يتميز مستشفى العباسية للصحة النفسية بغطاء نباتى كثيف يُضفى عليه بساطة ورحب، طريق يطول لبضعة أمتار فقط يفصل بوابة المستشفى الرئيسية المُقامة على شارع «صلاح سالم» وبين المبنى المُخصص للعيادات الخارجية، هنا يملأ عشرات المواطنين ساحة مُظللة خضراء لدى باب المبنى الخلفى، ينتظرون استدعاء أسمائهم فى كشف الدخول لعيادة الطبيب المختص.
يتردد المئات بشكل يومى لطلب الخدمة النفسية المُقدمة عبر العيادات الخارجية لمستشفى الصحة النفسية، أفراد وأسر وحتى الصغار برفقة ذويهم من الجنسين، حيث لا يتطلب الأمر سوى قطع المسافة إلى مقر العيادات الخارجية، والتقدم لطلب تذكرة زيارة الطبيب مقابل جُنيه مصرى واحد، ثم التسجيل باسم المريض عبر نافذة مُحددة، حيث يتم التسجيل عبر الحاسب الآلى وبواسطة الرقم القومى.
تُفتح النافذة يوميًا فى الساعة الثامنة صباحًا، وتبدأ استقبال أسماء المترددين على العيادات لليوم طوال أربع ساعات، حيث تُغلق فى تمام الثانية عشرة ظهرًا، يكون المئات قد سجلوا أسماءهم أو أسماء ذويهم بالفعل وينتظرون دورهم فى المنطقة الظليلة، يستوجب حضور المريض مع ذويه للكشف، تُخبر سيدة خمسينية مُحررة «المصرى اليوم» بناء على خبرتها فى زيارة عيادات المستشفى للحصول على علاج لابنها على خلفية ما يعانيه من متاعب نفسية: «لازم ييجى المريض، لأن الدكاترة هنا لازم يشوفوه علشان يشخصوا الحالة، يتكلموا معاه ويلاحظوه بنفسهم»، تشير السيدة فى حديثها أيضًا لسهولة الحصول على العلاج من المستشفى، حيث تُخصص نافذة أخرى للحصول على العلاج المُرشح من قبل الطبيب.
تعلو النافذة المذكورة لافتة بسيطة كُتبت بخط اليد.. «صيدلية»، بيد أن صيدلية المستشفى تختلف عن نظيراتها فى الخارج، حيث تُقدم العلاج للمريض مجانًا، وبمجرد خروجه من غرفة الطبيب سواء للكشف أو حضور مُتابعة.. تتبع تلك الخدمة بالأساس، الأمانة العامة للصحة النفسية، والمُشرفة على 18 مُستشفى للصحة النفسية فى عدد من المُحافظات المصرية، تقدم خدماتها لزوار ونزلاء يحول ضيق ذات يد أغلبهم دون حصولهم على خدمة نفسية مُتخصصة فى العيادات والمستشفيات الخاصة، حيث تبدو فاتورة طلب النجدة لدى الشعور باضطراب إدراكى أو عاطفى باهظة بالتناسب مع دخولهم المحدودة.
يُعدد الدكتور محمد على، مدير إدارة الإعلام بالأمانة العامة للصحة النفسية، 4 مستشفيات من أصل 18 توجد داخل نطاق القاهرة الكبرى أبرزها مستشفى العباسية والخانكة وحلوان، فيما تتوزع المستشفيات المتبقية على الأقاليم المصرية، فى تخدم محافظات عدة فى الوقت ذاته، وجميعها على استعداد تام للتعامل مع أى مريض يعانى من أفكار انتحارية ورغبة فى التخلص من حياته، سواء عبر منافذ العيادات الخارجية أو الأقسام الداخلية للمستشفى، للخط الساخن المجانى للأمانة العامة دور فى تقديم خدمة متكاملة لشرائح واسعة من الجمهور: «الخط الساخن بالأساس خط استشارة واستفسار بيجيب عليه طبيب نفسى، يقدر يفسر أنواع العلاج وأعراضه الجانبية وتحديد المنافذ اللى بتقدم الخدمة ويقدر يتعامل مع الحالات الانتحارية».
ويفضل الطبيب توجه الشخص لدى معاناته مع أفكار مُشابهة لمقدم خدمة طبية بشكل مباشر، داخل مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية أو أى من العيادات الخارجية، ما يمنح المعالج فرصة أيسر للتحدث مع المريض بأريحية وفاعلية، لأن الخط الساخن لا يلائم الأفكار الخاصة بالانتحار، ويحدد «على» ثلاثة مبادئ يتعين عليها طمأنة المصاب حال تردده فى زيارة مستشفى الصحة النفسية أو عيادة الطبيب: «أولاً العلاج النفسى بيتم بسرية تامة، وأى شىء بيدور بينك وبين الطبيب أو الإخصائى ما بيخرجش من الباب»، يُضيف إلى ذلك التأكيد على مرحلية أفكار الانتحارية، إذ إنها محض أفكار مرضية، يمكن التخلص منها والوصول لدرجة شفاء مناسبة باتباع العلاج الصحيح والملائم لحالة كل مريض ويقول: «ثالثًا، مهم نكون عارفين إن اللى بيقابلك فى المستشفى طبيب مختص ومدرب على التعامل مع الأفكار الانتحارية ومساعدة المريض على التخلص منه والعبور من حالة الضيق والتغلب عليها.
فى بعض الأحيان يستوجب بقاء المريض فى المستشفى لفترة وجيزة، حفاظًا على أمنه وسلامته الشخصية، خاصة ما إذا كان يعانى من أفكار إيذاء أو افكار انتحارية، يؤكد «على» أنه وفى تلك الحالة لا يمكن أن اتباع الأنظمة الخاصة بقوائم الانتظار لتوفير المساحة الطيبة الآمنة لاستقبال المريض: «لو عندى مريض أذى نفسه النهارده ما ينفعش أسيبه يروح، لازم نوفر له سرير حسب الأولويات ولو حتى فى مستشفى تانية أو تابعة لإقليم تانى».
ينظم القانون رقم (71) لعام 2009 التفاصيل اليومية فيما يتعلق بحقوق المريض النفسى أثناء الإقامة بإحدى منشآت الصحة النفسية، كحق استبدال المنشأة ما إذا أراد، أو استبدال الطبيب المعالج، إضافة إلى عدم تلقى علاج دوائى يغفل ماهيته، ويؤكد «على» على إمكانية استخدام المريض أو أى من ذويه لأرقام الخط الساخن للبلاغ عن أى شكوى من تعسف تعرض له المريض، إضافة لإمكانية توجه المريض لمكتب مصالح المرضى داخل أى من مستشفيات الأمانة، بحيث تُبحث شكواه.
خاصة لدى الحديث عن أمن وسلامة المريض فيقول على: «مينفعش يكون فى مريض عنده أفكار انتحارية وأذى نفسه وأسيبه يروح، لأ لازم نوفر له سرير».