x

عبد المنعم سعيد إسماعيل سراج الدين فى عالم النار والجمر عبد المنعم سعيد السبت 12-08-2017 22:06


سوف يكتب كثيرون عن د. إسماعيل سراج الدين خلال هذه الفترة، ربما حتى تنكشف عنه الغمة، والأرجح أن أحدا لن يتفوق فى المودة والتقدير على ما كتبه د. مصطفى الفقى فى «المصرى اليوم» منذ أيام عن الرجل ومكتبة الإسكندرية. ولذا لابد من مقترب آخر ربما يضع أصابعنا على أصل الداء الذى وصل إلى صاحبنا، ولكنه لم يعِ ذلك، أو أنه كما الكثير من المصابين لا يتصورون أن داء سوف يصل إليهم. فى شهر مارس الماضى أرسل لى رجلنا قطعة أدبية رفيعة المستوى تحت عنوان «قصة رحلات الممالك السبعة» استعرض فيها ما يحدث فى الكون بعين السندباد تارة، وعين «جليفر» فى بلاد العجائب (جوناثان سويفت ١٧٢٦ـ ١٧٣٥) تارة أخرى. ولا أدرى شخصيا عما إذا كان سراج الدين قد نشر هذه القطعة أم لا، ولكن ملخصها كان ما يجرى حاليا فى الولايات المتحدة وروسيا والصين والعالم المتوثب النامى بسرعة الصاروخ والآخر الذى يعيش مغبة الفقر، أما منطقتنا فقد سماها «عالم النار والجمر» التى حكى فيها قصة «الربيع العربى» الذى انتهى خريفا متطرفا.

الروح التى كتبت بها القطعة لخصها فى النهاية فى كلمات الشاعر «صمويل تايلور كولريدج» وأبيات مقتطفة تقول: «ماذا لو نمت/ وماذا أيضا عند نومك لو حلمت/ وماذا أيضا أثناء حلمك ذهبت إلى الجنة/ وهناك اقتطفت زهرة غريبة وجميلة/ وماذا إذا ما استيقظت وجدت الزهرة فى يدك/ آه، وماذا بعد؟». السؤال كما نرى مفتوح، وكذلك الإجابة أو الإجابات مفتوحة كذلك، ولكن واحدة منها ربما تكون أن الزهرة كانت مكتبة الإسكندرية، أما ما جرى بعدها فهو الحكم بالسجن لثلاث سنوات!. لم يكن يعلم أن «عالم النار والجمر» يلسع فيه شرار الحرائق الناس، ودخانه خانق، ولهبه سعير.

لن يشك أحد فى عدالة القضاء المصرى، ولا فى شموخه، وفى الأغلب والأعم فإن جولة أخرى من التقاضى سوف تنتهى كما جرى كثيرا طوال السنوات الماضية إلى البراءة لكى تصدق النبوءة التى تقول إنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح. ثمن ذلك دفعه كثيرون، وما حدث لإسماعيل إلا أنه وقف فى صف أضناه قسوة الانتظار. ولكن «ماذا بعد؟» ربما تدفعنا إلى الذهاب إلى ما هو أعمق وأصدق لأن القضية ربما تكون أعقد من مجرد الاغتيال المعنوى لشخصية عامة هى قدوة ورمز لأجيال عدة. تعالوا نرسى أولا مجموعة من المبادئ، أولها أن المحاسبة هى من أعمدة المجتمع الحديث، وثانيها أن لا أحد فوق الحساب، وثالثها أن الحساب فى القانون له جانبه المادى والآخر المعنوى، حيث القصد والنية وفى كليهما فإن الشهادة الكبرى هى لمجمل الأعمال، وما تظهره من نجاح عندما يكون عالميا فإن دويه يكون أعلى من الصدى. هناك كثيرون سوف يقدمون شهاداتهم على ما قدم سراج الدين لمصر والأمة، وهو واحد من قلة مصرية أحدثت مكانة عالمية، وفى القضاء يوجد مكان لمن يسمى «شاهد الشخصية Character Wittness» الذى عليه أن يضع أصابعه على جوهر الشخصية ودوافعها ومحركاتها، وكل ذلك سوف يشير إلى شخصية نبيلة.

لا مجال هنا لسبق أحكام القضاء، فللقضاء حرمة وحرم، ولكن المحاكمة ربما تظل واردة لمجتمع لديه معضلة مع النجاح الذى يواجه غلبة من الفاشلين، ومنتجوه أقل قيمة من مستهلكيه، ومثقفوه أقل شأنا من عوامه، ومبدعوه أقل تقديرا من مقلديه. ومن المدهش أننا نعطى الجوائز فقط لأوائل الثانوية العامة أو من حصلوا على شهادات الدولة التقديرية أو بالطبع اللاعبين عندما يحرزون ميداليات فى دورات أوليمبية أو قارية، ولكننا لا نعطى جائزة لمحافظ لأنه رفع مؤشرات التنمية البشرية فى محافظته أعلى من باقى المحافظين، ولا نعطى جائزة لصاحب مصنع نقلتنا صناعته من الاستيراد إلى التصدير، أو أصاب أحدنا فى إدارة مؤسسة فجعل لها مكانة عالمية أو جعلها رابحة بدلا من خاسرة.

ومن المدهش أكثر أن الاعتراف بالقيمة للأشخاص لا يحدث إلا إذا ختمت الشخصية بجائزة أجنبية، وفى أحيان فإن الختم لا يعترف به أحد أو يجرى التشكيك فيه من حيث القصد والنية. نجيب محفوظ احتاج جائزة نوبل حتى يحصل على قلادة النيل، وكذلك أحمد زويل، وفى المرتين كان هناك الكثير من الغمز واللمز عن أسباب ودوافع منح الجائزة.

دخل د. إسماعيل سراج الدين «عالم النار والجمر» الذى تخيله يجرى فى منطقتنا لكى يكتشف أن الأسئلة التى طرحها طوال حياته لم تتلها إجابات، بل إن المطروح منها ازداد تعقيدا، وربما باتت المسألة كلها شخصية فيها الكثير من الحزن والأسف. فى رحلات «الممالك السبعة» كان سراج الدين يحلق فوق السماوات يكتشف ويكتب ويعلق ويتأمل فى أسرار الكون، والفرق بين التخلف والتقدم، والقوة والضعف، والأمم الصاعدة والأخرى الهابطة، وبعد أن جعل من مكتبة الإسكندرية التاريخية جسرا إلى أركان الدنيا الأربعة وجد أن نهاية الجسر سوف يجد فيها من يحاسبه على السفر!. هل يمكن لقصة إسماعيل سراج الدين أن تضع أيدينا على تحدٍ آخر حول القيود التى تكبل النجاح فى بلادنا؟ نحن على شفا نهضة أسرارها وتجلياتها كثيرة، ولكن ما خفى منها يظل راقدا فى قصة الذين أجادوا وكانت المكافأة على الإجادة كثيرا من الألم؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية