أكد الفنان محمود الجندى أن سبب إعلانه الاعتزال مؤخراً هو ما عاناه في الوسط الفنى والجو المحيط به الذي لم يعد يتقبله. وكشف الجندى خلال ندوته بـ«المصرى اليوم» أنه لم يعتزل الإبداع لكنه سيواصل تقديم عروض مسرحية عبر فرقة «أبوالمطامير» التي أسسها ليكتشف من خلالها مواهب شابة ويدفع بها. وأشار إلى أنه تعطل في مشواره بسبب ظروف البلد في السبعينيات، ما جعل زملاؤه يتفوقون عليه ويسبقونه، وعبر عن شعوره بالحزن تجاه عدم التقدير والتجاهل اللذين عاناهما، خاصة مع تصدر أسماء الفنانين الشباب مسلسله الأخير «رمضان كريم» في تجاهل من مسؤولى الدعاية لتاريخه، رغم أنه أحد الأبطال الأساسيين.. وإلى نص الندوة:
■ بداية.. ما السبب الذي جعلك تتخذ قرار الاعتزال مؤخراً؟ وما الذي أوصلك لهذه الدرجة؟
- الموضوع ليست له علاقة بأن أحداً ضايقنى، لكنها كانت تراكمات الفترة الماضية كلها، وكنت طوال الوقت أعطى أعذاراً للجو المحيط حتى أستطيع تقبله والعيش فيه، لأننى طوال حياتى أمر بأزمات وصدمات ومواقف صعبة، والحمدلله ربنا بيعطينى القوة لتجاوزها، وكنت دائمًا أعطى لنفسى مُبرراً لأقبل بالوضع القائم حتى أعيش وسطه، لكن الإنسان له طاقة ويتحمل حتى درجة معينة، وفى الفترة الأخيرة المسألة زادت بشكل كبير، وشعرت أنها أصبحت سمة عامة أو قانوناً يسود الوسط الفنى كله في التعامل مع الفنانين الكبار «الخبرة والسن»، وهذا جعلنى أشعر بعدم اهتمام وعدم تقدير وهذا شىء يقتل الفنان ويجعله يعمل وهو غير راضٍ، ولكن ليس هذا الذي تربينا عليه، إذن الأفضل أن ينسحب الشخص بهدوء، وهناك كثيرون غيرى أخذوا هذا القرار لكن دون إعلان، وفنانون من جيلى والجيل الذي يسبقنى «قاعدين في بيوتهم»، إما لعدم عرض أعمال عليهم أو لأنهم شخصيًا زهدوا واحترموا أنفسهم وابتعدوا عن الطلب، فالفنان عندما يطلب تقديراً، فهذا شىء قاس ومُهين، ولم أتحمل تلك الحكاية وقررت أن أحترم الجمهور ونفسى وأبتعد عن هذا الجو، فربما يشعر الناس بهذا ويغيرون من تعاملهم مع من سيأتى بعدى.
■ في الستينيات والسبعينيات كان وزير الثقافة يتدخل لحل مثل هذه الأمور التي تنتاب الوسط، لكن حاليًا من الذي تنتظره لتولى تلك المهمة؟
- نحن الآن «ملناش كبير»، «فمن آمن العقاب أساء الأدب»، وعندما تعم الفوضى لا تجد من تشكوه، وقديمًا في التليفزيون كنا نشكو لرئيسه، ويكون هناك حساب لمن أخطأ، وأحيانًا يأتى التقدير من الدولة، فمنذ البداية لم أضع الدولة في رأسى لأننا مررنا بأيام صعبة، «فمكنش حد فاضى لحد»، فقلت لنفسى لن أكون عبئا أيضًا بسؤال «لماذا لا تقدرونى؟»، ولا أحب فكرة طلب الاحترام والتقدير، وإذا لم يُفعل هذا من من تلقاء نفسه فلا قيمة له، ومنذ بداية السبعينيات بعد تخرجى في معهد السينما، دخلت الجيش ولم أحقق أحلامى لأن ظروف البلد كانت هكذا حينها، وعندما أنهيت الجيش «كنت متعشم» أن يتم التقدير بناء على الفترة التي حُرمت منها من العمل في هوايتى التي أحبها، وأستطيع اللحاق بأصدقائى الذين لم يدخلوا الجيش حينها، واستغلوا الفترة وحققوا خطوات مهمة في مشوارهم، ففى الفن «الساعة تفرق عن السنة»، لأن عملا واحدا يقدمه فنان ينقله خطوات للأمام، وبالتالى كنت أنتظر خطوات تعويض، على الأقل يعطوننى فرصة مثل زملائى الذين كانوا خارج الجيش، لكن لم يحدث، فبدأت أحفر بيدى في الصخر حتى كونت اسمى، وقلت حينها «الحمدلله ربنا عوضنى» فليس هناك داعى لطلب تعويض، فمنذ البداية الدولة لا تُكرم رموزها الكبار الذين سبقوننى، فلم أر أحدا كُرم أو اُعترف بجميله وبفضله أو بمجهوده في الثورة أو في التنمية، فقلت لنفسى «مش أنت اللى هتكسر القانون ده».
■ لكن قرار الاعتزال بالنسبة للفنان أشبه بالانتحار وإنهاء حياته الفنية بيديه؟
- الاعتزال لا يعنى اعتزال الإبداع، إنما اعتزال التعامل مع الوسط الحالى، فلدى فرقة في البحيرة «أبوالمطامير» أقدم لهم عروضاً مسرحية كل عام، ومجموعة شباب أدربهم على الذي تعلمته، وشعرت أن هذا ديناً علىّ، فليس لدى نقود لإنشاء مسرح لهم، إنما أستطيع تعليمهم العلم الذي تعلمته، وهذه زكاة الخبرة والموهبة مثل زكاة المال، وأمثل مع الفرقة منذ خمس سنوات، وهذا النشاط يجعلنى أشعر بالسعادة لأننى أخذت الشباب من المقاهى حتى يقدموا نشاطا فنيا محترما يُبعدهم عن الانحراف، وهذا دور مهم جدًا للفنان ويبقى في رصيده.
■ هناك أعمال فنية كنت مشاركاً فيها.. ما مصيرها بعد قرار اعتزالك؟
- سأنهى الأعمال التي تعاقدت عليها، لأنه لا يصح بعد ما بدأت تصوير أن أتسبب في خسارة الناس لأموالهم.
■ القرار الذي اتخذته بالاعتزال بالتأكيد حاول البعض مساندتك فيه أو إقناعك بالتراجع.. مَنْ كان أول شخص تحدث معك؟
- أول مكالمة تليفون كانت من الأستاذ رشوان توفيق، قال لى «ليه يا محمود تعمل كده؟ ما إحنا عايشين وبنشتغل والدنيا ماشية»، فرديت عليه «يا عم رشوان ربنا يديك الصحة أنت شايف إن التعامل معانا دلوقتى زى زمان؟ هل يليق بنا؟!»، فرد «لا.. بس هو نظام الدنيا كده، وسنة الحياة»، فقولت له «تعلمنا في سنة الحياة أن الكبير يحنو على الصغير، والصغير يحترم الكبير»، كان يحاول أن يعدلنى عن القرار، وهو ربنا يعطيه الصحة متسامح طوال عمره، أما من الشباب الصغير فكلمنى ميدو عادل، وكان منزعجًا جدًا وحاول يقنعنى بالتراجع عنه، وثالث مكالمة قلقتنى كانت من نقيب الممثلين أشرف زكى، يُخبرنى أنه معى وعارف أن الجو العام لا يليق، لكن مضطرين نشتغل، فكان هذا قرارًا مُتخاذلًا جدًا ضايقنى، وحزنت بهذا الاتصال فهو ليس مشاركة عملية، وهناك حالة غضب من قطاع معين من أعضاء النقابة الكبار في السن، فيجب أن تدرس النقابة شكواهم.
■ هل أحمد الجندى لم يحاول التواصل معك بعد هذا القرار؟
- أحمد أنا من ربيته، وهو مدرك للأشياء التي تغضبنى، وسألنى: ماذا ستفعل؟ فقلت له «ربنا هو اللى بيرزق والرزق بيجى من أي اتجاه»، وطالما أننى جربت دورى في الفن ولم أكسب منه إذن أستطيع أن أكسب من أي اتجاه آخر حتى إذا فتحت كشكا ووضعت مكتبتى وأبيع الكتب في الشارع، وأخبرته أننى سأسافر، فكان كل اعتراضه أن أفتح أي مشروع، فكان يرغب في أن يقول لى بشكل غير مباشر «يعنى أنت سنك كبر ومش حمل تبهدل نفسك فخليك هنا جنبنا واعمل اللى أنت عايزه»، وهذا كان رأيه، إنما لم يعترض على قرارى لأنه عارف أننى لن أتحمل هذا.
■ لكن إذا جاء لك وطلبك في عمل هو به ماذا سيكون ردك؟
- طبعًا سأوافق، لكن إذا ضمن لى أن الإنتاج سيوافق على الشروط التي سأضعها، فهو وحده كمخرج ليس مسؤولاً عن العمل ككل، فمعه إنتاج يتحمل النفقة، وقناة لها شروط، فالمنتج يقدم العمل ولا يعرف من سيذيع.
■ ما الشروط التي ستضعها إذا عُرض عليك عمل مثل هذا؟
- أن آخذ حقى الأدبى والمادى، لأننى تنازلت كثيرًا في بداية حياتى، فكنت أعمل بـ8 و10 جنيهات، ولم أكن أنظر لموضوع قفزات الأجور، وكنت أرى أنها رزق، فلا أسأل زميلى كم أخذ طالما أخذت ما يرضينى انتهى الموضوع، لكن فجأة شعرنا بالفجوة الرهيبة بين أجورنا وأجور الشباب الجديد، فأصبحت تُعامل على القدر الذي ستقبضه، و«تقبض رخيص تعيش رخيص وتُعامل برخص في كل شىء سواء مواعيدك والمكان الذي تجلس فيه»، فبالتالى هذه نظرة بشعة لا أستطيع التعامل وسطها.
■ هل لو عُرض عليك عمل مهم مع أشخاص لهم قدرهم ستوافق؟
- الموجودون حاليًا الفن بالنسبة لهم تجارة، والتجارة تلغى العقل والقلب، فلا يهتم أحد بأن فلانًا زعل أو غضب، المهم هكسب أم هخسر؟، إنما لو غضب فلان مع السلامة هناك غيره وأرخص منه، فهو لا يقدر مدى تأثير الفن ولا دوره الحقيقى.
■ لكن هذه منظومة نحن داخلها منذ سنوات، وهناك فنانون كبار استطاعوا التكيف مع الوضع بمرور الوقت.
- «صوابعك مش زى بعضها»، وكل شخص استعداده النفسى مختلف عن الآخر، صحيح إن «ياما دقت على الراس طبول»، فمنذ تخرجى في المعهد وأمورى غير مستقرة، أخرج من مأزق لآخر، تخرجت في المعهد، قضيت 7 سنوات في الجيش بعدها، وعندما بدأت أعمل كان زمايلى أصبحوا نجوما، وأصبح الفرق بينى وبينهم كبيرا، تحملت هذا وقدمت أدوارا ثانوية وكومبارس، على أمل أن تلفت موهبتى نظر أحد وآخذ فرصتى، وأثناء عملى كانت هناك أعمال مناسبة وأخرى غير مناسبة، وحينها كان عندى بيت وأسرة ومصاريف، فكنت أضطر لقبولها، وهذا ضغط على أعصابى وعلىّ نفسيًا، لكنى تحملت ومررت بهذه المرحلة، وهناك أشخاص تستطيع تحمل هذا حاليًا، لكن طاقتى وصلت لنهايتها.
■ هل ترى أن دور وزير الإعلام في مصر ضرورى حتى إذا كانت أحوال البلد مستقرة وليست في حرب؟
- مازلنا في هذا الاحتياج لوزير الإعلام، وأيضًا لدور الدولة في التوجيه، فقديمًا كانت اسمها «وزارة الثقافة والإرشاد والتوجيه»، فنحن مازلنا بحاجة للإرشاد، والبلد التعليم قليل فيها والأمية منتشرة، وحتى أُقدم ديمقراطية حقيقية لابد من العلم، فلا يمكن الاختيار وأنا لا أعرف، والحرية ستأتى بالعلم، ومازلنا لم نصل لدرجة العلم الكافية التي تجعلنا نختار بحرية، ودور الفن والإبداع أن نعلّم ونثقف الناس، فهذا الدور إما الدولة تقدمه أو توجه الناس له.
■ الدولة حاليًا توجه دورها في الإصلاح الاقتصادى كمنظومة الدعم وسعر الخبز.. إذن الدولة مهتمة باحتياجات الشعب؟
- إذن الدولة دورها ناقص أيضًا، لأن الجيش إذا كان يُدافع عن الحدود الخارجية، فالفن دوره يدافع عن الداخل وعن وجدان الشعب وعقولهم، وهذا هو دور الثقافة والفن، ولا يجب أن تهمله الدولة وتقول إنها مهتمة بتأمين لقمة العيش والحدود الخارجية، فهناك تأمين أخطر وأهم هو التأمين الداخلى، بدليل أننا نحاول إصلاح ما أفسده الدهر من إهمال لهذه المرحلة، وعندما تراجع دور الفن الفترة الماضية ستجد أخطاء نحاربها الفترة الحالية، وأنا مؤمن بأن هناك مؤامرة حقيقية على مصر، حتى تبعد عن الوجود وتعمد لإلغاء دورها من كل الجوانب.
■ معنى ذلك إذا جاءك عرض في مسرح الدولة.. هل تقبل تقديمه؟
- يحكم المسرح إهمال آخر وهو العمل الوظيفى، فالفن عمره ما يكون روتين، ولن أتراجع عن قرارى ولن أقبل العرض لأنه سيكون داخله نفس الموظفين الذين يشرفون عليه، والموجودون حاليًا لا يتحملون مسؤولية عمل مهم، ولن يعطوه الاهتمام الذي يستحقه، لأنهم في النهاية موظفون.
■ ذكرت أن طاقتك نفدت وظهر هذا في آخر عمل لك، فما الذي حدث جعل صبرك ينفد؟
- قناة dmc التي عرضت العمل نزلت دعايته، وأهملت تمامًا وجودى فيه، فمن المفترض أننى وسيد رجب نقدم دورين، هما «رمضان» و«كريم» أخان بينهما مشاكل، والقصة تدور حولهما، إذن عندما تعرض الأفيش الكبير في الشوارع وتضع الشباب وحدهم- طبعًا الشباب على عينى وراسى- لكن نحن أيضًا كنا شبابا والكبار قدمونا بجانبهم، لكن «لما أبقى أنا كبرت أتركن ويصبح المتصدر في الدعاية والتقدير هم الشباب وحدهم، «يبقى ده عيب»، وعندما أبديت اعتراضى أهملوا هذا الاعتراض، فأخبرت المنتج أحمد السبكى، فهو شخص محترم، قال لى إنه سلم المسلسل للشركة، وتعاقده معها أن القناة هي التي تقوم بالدعاية والإعلان، طبعًا هو مخطئ وعرف خطأه لأنه أول مرة يقدم مسلسلاً، وأخبرنا أنه مازال يتعلم منا، وعندما أخبروا القناة كان ردهم أنهم تعاقدوا مع شركة دعاية وإعلان وهى المسؤولة، وبذلك هم أخلوا مسؤوليتهم، لكن هم عرفوا أننى غاضب فهل هناك تقدير للـ50 سنة شغل في الوسط بالنسبة لكم أم لا؟ هل هناك 10 متفرجين يحبوا يشاهدوا محمود الجندى أم لا؟ وهم أهملوا وجودى في العمل وأهملوا غضبى، ولم يحاول أحد إصلاح الموقف أو الاعتذار عنه.
■ ما رأيك فيما يتم تداوله حاليًا عن الخصخصة في التليفزيون؟
- ليس لدىّ ثقة في أن هذا من الممكن أن يفعل شيئاً، إن لم يكن هناك مسؤول كبير يخاف منه الموظفون فلن يكون هناك إنجاز صحيح، وسنعود مرة أخرى لفكرة وزير الإعلام، لأن هذه المسألة ظلت متروكة كشركة، فهى ستعمل على فكرة المكسب والخسارة أيضًا، ويصبح هو رئيس مجلس الإدارة، وتتم المحاسبة من الجهاز المركزى للمحاسبات، لكن لابد أن تكون هناك ثقة بأن هذا العمل خدمة ثقافية وفنية للجمهور، وأهمية دورهم في تنمية وجدان الشعب والناس.
■ وماذا عن فرقتك المسرحية؟
- الفرقة تتبع رسميًا الثقافة الجماهيرية، لكنها لم تُقدم أي دعم، حيث أدفع كل تكاليف العرض من ديكور وملابس وتسجيل موسيقى، والثقافة الجماهيرية تُقدم اعتماداً على الورق، وحتى نصرفه «ندوخ السبع دوخات»، وحتى الآن لم نصرف شيئاً، ولا أنظر للملاليم التي يضعونها.
■ كم عرضاً قدمته هناك؟
- قدمت حتى الآن 4 أو 5 عروض، منها «ولاد اللذينة» للأستاذ أسامة أنور عكاشة، و«أم الدنيا» عن نص محسن مصيلحى، والعام الماضى قدمت «اعملوا معروف» تأليفى وإخراجى، وهذا العام أجهز عرض «فى قلوبهم مرض» عن الإرهاب، وهو كتابة دكتور عمر مجدى خريج آداب مسرح، وهو شاب في أول أعماله، وأسعى أن أجد مسرحاً في القاهرة نعرض عليه، ويبدأ الناس في التعرف عليهم، وأعتقد أن هذا العرض سيكون مهماً، وإذا شاهده أحد من وزارة الثقافة سيُعممه على جميع المحافظات، لأنه يُوعى من أصحاب الأفكار المتطرفة، من خلال شخصية إرهابى يتوجه لتفجير كنيسة، وحين ينكشف يحاول الهرب داخل فيلا مكتوب عليها الشيخ أحمد محمود، وتحمست له لأنه من الأعمال المطلوبة في هذا الوقت.
■ وماذا عن العائد من تلك العروض؟
- العائد هو السعادة والراحة النفسية، فعندما أرى شاباً معى من الموهوبين الصغار وموهبته تفوق أي من المحترفين الموجودين في السوق، أكون في قمة سعادتى أننى أعلمه وأدربه وأفهمه الفن الحقيقى، وسعادتى تكون أكثر من حصولى على جائزة الأوسكار مثلاً.
■ هل هذه التجربة تعوض بها فكرة الإنتاج التي لم تكتمل في مشوارك؟
- بالظبط، لأننى وجدت نفسى غير مؤهل للإنتاج، فالمنتج يوقف قلبه وعقله على اتجاه واحد، مكسب وخسارة، وعندما أنتجت، فعلت ذلك بحماسى للفكرة لكن هذا لا ينفع مع المنتج.
■ عندما يتجه الفنان للإنتاج يكون هدفه البطولة المطلقة، لكنك أنتجت بهدف البطولة الجماعية؟
- لم يكن الغرض منها البطولة، لأننى كنت أعمل وقتها في عدة أعمال، لكن كان غرضى أن الفلوس التي ربحناها من الفن نعيد استثمارها فيه مرة ثانية، حتى نقول ما نرغب في قوله، وكان أيضًا بداية الخوف من أن يضغط القطاع الخاص ويقدم أفكاره، وكانت الفكرة وقتها المشاركة لتقديم أعمال تؤكد دور الفن في المجتمع، وكانت تشغلنى فكرة الحرية، لذلك بدأت بفكرة فيلم «المرشد»، وهو إنسان كان يعمل مرشداً لضابط واحتقر نفسه عندما وجد أنه يخون، فقرر أن يبتعد عن هذه المهنة لكن الضابط يحتاجه فبدأ يحاصره ووقع في صدام معه.
■ طالما لديك هذه الفكرة للعروض المسرحية لماذا لم تنفذها مع مسرح الدولة؟
- إذا شجعونى سأفعل ذلك، إنما أنا لا أرى أي تشجيع منهم، فهم يحبطون أي مُبدع في النظام الوظيفى الموجود في الهيئة «البيت الفنى للمسرح»، فقدمت عرض «اللى بنى مصر» لطلعت حرب، وذلك لحماسى لكاتب النص محسن مصيلحى، فكان في وكالة الغورى من حوالى خمسة وعشرين سنة وإخراج عصام السيد، ولم يأخذ العرض حظه وأُغلق سريعًا لأن الحكومة لم تكن راضية عنه وقتها، فقرر فاروق حسنى، وزير الثقافة حينها، إغلاق العرض، وبعد سنوات وجدت فتوح أحمد يتصل بى ويخبرنى أن هناك مخرجا شابا يرغب في إعادة تقديم عرض «اللى بنى مصر»، فوافقت على الفور، لأننى متعاطف جدًا مع هذا النص، وكان محسن قد كتبه على طريقة الجريدة المسرحية، ففى كل فترة يُجدد في أحداث المسرحية مع تغير أحوال البلد، فجددنا في النص، ولكن وجدت سلبيات كثيرة في المسرح فلا توجد إمكانيات ومعظم الأجهزة عطلانة، وبجانبه مسرح آخر يقدم عرضاً بموسيقى أخرى، فلا يوجد تنسيق وتسويق، فكنت أنزل بنفسى للشركات وأبيع تذاكر لهل، ونزلت البنوك لإقناع الموظفين بحضور عرض مسرحى عن طلعت حرب.
■ ما علاقتك بالسياسة؟
- لفظ قالوه زمان «السياسة نجاسة»، لأن السياسة مُتغيرة وتحكمها أحيانًا الأهواء الشخصية، فهى غير مرتبطة بالقيم المجتمعية، فعلم الاجتماع عندى أهم، وعلاقات الناس ببعضها أيضًا، فكلما ارتبطت بالعلوم النفسية والاجتماعية وتعرف في الدين ستستفيد وتُفيد، إنما السياسة مُتغيرة، فسياسة اليوم تختلف عن سياسة العام الماضى، فعندما أعطى رأياً سياسياً يجب أن أكون مُلماً بما هو مُلم به صاحب القرار السياسى، وأنا لست مُلماً بكل هذا، إذن لا أتحدث في شىء لا أفهمه جيدًا، فلا أُحب أن يُحسب علىّ كلامى أو أن أُخطئ في حق أشخاص أو أفكار.
■ حياتك الشخصية مرت بعدة تحولات، عندما تتذكرها ما أبرز شىء فيها؟
- مررت بخبطات كثيرة، من بينها تخبطات فكرية، وكانت من المراحل المهمة في حياتى، وهى تواجه كل الشباب عندما يبدأ مرحلة التكوين والتعرف على نفسه، فإذا وجد من يرشده للطريق الصحيح ربنا يعفيه، وإذا لم يجد فيكون حظه سيئاً، وما أوصلنى لهذه المرحلة عدة قراءات لكتب معينة، والجو المحيط من بعض الزملاء في المنتديات الثقافية كانت شبه ظاهرة، وأنا واحد يبحث عن نفسه، وأسعى خلف الظواهر، ومن أولى تلك الظواهر الحالة النفسية التي تُصيب الشباب، وهى رفض كل جديد ومحاولة إثبات الذات، وهذا أدخلنى في مرحلة بحث خاطئة.
■ من كان يرشدك في تلك المرحلة؟
- كان منهم دكتور سيد القمنى، وكتاب «حروب دولة الرسول» قرأته، وجدته يتحدث عن الأشياء التي أعرفها بشكل آخر وبصيغة إقناع مختلفة فجذبنى، وبدأنا نتحدث ونتقابل وتصادقنا وبدأت أتأثر جدًا بطريقته في التفكير، وعندما تركت تلك المرحلة نسيت كل ما يتعلق بها، فالمراحل التي تُضايقنى أمسحها من تفكيرى، ووصلتنى رسالة إلهية يوم حادثة الحريق التي نشبت في منزلى، فوجدت الجزء الذي يحترق هو الذي يحوى تلك الكتب، فشعرت أنها رسالة بأن ما كنت أبحث عنه يحترق وتاريخى كله من مجلدات وجرائد يحترق، إذ لم أستطع منعه من الحرق، فكان الرد السريع منى والإحساس في هذه اللحظة أنه «يا رب أنا مُعترف بكل أخطائى ومن اليوم ليس لى علاقة بالكلام المتطرف واللى هتعمله راضى عنه وسامحنى عن اللى فات».
■ دخلت بعدها إلى عالم الصوفية؟
- القرب والبحث هنا كان في طريق منير أكثر، وبه علاقات أكبر وبوضوح، لأن ما ترغب في معرفته موجود ومثبت، فكانت مرحلة استعادة ثقة، وتوقفت فترة عن العمل حتى التقيت الحبيب على الجفرى، وقال لى «عندما تذهب الآن فأنت تُهين زملاءك فهل منهم أناس سيئين؟» فأخبرته بأن بينهم كثيرين جيدين، فرد أنه إذا انسحبت الآن إذن هذا إثبات أنهم سيئون، إذن الأفضل أن تكون وسطهم وقدوة لهم.
■ في هذه الفترة ظهرت بشكل مختلف «الجلابية» فهل هذا له علاقة بالصوفية؟
- إطلاقًا، كانت لها علاقة بالراحة النفسية، ومثلت بها لأن المخرج كان يطلبنى في أدوار وأنا أرتديها مثل «واحد من الناس» للمخرج أحمد نادر جلال ولم أفرضها، لكن في الحياة الطبيعية كانت هي الزى الخاص بى، هذا الزى كان مُريحاً جدًا نفسيًا بالنسبة لى، وفى الفلاحين نرتدى الجلباب.
■ هل بعد هذه الفترة رغبت في العودة لمكان نشأتك وجذورك في الفلاحين؟
- طول عمرى مرتبط بـ«أبوالمطامير» لدرجة أننى كونت فرقتى المسرحية حتى أجد سبباً للذهاب هناك دائمًا، فلا أنساها أبدًا، واضطريت لتغيير الجلباب عندما وجدت تريقة من بعض الزملاء على اللبس، وحتى لا أُهين من يرتديه.
■ بعدما اتخذت قرار الاعتزال بالتأكيد تذكرت شريط حياتك في تلك اللحظة.. فماذا تذكرت؟
- حمدت الله أنه بالتزامن مع اتخاذى لهذا القرار كانت قناة ماسبيرو زمان تذيع مسلسل «عصفور النار»، وعندما رأيت هذا المسلسل فرحت جدًا واتصلت بالمخرج محمد فاضل، وقلت له إن هذا المسلسل جاء في وقته حتى يخبرنى «احمد ربنا إنك عشت هذه الفترة وتعلمت من هؤلاء الناس واشتغلت أشياء بهذه القيمة»، هذه الأشياء التي تذكرتها وقتها، ثم جلست أتذكر كل الأشياء الحلوة التي قدمتها، وأننى لم أشارك في أعمال هابطة تسىء إلى مصر أو جمهورها، الفن المصرى واللهجة المصرية سادت في كل الدول، وما ينفعش حاليًا أن أرى الفن المصرى تُقدم فيه أعمال تُعبر تعبيراً خاطئاً عن الشخصية المصرية وأسكت، وإذا اعترضت على فكرة أو دور فغيرى سيقدمها.
■ ختاما.. هل نستطيع القول إن الفن غدار؟
- لا الفن عمره ما كان غدار، لكن عندما دخلت الرغبة في الربح وكسب الفلوس أفسدت الغرض الرئيسى منه، فـالفنان يتعامل حتى يعلم الناس القيم والأخلاق والمبادئ الجيدة، فإذا لم يتعامل بها من يقدمون الفن إذن نحن ناس كذابين ومنافقين.