أصبحت ناقلة الغاز الطبيعى الروسية «كريستوف دو مارجيرى»، أول سفينة تجارية تبحر عبر القطب الشمالى دون مساعدة كاسحات الجليد، بعد أن نجحت، الخميس الماضى، فى الإبحار عبر بحر الشمال من النرويج وصولاً إلى كوريا الجنوبية فى 19 يوما فقط، وهو ما يُعد أسرع بنسبة 30% من الطريق التقليدى لقناة السويس.
وحسب تقارير صحفية، تمكنت السفينة من عبور الجزء الشمالى من الرحلة، والمقدر بنحو 2000 ميل بحرى، فى ستة أيام ونصف اليوم، بسبب تغير المناخ، الذى قلص من حجم الجليد فى بحر الشمال.
المسار الجديد الذى اتخذته السفينة الروسية يُعد مساراً موسمياً، إذ يتقلص حجم الجليد بشكل طبيعى تماماً خلال فصلى الربيع والصيف، ويعود إلى حجمه الطبيعى خلال فصل الشتاء، ولكن مع الارتفاع المطرد لدرجات الحرارة فى العالم بسبب التغير المناخى، وصل الجليد البحرى القديم لأقل مستوى فى ثلاثة عقود، ما ساعد السفينة الروسية «كريستوف دو مارجيرى» على العبور من بحر الشمال دون استخدام كاسحات الجليد.
السفينة، التى صُممت خصيصاً للإبحار بشكل مستقل فى جليد سُمكه 2.1 متر، ستكون قادرة على العمل فى المياه القارية فى القطب الشمالى على مدار السنة، وليس خلال أشهر الصيف فحسب، حسب الشركة المالكة للسفينة، التى تقول إن الطريق عبر بحر الشمال «أكثر وضوحاً من أى شكل مضى».
وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» تنبأت قبل عقود باختفاء الجليد لمدة لا تقل عن شهر قبل نهاية القرن الواحد والعشرين، وتوقعت أن يختفى الجليد بشكل كامل فى منتصف القرن القادم إذا لم تتخذ الدول موقفاً موحداً تجاه التغييرات المناخية.
وحسب الدكتور محمد الراعى، أستاذ الفيزياء البيئية، العميد الأسبق لمعهد الدراسات العليا، فإن طريق بحر الشمال سيكون متاحاً للإبحار بالكامل خلال 10 سنوات من الآن.
ويقول «الراعى»، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، إن المدى المنظور سيشهد ذوباناً كلياً لجليد بحر الشمال، الأمر الذى سيترتب عليه تغيير مسارات سفن الشحن العملاقة، «نحن هنا نتكلم عن وفر فى الوقود، والوقت، والتكاليف، والعمالة، وبالتأكيد ستقوم الشركات باتخاذ المسار البديل لقناة السويس».
ويشير «الراعى» إلى أن الدراسات العلمية تؤكد أن كل تأثيرات التغير المناخى سلبية، «فيما عدا فتح ذلك الطريق»، لافتاً إلى أن المفارقة التى صنعها فتح هذا الطريق تتمثل فى أن التغير المناخى سيتسبب فى حرق كميات أقل من الوقود الأحفورى، الذى تسبب فى الظاهرة من الأساس.
ويرى «الراعى» أن مصر عليها أن تضغط لتفعيل اتفاقية باريس للمناخ، والتى تنص على تقليل الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحرارى، «غير أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية سيجعل الموقف المصرى ضعيفاً للغاية».
وعلى النقيض، يرى الدكتور أحمد سلطان، خبير النقل البحرى واللوجستيات، أن قناة السويس ليس لها منافس، قائلاً، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، إن القناة ستفرض وجودها على خريطة الملاحة العالمية، «فكل ما عداها مجرد محاولات تجريبية تثبت عدم جدواها الاقتصادية والفنية»، على حد قوله.
فى العام الماضى، نشرت هيئة تحليل السياسات الاقتصادية بهولندا دراسة بعنوان: «الأثر الاقتصادى لفتح طريق بحر الشمال»، جاء فيها أن العالم سيشهد خلال الفترة المقبلة تراجعاً فى حركة المرور عبر قناة السويس، لصالح حركة شحن كثيفة عبر القطب الشمالى.
وجاء فى الدراسة أن الاستخدام التجارى لبحر الشمال أصبح ممكناً فى نهاية المطاف بسبب ذوبان جليد القطب الشمالى، وهو الأمر الذى سيسبب تطوراً رئيسياً فى صناعة النقل البحرى، فالنقل عبر بحر الشمال سيوفر حوالى ثلث الوقت المستغرق لوصول البضائع.
وقالت الدراسة، التى تحتفظ «المصرى اليوم» بنسخة منها، إن التغييرات فى طرق الشحن التقليدية ستؤثر على الدخل الحقيقى للبلدان المعنية، مثل مصر وسنغافورة، كما أن التحول المتوقع فى التجارة ستترتب عليه آثار جيوسياسية مهمة، وسيؤدى إلى إعادة تنظيم سلاسل القيمة العالمية داخل أوروبا وبين أوروبا وآسيا، كما سيزداد الاهتمام السياسى والضغط البيئى على القطب الشمالى.
وبينت الدراسة أن تحويل الطريق التجارى سيكون له أثر اقتصادى سلبى على دول جنوب وشرق أوروبا أيضاً، إذ سيقل الضغط على الموانئ على البحر المتوسط، ما سيقلل من عائدات مرور السفن فى المناطق المعنية.