x

شيخ الأزهر من ألمانيا: الشرق مدّ للغرب أيادي بيضاء.. وأشعل في ربوعه العلم والثقافة

الأحد 10-09-2017 21:28 | كتب: أحمد البحيري |
شيخ الأزهر بألمانيا شيخ الأزهر بألمانيا تصوير : آخرون

أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الشرق سبق أن قدم للغرب أيادى بيضاء وحمل الكثير لحضارته وأشعل في ربوعه جذوة العلم والثقافة والأدب والفنون، ولدى العالم الإسلامى القدرة على إظهار التعايش السلمى مع معتقدى الديانات الأخرى.

وقال شيخ الأزهر في كلمته اليوم الأحد بمؤتمر «طرق السلام» المنعقد بألمانيا: «إننا في العالم الشرقى والعالم الغربى قمنا بمجهودات كبيرة للتحرر من الاستعمار الأجنبى والتحرر من أساليبه السياسية والاقتصادية، وفى هذا التوقيت أريد أن أطلب منكم أن لا تنظروا للعالم الشرقى على أنه مسرح للصراع السياسى، وأن تتركوا الفقراء المساكين الذين يكتوون بنيران الإرهاب ويدفعون ثمن هذه الحروب الإقليمية والدولية والذين يحاربون بدلا عن الآخرين».

وأوضح شيخ الأزهر، أنه يجب العمل على إحلال السلام بين جميع الأديان على مستوى العالم، ولن يكون هناك سلام في العالم بدون وجود سلام بين الأديان، داعيا جميع الأديان لاتخاذ هذه الخطوة، مؤكدا قيام الأزهر بهذه الخطوة وقام بعمل العديد من اللقاءات من أجل الدعوة للسلام ليعكس هذا رغبة الأزهر في إحلال السلام.

وتابع: «اليَوْم.. وفي عصر التقدُّم العلمي والتِّقني والفَنِّي، وفي عَصْرِ الرُّقِيِّ والمُنظَّمات الأُمَمِيَّة، والجمعيات العالمية لحقوق الإنسان، ومنظَّمات المجتمعات المدنيَّة والمواثيق الدولية، التي أخذت على عاتِقها حِمايَة البُؤسَاء والأطفال والعَجَزة والأرَامِل، وتعهَّدَت بتوفيرِ مُقَوِّمات الأمن والأمان للنَّاسِ؛ ثُم تبيَّن أن أغلَب هذه المؤسَّسَات في وادٍ، والدِّماء والجُثَث والأشْلَاء وصراخ الأطفال ودموع اليَـتامَى وأنين الثَّكَالى في وادٍ آخر- في هذا العَصْرِ الجديد، تغيَّر مفهوم الحَرب بسبب مَصَانِع المَوت المُتطَوِّرة تِقنيًّا وعِلْميًّا: فأصبحت رَحَى الحرب تَحصد الآمنين في بيوتهم وشوارعهم وقُراهم ومُدنهم، ومدارسهم وأنديتهم، وتضطر الكثيرين إلى الفَرارِ من جحيمِ الأسلِحَة الفتَّاكة، تاركين أوطانهم إلى مجهولٍ لا يعرفون عنه شيئا، أو يضطرهم الرُّعب والخَوف إلى ركوبِ البَحْرِ لينتهي بهم الأمر في أعماقِه غَرَقًا وهَلَاكًا».

وأشار إلى أن هذه الشَّريحة البائِسة الُمعذَّبة، هي شريحة إنسانيَّة لها ما لأيِّ آدميِّ في الشَّرقِ والغَربِ من حق الحياة وحق الحُريَّة وحق الاستِقرار على أرضِه والتمسُّك بوطنِهِ. والتَّفْرِقةُ في هذه الحقوق على أسَاسٍ من الفَقْرِ والغِنَى أو العِرْق أو اللَّون أو الدِّين هو –في مفهومِ الإسلام، بل في مفهوم الأديان الإلهيَّة جَمعَاء، عمل لا-إنساني بكُلِّ ما تَحْمِلُه هذه الكلمة من معنى.

وقال شيخ الأزهر: «لا تستغربوا هذه اللُّغَة المتشَائِمة الَّتي افْتَتَحْتُ بها كلمتي في مؤتمرٍ كهذا، كُل ما فيه يَدعو إلى التَّفاؤُل والأمَل، فأنا قادِمٌ من الشَّرقِ الذي يَعُج بالأسى والألم، ويدفع –الآن- رجالُه ونساؤه وعجائزه وأطفاله ثمنًا فادِحًا من الدِّماء والجُثَث والمقابِر الجماعيَّة، لسياساتٍ إقليميَّةٍ وعالميَّةٍ دَمَّرَت بها شُعُوبًا وحضارات عَريقة: ومنها دول دُمِّرت في ساعات محدودة، ثُمَّ تُركت ركامًا هامدًا حتى هذه اللَّحْظَة التي أُحَدِّثُ فيها حضراتكم، ومنها دول لا تزال ماكينة القَتْل والتَّدمير تَعْمَل في البَشَرِ والحَجَرِ، بل منها ما تَعْمَل فيه هذه الآلة الجَهنَّمِيَّة قريبًا من خمسة عشر عامًا، ومنها ما انضافت إلى قائمة القتل والدَّمار فيها قائمة الأوبئة والأمراض الفتَّاكة».

وأضاف: «وأحدَث فصول هذه المسـرحيَّات العبثيَّة في الشَّـرقِ؛ ما يَحْدُث اليَوْم لمواطنِي الرُّوهِينجا من المسلمين من إبادةٍ جماعيَّةٍ وتَهجيرٍ قَسْريٍّ، وعَجَزَ المُجتمع الدوليِّ عن إنقاذهم مِمَّا يَعْلَمه الجميع ومِمَّا تنقِلَه لنا شاشات التِّلفَاز ومواقع التواصل الاجتماعي من مآسٍ يئن لها ضميرُ الإنسانيَّة إن كان قد بقي للإنسانية ضمير في الشرق أو الغرب».

وتابع: «هذه المآسي –أيَّتُهَا السَّيِّداتُ والسَّادَة-تَعْرِفُونها جَيِّدًا، ونَحْنُ نَعْرِفُها مَعَكُم حَقَّ المعرفة، وربَّما تردَّدَت على مسامِعنا وألفناها ولم تعد تستحق من اهتماماتنا شيئا يذكر من كثرة ما سمعنا عنها ورأينا منها، ومن هذا المُنْطَلَق لَا أكرر القول في هذا الشَّأنِ، وقد قُلْتُ في بيانٍ صدرَ عن الأزهرِ أمس الأوَّل عن قضيَّة المواطنين المسلمين في الرُّوهينجا أنَّ بيانات الإدانة والشَّجب والاستِنكَار لَمْ تَعُد ذاتَ معنى، وهي تضييعٌ للوقتِ وإهدارٌ للطَّاقةِ».

واستطرد: «لكن لا أستطيع أن أفارق هذا المؤتمر الغني بهذه القيادات الكبيرة الموقرة، وبقيادات المستقبل من هذا الشباب المفعم بالأمل والعزيمة والإصرار والذي نعقد عليه –بعد الله تعالى- آمالًا عريضة في إنقاذ الإنسانية مما ألمَّ بها من رعب وإحباط -لا أستطيع أن أترك مكاني هذا دون أن ألخِّص ما يدور في ذهني من خواطرَ عن هذه الأزمة، وأعترف أن منها رؤى وأحلام يقظة من قسوة الواقع الذي نعيش فيه، وعذري أن الأحلام هي كل ما يتبقى للعاجز من حيلة».

وقال: «معظم ما حل بنا في الشرق من دمار منظَّم سبَبُه –فيما يقول لنا منظرو السياسات الدولية والإقليمية – هو الإرهاب الإسلامي، ومن ثَمَّ وجب التدخلُ لوقف خطره وإنقاذ الشعوب منه، واسمحوا لي حضراتُكُم إن شئنا أن نتحدث في شيء من الصراحة ووضع النقاط على الحروف أن أقول: إن ما يحدث في الشرق سببه هو الإصرار على إبقاء المنطقة في حالة صراعٍ دائم، والبحثُ عن مناطقَ يسهلُ فيها إذكاءُ صراعات دينية أو مذهبية تُؤدِّي إلى صدام دموي مسلح، والصَّمت المطبق على مصادر تموِّل هذا الإرهاب وتدعمه وتشجعه ليل نهار. أما قصة الإرهاب فإنها تبقى -حتى هذه اللحظة- قصةً محيرة في وعي الأغلبية الكاسحة من العرب والمسلمين، فلا يزال الإرهاب يشبه أن يكون لقيطًا مجهول النسب لا نعرف من أبوه ولا من هي أمه.. ولا أريد أن أسترسل في سرد باقي الأسئلة المحيرة عن هذا الكائن العجيب الذي وُلد بأنياب ومخالب جاهزة، مخالفًا بقدراته الخارقة كل قوانين التطور الطبيعي، فهو لم يكد يبلغ مرحلة الفطام حتى أعلن دولته المزعومة المنسوبة للإسلام والتي يتصدر اسمها نشرات الأنباء العالمية حتى الآن».

وأوضح: «أنا لا أعفي شرقنا العربي والإسلامي من أن يتحمل نصيبه الأوفى من المسؤولية التاريخية عن هذا الإرهاب، والإنصاف يقتضي أن نسجل كثيرا من الأسباب السياسية والدينية والتعليمية والاجتماعية، التي ساعدت بشكل أو بآخر في تهيئة المسرح لهذا اللامعقول، لكني لا أستطيع أن أفهم أن إمكانات المنطقة العلمية والتقنية والتسليحية وحدها كافية لتفسير القفزات والطفرات في قدرات هذا التنظيم وتوسعاته، كما لا أفهم سياسة الكر والفر في التصدي وإنقاذ الناس من شروره وأخطاره».

وأشار شيخ الأزهر إلى أن ثانية هذه الخواطر: أن هذا الشرق الذي يئن أهله تحت وطأة أزمات بالغة التقعيد، سبق أن قدَّم للغرب أيادي بيضاء، وحمل الكثير لحضارته، وأشعل في ربوعه جذوات العلم والثقافة والأدب والفنون، وتكفيني الإشارة السريعة لما يقوله أحد علماء الغرب المعاصرين من «أن الثقافة الأوروبية تدين بدين ضخم وهائل لعالم الإسلام، وأن المسلمين حافظوا على علوم اليونان القديمة وحسَّنوها وأضافوا إليها، وأنهم وضعوا أُسس العلوم والطب والفلك والملاحة الحديثة، وأنهم كانوا الملهمين لكثير من إنجازات الغرب الحديثة».

ولفت إلى أن الحل- فيما أرى هو في أخلاق إنسانية عامة عابرة للقارات، مُجْمع عليها شرقًا وغربًا، تسود عالمنا المعاصر وتحكم مسيرته، وتكون بديلًا للأخلاق المتناقضة المتضاربة التي دفعت عالمنا المعاصر إلى ما يشبه حالة الانتحار الحضاري، وليس من سبيل إلى برنامج أخلاقي عالمي –فيما يقول كينج- إلا مائدة الأديان والأديان وحدها ولكن ذلك مشروط بإقامة سلام بين الأديان نفسها أوَّلًا.

واختتم شيخ الأزهر حديثه: «من أجل تحقيق خطوة على طريق السلام الذي تدعو إليه جميع الأديان سعى الأزهر ليتعاون مع المؤسَّسات الدينية الكبرى في أوروبا، وبخاصة جمعية سانت إيجيديو والتي أحضر مؤتمرها للسلام للمرة الرابعة، ليؤكد الأزهر الشريف مع هذه المؤسسات استعداده لصنع سلام مع كافة الأديان والمذاهب.نعم! ومن أجل ذلكم جئت أمدُّ يدي – بصفتي مسلمًا – لكل محب للسلام كائنا ما كان دينه، وكائنا ما كان عرقه، وشُـكْــرًا لِحُسنِ استماعكم».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية