر دلالة، ذلك أن طلاب المدارس الدينية أو التلمودية فى إسرائيل معفيون بحُكم القانون من أداء الخدمة العسكرية، وهى الخدمة الأكثر إلزاماً فى إسرائيل عنها فى أى دولة أخرى من دول العالم، كما هم معفيون من أشياء أخرى كثيرة تتعلق بالضرائب والرسوم المختلفة، إضافة إلى ما يحصلون عليه من رواتب ومميزات مقارنة بنظرائهم من خريجى المدارس الأخرى غير الدينية، لذا نشاهد كل واحد من هؤلاء بلحيته الكثة أو الغليظة دون أى تجاوزات تجاهه، كما نشاهد نساءهم بالنقاب الكثيف أيضاً دون أى اتهامات تلاحقهن.

على الجانب الآخر لدينا، سوف نجد من يطالب بإغلاق المعاهد الأزهرية، ومن يطالب بالعبث فى جامعة الأزهر، ومن يطالب بعدم تدريس مادة الدين فى مدارس التربية التعليم، ومن يطالب بمنع النقاب أو حظر الحجاب، ومن يدعو إلى حلق اللحى، ومن يغلق كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، ومن يدعو إلى تغيير عقدى الزواج والطلاق، ومن يشكك فى آيات المواريث، ومن يناهض بناء المساجد، ومن يتدخل فى صياغة وموضوع خطبة الجمعة، ومن لا يستريح لصيام رمضان، ومن يقاوم صلاة التراويح، إلى غير ذلك من محاولات تصب جميعها فى تسطيح المجتمع، مما جعل منه حالة هشة، تزايدت معها حالات الإلحاد، وارتفعت معها نسبة الجريمة، فى غياب عامل الدين بالدرجة الأولى.

الكذبة الكبرى التى تناقلناها وصدقناها، هى أن الغرب يمارس حياته بمنأى عن الدين والتدين، أو أن قادة العالم غير متدينين، أو أن الأطفال فى تلك البلدان ينشأون بمعزل عن قال الله وقال الرسول، لم نستطع أن نكتشف منذ الوهلة الأولى أن الغرب هو الذى روَّج لهذه الكذبة من خلال عملائه بالداخل، وإلا لما كانت هذه النسبة المرتفعة نسبياً من التحول الواضح إلى الإسلام فى صفوف مواطنى هذه الدول، بما يشير إلى أن جُل اهتمامهم فى القراءة والاطلاع هو الأديان بالدرجة الأولى، وهذه قضية أخرى جعلت المتشددين منهم لا يألون جهداً فى الهجوم على الإسلام والمسلمين، أيضاً من خلال عملاء الداخل للأسف!!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية