اختتمت، الاثنين، أعمال مؤتمر «المصرى اليوم» «مصر بكره» بإصدار بيان صوَّت عليه الحضور بالأغلبية، وأكدوا جميعهم رفضهم التعديلات الدستورية من حيث المبدأ، مؤكدين أن الدستور المصرى لعام 1971 سقط بحكم الأمر الواقع يوم اندلاع الثورة، مشيرين إلى أن شرعية المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسها نابعة من الشرعية الثورية وليس الشرعية الدستورية.
وطالب المؤتمر الناخبين _ إذا ما أصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية – بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت بـ«لا» دون أى إضافات حتى لا يبطل الصوت.
وأسفر التصويت، الذى أشرف عليه الخبير الإعلامى ياسر عبد العزيز حول الاستفتاء على التعديلات الدستورية، عن رفض 90.4% التعديلات الدستورية المقترحة والمزمع الاستفتاء عليها يوم 19 مارس، وصوتت نسبة 79.9% من الحضور بـعدم الموافقة على كون التعديلات الدستورية المقترحة تؤسس لمرحلة انتقالية وتليها خطوات أخرى، وبلغت نسبة الموافقين على سقوط «دستور 1971 72.2%»، ووافقت نسبة 91.5 % على ضرورة إصدار إعلان دستورى مؤقت يليه انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد.
شارك فى المؤتمر نخبة من الدستوريين والقانونيين والحقوقيين وشباب من ائتلاف ثورة 25 يناير وكبار الكتاب والأدباء والفنانين، منهم المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، التى أدارت المؤتمر، والفقيه الدستورى محمد نور فرحات والدكتورة منى ذو الفقار، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، والدكتور حسام عيسى، أستاذ القانون بجامعة عين شمس، والدكتور محمد أبوالغار، عضو الجمعية الوطنية للتغيير، والدكتور جابر نصار، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، وبعض شباب ائتلاف ثورة شباب 25 يناير وسامح عاشور، نقيب المحامين السابق، وعصام سلطان، المحامى ونائب رئيس حزب الوسط، ونجاد البرعى، المحامى والناشط الحقوقى، والكاتب صلاح منتصر والكاتبة فريدة الشوباشى والدكتور حسن نافعة والدكتور جمال العدل والمخرج خالد يوسف والسيناريست وحيد حامد والفنان خالد النبوى والفنانتان بسمة وجيهان فاضل والسيناريست تامر حبيب.
واختار المشاركون لجنة مصغرة من الحضور لتسليم قرارات المؤتمر إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة تضم كلا من المستشارة تهانى الجبالى والدكتور محمد نور فرحات والمخرج خالد يوسف والدكتور حسام عيسى والدكتور جابر نصار واثنين من شباب ائتلاف ثورة 25 يناير هما أحمد أبو حسين وفريدة حسن.
ونص البيان الختامى للمؤتمر على: «قد وجد المجتمعون أن تسلسل الأحداث وتسارعها منذ 25 يناير حتى 10 فبراير 2011 قد أسفر عن أوضاع غريبة، وذلك بإعلان رأس النظام السابق الرئيس المتنحى محمد حسنى مبارك «تخليه عن الرئاسة»، و«تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة»، وهى كلمات ليس لها أى أساس دستورى، وبناء على ذلك يكون الدستور المصرى لعام 1971 المسمى بـ«الدستور الدائم» قد سقط رسميا، بعد أن سقط بحكم الأمر الواقع يوم اندلاع الثورة، وتكون شرعية المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسها نابعة من الشرعية الثورية وليس الشرعية الدستورية، ولما كان هذا المجلس يتوجب عليه إصدار إعلان دستورى فورى ينظم الحركة السياسية فى المرحلة الانتقالية، ولما كان هذا الإعلان لم يصدر بعد، بل صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرار بتشكيل لجنة لتعديل دستور 1971 الذى سقط بالشرعية الثورية، وهى اللجنة التى وضعت تعديلات سيجرى الاستفتاء عليها يوم 19 مارس 2011، يليه، وفقا للجدول الزمنى الذى نوه له المجلس العسكرى، انتخابات برلمانية ثم رئاسية.
فإن المجتمعين بهذا المؤتمر توافقوا على ما يلى:
1- رفض التعديل الدستورى من حيث المبدأ، ورفض جميع الإجراءات المرتبطة به سواء فيما يتصل بالمواد التى طلب تعديلها والتى طلبها قبل ذلك رئيس الدولة السابق وكذلك موعد الاستفتاء.
ويهيب المؤتمر بجميع الناخبين - إذا ما أصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إجراء هذا الاستفتاء – بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت بـ«لا» دون أى إضافات حتى لا يبطل الصوت.
2- إصدار إعلان دستورى ينظم الأوضاع السياسية فى الفترة الانتقالية.
3- انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يشارك فيها جميع أطياف المجتمع المصرى على أن يتولى أساتذة القانون الدستورى الصياغة النهائية لهذا الدستور والذى يجب أن يركز على دعم مبادئ الثورة المصرية وتحقيق الحرية والعدل الاجتماعى.
4- انتخاب مجلس رئاسى تشارك فيه القوات المسلحة ويقوم بوضع خطوات تفصيلية للمرحلة الانتقالية.
5- استمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالتعاون مع المجلس الرئاسى، فى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وعدم الالتزام بفترة الـ6 أشهر التى وصفها قيدا عليه وعلى الأمة لإنهاء دوره، وذلك حفاظا على الثورة ولضمان عدم تفريغ القوى المعادية للثورة من مضمونها واختطاف مكاسبها .
6- أهمية قيام جهاز الشرطة بممارسة دوره فى حفظ الأمن والاستقرار الداخلى وإنهاء حالة الفوضى والانفلات الأمنى فى الشارع المصرى، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على هيبة هذا الجهاز فى ممارسة دوره المحصور بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما ونحن مقبلون هذا العام على دعوة الناخبين للاقتراع 4 مرات.
7- على الرغم من أن معظم الأعراف مرتبطة بالتحول الديمقراطى تسير فى اتجاه عقد انتخابات برلمانية تليها انتخابات رئاسية، فإن الواقع يشير إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية قبل البرلمانية ضمانا لعدم وثوب القوى المعادية للثورة مرة أخرى، وإمعانا فى تقوية الأحزاب السياسية القائمة والجديدة.
8- اختيار لجنة مصغرة من السادة الحضور لتسليم قرارات هذا المؤتمر إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
كان المؤتمر قد شهد خلافات ومشادات كلامية بين الحضور حول إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقرر فى 19 مارس المقبل، حيث اعتبر المعارضون، وكانوا أغلبية، أن الدستور الحالى قد سقط بسقوط الرئيس مبارك، ومن ثم هناك حاجة إلى دستور جديد، فيما أبدى البعض تأييدهم لإجراء الاستفتاء معللين ذلك بأنه لا يمكن التفكير حاليا فى دستور جديد فى ظل عدم وجود رئيس للجمهورية أو برلمان منتخب، وعندما تم إجراء استطلاع الرأى حول سؤال: هل توافق على التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء فى 19 مارس بشكلها الراهن؟ صوت 179 من الحضور بـ«لا» وقال «19» نعم، وحين بدأ التصويت على رأى الحضور فى المواد المزمع الاستفتاء على تعديلها، رفضت الأغلبية التصويت، معللة ذلك بأنه إذا كانت الأغلبية ترفض مبدأ الاستفتاء على التعديلات، فلماذا يتم استكمال التصويت على المواد المزمع تعديلها، فتم إلغاء التصويت عليها والامتثال إلى رأى الأغلبية.
وقال الدكتور جابر نصار، أستاذ القانون الدستورى بالقاهرة، «الثورة دائماً تسقط الدستور، هذا أمر تاريخى وواقعى، ولا نجد فى التاريخ أى مثال يشذ على هذا الأمر، والقول بأن الدستور مازال قائما وهم موجود فى عقول من يريد خطف إنجازات الثورة لكى ننتقل إلى نظام أسوأ مما كنا فيه، نحن نحتاج إلى خلق نظام دستورى حر وليس الإبقاء على نظام به قدر من التجميل، لذا يجب أن تستمر الثورة حتى تؤتى ثمارها، فهذه الثورة لم تحكم لأنها شعبية، فإذا قلنا إن السلطات مردها الشعب فيجب أن تعود للشعب اليوم وليس غدا، فهذا الغد الديكتاتورية فيه سوف تتسع، وبعد غد أسوأ إن لم يكن بآليات الديمقراطية».
أما أحمد أبوحسين، أحد شباب ائتلاف الثورة: «أنا لا أمثل الشباب لأن شباب التحرير هم أكبر وأعظم من أن يمثلهم أحد، ولكننا عندما نزلنا إلى الشارع ونزفت دماؤنا، وراح منا مئات الشهداء، لم نأت لإصلاح الدستور ولكننا جئنا لإسقاط الدستور، الجيش له كامل الاحترام ولكنه جاء بناء على طلب الشعب وليس متبرعا ولكن نحن نزلنا إلى الشارع ندافع عن حقنا فى عالم يحترم الإنسانية بعد أن عشنا أكثر من 30 سنة نهان فى هذا البلد، علينا أن نسقط الديكتاتور بداخلنا، لذا أطلب منكم أن تستمعوا إلى الشباب، فقد أهملنا لوقت كبير، والآن يحترمنا العالم كله، لذا نستحق أن نحترم فى بلدنا».
ومن جانبه، قال الدكتور فتحى فكرى، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، «الدستور هو عبارة عن تنظيم العلاقة بين السلطة والحرية، والحقيقة أنه قبل الثورة سقط الدستور واقعيا لأن الجانب المطبق كان خاصاً بالسلطة وليس الحرية وبعد هذا السقوط الواقعى جاء السقوط القانونى، فحينما قال الرئيس مبارك تخليت عن السلطة، فكيف يمكن أن يعهد بإدارة البلاد لأى جهة كانت، وليس من حقه بعد أن يصدر أبسط القرارات».
وأضاف «فكرى»: لو كان التعديل انصب على لب المشكلة كان يمكن أن نقبله، فمشكلتنا ليست كيف يصل الرئيس للسلطة، لكن كيف يمارسها، وهو له سلطات تشريعية وتنفيذية لا حدود لها، كان يمكن قبول التعديلات لو تطرقت لسلطات رئيس الجمهورية، لأننا إذا غيرنا فلسفة الدستور ووضعنا دستورا جديدا، عالجنا قشور المشكلة، وهذا يزيد المشكلة تعقيدا، حتى لو قيل إن الدستور القادم يولد بعد 12 شهرا، فلماذا أخضع لهذه السلطات لمدة سنة كاملة، لذا أرى أن يتم وضع دستور جديد، ربما لن يكون مثاليا، لكن نسبة الوعى ارتفعت فى مصر، وهذا هو الحارس الحقيقى للدستور، فإذا قمنا بوضع دستور يحقق لنا 75٪ من تطلعاتنا، فلماذا لا نعدله بعد أن تهدأ الأمور.
واستنكر عصام الإسلامبولى، الخبير القانونى، عضو بحركة كفاية، طرح سؤال ما إذا كان دستور 71 سقط أم لا؟ قائلاً: لم يعد لهذا السؤال أى مجال بعد، فمنذ 11 فبراير حسم هذا الأمر، حيث إن الرئيس المخلوع عندما قرر التخلى عن سلطته استخدم عبارات لم ترد فى الدستور القائم، فكان واجب عليه إما أن يستقيل أمام مجلس الشعب أو يعلن وفق المادة 48 خلو منصب رئيس الجمهورية، ولكنه قرر أن يتخلى عن الإطار الدستورى، وعين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهذا غير موجود فى الدستور. ولفت الإسلامبولى إلى أن هناك مادتين فى الدستور تتحدثان عن القوات المسلحة إحداهما المادة 180 التى تحدد ولاء الجيش وانحيازه للشعب، والمادة الأخرى التى تحدثت عنها هى التشكيل والدفاع الوطنى، وقال: «الرئيس المخلوع خرج عن الإطار التشريعى، وبهذا نحن بصدد الثورية الشرعية، فهذا واقع جديد خلق، وعلى الثورة أن تنتج وثائقها بالكامل حتى تستطيع أن تنجز ما قامت من أجله، الطبيعى فى كل ثورات العالم أن تقوم بإسقاط الدستور، وهذا معناه أنه إذا تحدثنا عن تعديلات وفترة انتقالية فأريد أن أشير إلى أن الحديث من أننا نحتاج 10 سنوات يتعارض مع التعديل المطروح، وأعتقد أن الشعب الذى أنجز هذه الثورة يستطيع بكل جسارة أن يضع دستوراً جديداً، وأعتبر أى تعديل على مواد الدستور يتعارض مع نصوصه بشكل كبير، فالحديث عن دستور تهلهل سيلقى تناقضات كبيرة، وأنا مع إعلان إسقاط الدستور وأن تنتج الشرعية الثورية دستوراً جديداً، وأن نشرع للدعوة هيئة تأسيسية تضع دستوراً جديداً».
أما عصام سلطان، المحامى، نائب رئيس حزب الوسط، فقال: «أعلم أنى أسبح ضد التيار ولكن ما يحدث حاليا من تعديلات دستورية هو الأقرب للتطبيق، ومن باب أولى أن نهتم بوضع قوانين، فنحن لا نريد قوانين من المجلس العسكرى، لكن نريد قانوناً ينتج عن حوار مجتمعى يضم النقابات والمجتمع المدنى والعلماء على مدى أيام وشهور وربما سنة أو أكثر حتى يأخذ حقه من الدراسة والبحث ليعبر عن آمال الأمة، وأرى أنه لا يمكن التفكير فى دستور جديد فى ظل عدم وجود برلمانات منتخبة أو رئيس منتخب، فما نحن فيه هو أبعد الأوضاع لوضع دستور جديد».
ومن جانبها، قالت الدكتورة ليلى تكلا، أستاذة القانون، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان: «كلنا نريد دستوراً جديداً لكن المهم الآلية والتوقيت ومن يضعه وكيف ومتى؟، فنحن نريد اقتراحات عملية وفعلية لعمل توازن بين الواقع والمأمول، فالتعديلات جاءت لكى تركز على نقطة معينة، وهى أن تتم الانتخابات فى إطار اكثر ديمقراطية، وبالتالى لابد من ذلك ولابد أن نهتم بالقوانين المكلمة للدستور، وقد قدمت اقتراحا لمجلس الشعب منذ 20 عاما بأن يتم تخفيض سن الترشيح، ووقتها قالوا «عايزة تعمل مجلس كله عيال»، والآن العيال أثبتوا لمن قالوا هذا، «إنهم همه اللى كانوا عيال»، وأضافت: «الساحة بها فلول الحزب الوطنى وهناك جماعة الإخوان المسلمين، وكلاهما لا نريده، لذا لابد أن نصل بهذه التعديلات إلى توافق وأن يتم تحديد اختصاصات رئيس الجمهورية ليعرف أن هناك حدوداً لاختصاصاته».
وفى نهاية المؤتمر طلب الحضور من المستشارة تهانى الجبالى الإفصاح عن رأيها عن الاستفتاء فى التعديلات الدستورية فقالت: «الثورة أسقطت الشرعية الدستورية القائمة ويجب أن تبنى شرعيتها القادمة بما يحقق الاعتراف أولاً بشرعية الثورة، ووضع خريطة للوطن لكى لا تعود كل الركائز الدستورية المستبدة السابقة، خاصة أننا فى حاجة إلى أن نصل للحد الأقصى من التوافق لإدارة المرحلة الانتقالية بما يسمح بحفظ ثنائية «الجيش والشعب»، التى سبق ظهورها تاريخيا قبل 25 يناير، لأنهما انتصرا سويا بتاريخهما، ويجب أن نسعى دائما لكى لا يكون هناك أى «خدش» لهذه العلاقة الثنائية».
وأضافت «الجبالى»: «نؤيد دائماً أن التحدى الذى يواجه الثورة حاليا هو أن تستمد شرعية دستورية من أجل الانتقال السلمى لسلطة مدنية شرعية تحظى بتوافق وطنى، وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحكم الآن باسم الثورة، لأن البيانات التى صدرت عنه تؤكد ذلك، فهو يؤكد أنه استمد شرعيته خارج الدستور».
وطالبت بإجراء حوار عقلانى هادئ مع القوات المسلحة عن التعديلات المطروحة التى يجب مناقشتها بصرف النظر عن الموقف المبدئى منها، باعتبار أن هذا واجب وطنى.