كتبت: دينا حمدى:
فى البداية كان الباب العالى هو مقر الحكومة العثمانية، وكان يطلق عليه فى عهد العثمانين «الديوان السلطانى» وكان يرأسه السلطان العثمانى نفسه، وفى الفترة من (885-886) هجريًا أو (1551-1481) ميلاديًا وضع السلطان محمد الفاتح تنظيمات جديدة شملت «الديوان السلطانى» ثم أطلق عليه «الباب العالى»، فقد أسند رئاسته إلى أعلى وزرائه قدرًا وأعظمهم شأنًا ألا وهو «الصدر الأعظم».
فقد أراد السلطان محمد الفاتح أن يرتكز الباب العالى على أربعة أركان هي «الصدر الأعظم» و«شيخ الإسلام أو قاضى العسكر»، والدفتردار «ناظر المالية»، والنشانجى «كاتب سر السلطان».
فقد ظهرت الدولة العثمانية منذ عام «699هـ» ولكنها لم تتسلم مقاليد الخلافة إلا في عام «923هـ»، لتتحول من مجرد دولة إسلامية إلى مقر للخلافة الإسلامية, وحامي حمى الإسلام، فقد كانت إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل واستمرت لما يقرب من 600 سنة منذ 27 يوليو 1299 حتى 29 أكتوبر 1923، فقد بلغت ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين 16و17 وامتدت أراضيها لتشمل قارات العالم القديم «أوروبا وآسيا وأفريقيا» فقد خضعت لها آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا فقد وصل عدد الولايات العثمانية 29 ولاية.
فقد أصبحت الدولة العثمانية فى أوج ازدهارها وقوتها فى عهد سليمان الأول والذى حكم منذ عام (1520حتى عام 1566) فقد كانت تمثل قوة عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية وهذين أقوى جبهتين لابد منهما حتى تزدهر وتقوى الدولة بأكملها فقد أصبحت عاصمتها القسطنطينية ولعبت كهمزة وصل بين العالمين الأوروبى المسيحى والشرق الإسلامى، ولكن بعد انتهاء عهد السلطان سليمان الأول الذى عرف عهده بـ«عصر الدولة العثمانية الذهبى» أصيبت الدولة بالضعف والانهيار وأخذت تفقد ممتلكاتها شيئًا فشيئًا على الرغم من أنها مرت بفترات من الانتعاش والإصلاح إلا أنها لم تكن كافية لإعادتها مرة أخرى على ما كانت عليه من قوة وتقدم وازدهار.
فقد انتهت الدولة العثمانية فى 1 نوفمبر 1922م وذلك بصفتها السياسية، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون في 24 يوليوسنة 1923م، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وأزيلت نهائيًا في 29 أكتوبرمن نفس السنة عند قيام الجمهورية التركية، التي تعتبر حاليًا الوريث الشرعي للدولة العثمانية.
لقد كان العثمانيون يقاتلون أوروبا, حتى قيل إنهم كانوا يحاربون في الجهات الأربع الأصلية في سبيل الإسلام في وقت واحد، فمن الغرب يقاتلون إمبراطورية النمسا, والإسبان في المغرب العربي، ومن الجنوب يقفون في وجه البرتغاليين في الجزيرة العربية, ويضغطون على الروس من الشمال ليخففوا من شدتهم على التتار والشراكسة المسلمين، ومن الشرق يحاربون الشيعة الذين عقدوا حلفًا مع الصليبيين لمحاربة أهل السنة والجماعة بصفة عامة, والخلافة العثمانية بصفة خاصة.
فعلى الرغم من أنها لم تشمل كل الأمصار الإسلامية إلا أنها ضمت أكثرها, وكانت محطًا لأنظار المسلمين في الأمصار التي تخرج عن نطاقها, بصفتها مقرًا للخلافة وبصفة أن حاكمها خليفة للمسلمين, وأيضًا لكونها دولة من القوى العظمى آنذاك في العالم، إن لم تكن أعظمها.
وكانت من المفارقات العجيبة التى نشهدها اليوم، من يوجه أصبع الاتهام إلى الدولة العثمانية وسلاطينها، لما لحق بالعالـم العربي والإسلامي من رزايا وتسلط وانحطاط، وكانت أشنع هذه الاتهامات التى وجهت أن الدولة العثمانية لم تكن فى يوم من الأيام تمثل الخلافة الإسلامية بشكل أو بآخر، وقيل أيضا إنها كانت جهازًا استعماريًا استبداديًا، وأن سلاطين آل عثمان ظلمة مـستبدونوكانت لهم قوة ضخمة تشتغل بالتجسس وتصادر الحريات العامة في جميع الأقاليم التي كانت خاضعة لصولجانه.
ولكن الحقيقة غير ذلك تمامًا فهذه أقاويل باطلة ونظريات دخيلة يحاول الغزو الفكرى والتبشيرى إذاعتها فى الأوساط العلمية، وكانت هناك آراء لعلماء وكتّاب كبار تفند هذه الافتراءات والمزاعم التى قيلت على الخلافة العثمانية، من أهمها: مقال كتبه عبد الله النديم في مجلة «الأستاذ» عام 1893هـ قال فيه: «لو كانت الدولة العثمانية مسيحية الدين لبقيت بقاء الدهر بين تلك الدول الكبرى، ولكن مغايرة الدين وسعي أوروبا الحثيث في تلاشي الدين الإسلامي أوجب هذا التحامل».
أما محمد عبده الـذي قال أثناء إقامته في بيروت عام 1889: «إن الدولة العثمانية وحدها المحافظة على سلطان الدين الكافلة لبقاء حوزته وليس للدين سلطان في سواها ».
أما ما يتعلق بأن الدولة العثمانية كانت تمارس الاستعمار فإنها فكرة مردودة بحكم التاريخ وغير صادقة تمامًا، فقد عملت الدولة العثمانية على توحيد الشعوب الإسلامية تحت سلطة واحدة محاولة الالتقاء والتكامل بين عناصر الأمة الواحدة من عرب وترك على إثر ضعف المماليك وتعرض بلاد الشام للـغـزو الـصـلـيـبـي فـي القرن السادس عشر، ويؤكد العديد من المؤرخين والباحثين المنصفين أن هذه الدولة قد حمت أكثر من خمسة قرون ظهر العالم الإسلامي من الغزو الصليبي الاستعماري فما إن سقط أسـطــولـها البحري عام 1827 حتى دخلت فرنسا الجزائر بحملة عسكرية بعد ثلاثة سـنـوات (1830) ثـم تـونـس (1881) ثم انعقـاد مؤتمر برلـيــن الاستـعـماري عام 1878 الذي يرمي إلى تقسيم ممتلكات الدولة التي كانت تعـرف «برجل أوروبا المريض» حسب زعم تلك الدول.
فقد كان تاريخ الـقــرن الـسـادس عـشــر والسابع عشر يعتبر بداية التآكل على المستويين الداخلي والخارجي بعد مدٍ وجزر.. وتقدمٍ وتـأخـر.. وإشراق ونكوص.. انتصار وخيبة.. فتح واسترداد.. فقد حكمها خلال القرون المتعاقـبـة الـعـديـد مـن الـسلاطين، منهم من امتاز بعـظـمـتـه كالسلطان مراد الرابع الذي حكم للفترة 1633-1640م والـذي اسـتـطـاع أن يخلص بغداد قبل موته بسنة واحدة من سيطرة الفرس الصفويين الثانية على العراق وذلك سنة 1638م، فاقترن اسمه بعد ذلك بـ(فاتح بغداد).
ومن السلاطين الآخرين- من امتاز- بقله تجـربـتـه، وضـعـف شكيمته كالسلطان مصطفى الأول الذي حكم للفترة (1622- 1623) فقد تدخل الجيش فـي شــؤون الدولـة. كما يحتفظ التاريخ للشعب التركي المسلم بمزايا عديدة منها أنه شعب مناهض متحمس طـمـوح فـيـه روح الجهاد وكان سليماً بحكم نشأته وقرب عهده بالفطرة والبساطة في الحياة.
فـقـد لـعـبـت الـطـائـفـة اليهودية المعروفة بـ(يهود الدونمة) دوراً خطيراً في تأليب الوضع السياسي داخل الـدولــة بحيث كانت صاحبة اليد الطولى في إنشاء حزب الاتحاد والترقي المتشبع بالعصبية الطورانية المعادية للعروبة والإسلام حتى يومنا هذا.