حذر المستشار عادل قورة، رئيس محكمة النقض الأسبق، رئيس لجنة تقصى الحقائق حول أحداث ثورة 25 يناير، من أن العدد الحقيقى لشهداء الثورة قد يفوق العدد الرسمى المعلن، معلنا فى الوقت نفسه عن شعوره بالقلق الشديد تجاه مستقبل الوطن، خاصة أن الفصل الأخير من الأحداث لم يُكتب بعد - على حد قوله.
كان الدكتور أحمد شفيق قد قرر يوم 10 فبراير الماضى تشكيل اللجنة التى تضم عدداً من القضاة والشخصيات القانونية، لتحقق فى أحداث الثورة والتجاوزات التى تمت خلالها، خاصة ما يتعلق بسقوط ضحايا وفلتان أمنى.
وقال «قورة»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»: «إن اللجنة تستعين بمحققين من المركز القومى للبحوث الجنائية، وقضاة مشهود لهم بالنزاهة».. وإلى نص الحوار.
■ اللجنة جاءت بتشكيل من رئيس الوزراء فى الحكومة المستقيلة.. ماذا عن مصيرها فى ظل الحكومة الجديدة؟
- نحن لانزال نقوم بعملنا حتى الانتهاء من التحقق من الوقائع التى كُلفت بها اللجنة.. وإذا صدر قرار آخر سنلتزم به ونؤدى ذلك باعتباره خدمة عامة ونرفع تقاريرنا ونتائج التحقيقات التى نقوم بها إلى النيابة العامة.
■ لماذا تأخرت اللجنة فى الإعلان عن نتائجها الأولية واكتفت برفع تقرير أولى إلى الدكتور أحمد شفيق؟
- كان يجب الإلمام بجميع جوانب التحقيقات، وليست هناك لجنة تقصى حقائق تصدر نتائجها بعد 15 يوما، خاصة إذا أردت أن تتقصى الحقائق فى القطر المصرى كله ومعرفة ما حدث، بما يُشعر الرأى العام المصرى أننا نعمل بدقة وحيادية.. والحمد لله الناس استجابت لدعوتنا خاصة بعد حث وسائل الإعلام المواطنين وشهود العيان للتقدم بما لديهم من مستندات ووثائق للوقائع والأحداث التى شهدتها البلاد منذ 25 يناير.
■ اللجنة ضمت فى عضويتها 5 أعضاء برئاستك.. لكنك طلبت أعضاء جدداً بها؟
- أعضاء اللجنة كان لابد لهم أن يستعينوا بمحققين لتسهيل مهمة عمل اللجنة، وبالفعل استعنا بمحققين من المركز القومى للبحوث الجنائية وقضاة مشهود لهم بالنزاهة ولديهم خبرة فى هذا المجال.
■ ولماذا المركز القومى للبحوث الجنائية تحديدا؟
- لأن لديهم خبرة ويستطيعون عمل تحريات ولا تنس أن الشرطة فى موضع لا يسمح لها بتقديم العون والمساعدة.
■ رغم أن التقديرات الرسمية تشير إلى عدم تجاوز حالات الوفاة فى الأحداث 400 شهيد إلا أن التقارير الحقوقية قدّرتها بنحو أكثر من 700 شهيد وآلاف الجرحى والمصابين؟
- لا أستطيع أن أذكر العدد تحديدا، ولكن هناك اختلافاً بالطبع نظرا لأن عملنا لم يتخط حدود القاهرة وما حدث فيها بعد ذلك.. هناك محافظات لم نحقق فيما شهدته من انتهاكات وتجاوزات خلال تلك الفترة.. نلتقى حتى الآن أطباء وشهود عيان وقد يفوق العدد الحقيقى تلك الأرقام.
■ اللجنة سألت - مباشرة أو بواسطة الأمانة الفنية - حوالى 120 من شهود الوقائع التى حدثت فى القاهرة والجيزة.. كم تبقى منهم لإنهاء عمل اللجنة؟
- لا يمكن أن نقول إن هناك موعداً لإنهاء عملنا.. والشهادات كانت عن طريق التحقيقات المباشرة وأيضا الشهادات المكتوبة من قبل شهود العيان، والتى تم إرسالها للجنة، فضلاً عن أنه جرى تقسيم عمل اللجنة وفقا لما حدث يوم 28 يناير ويومى 1 و2 فبراير أو ما سُمى «موقعة الجمال» والإعداد لها قبلها بيوم لأنه المتظاهرين توافدوا من أحياء كثيرة من القاهرة ولا يمكن أن نقول إن معظمهم كانوا من البلطجية وإنما اندس بين المتظاهرين كثير منهم.
■ الدكتور شفيق أعلن قبل رحيله أنه سيكشف عن أسماء المتورطين فى تلك الواقعة؟
- اتركه هو يُجب عن هذا السؤال.
■ ما أقصده أن هذا الكشف كان سيعلن بناء على تقارير عن نتائج أعمال اللجنة؟
- تلك تصريحاته وهو مسؤول عنها، وقامته لا ينكرها أحد.
■ خاطبتم السفارة الأمريكية بشأن وجود سيارة تابعة لها تحمل لوحات معدنية رقم 20 هيئة دبلوماسية قيل إنها خاصة بحراسة السفارة تنطلق مسرعة فى اتجاه شارع قصر العينى وتصدم من تصادفه فى طريقها كما جاء فى أحد أشرطة الفيديو المقدمة للجنة؟
- لم نتلق رداً بعد ولم نتلق ردا من وزارة الداخلية.
■ وفقا لقرار إنشاء اللجنة فإنه يسمح لها بإرسال ما لديها من دلائل عن الوقائع إلى النيابة العامة لاتخاذ ما تراه بشأنها.. ما مدى التعاون مع جهات التحقيق؟
- هناك تنسيق تام ومستمر بين جهات التحقيق المعنية وعقدنا اجتماعاً سابقاً مع المسؤولين بالنيابة العامة وقمنا بإرسال 3 تقارير لجهات التحقيق تمثل وقائع محددة لأنها بحاجة إلى سرعة التحقيق فيها حفاظا على الدلائل الواردة للجنة، ونحن بصدد إرسال تقرير آخر حول واقعة إلقاء القبض على أستاذ جامعى وترحيله إلى سجن طرة.
■ هل كان السبب وراء القبض عليه مشاركته فى أحداث عنف خلال المظاهرات؟
- نتيجة وجوده فى ميدان التحرير وليس مشاركته.
■ عقب أحداث الأربعاء الدامى أشارت أصابع الاتهام إلى قيادات بالحزب الوطنى وسمتها بالاسم.. ما حقيقة ضلوع تلك الأسماء فى الواقعة؟
- تقرير اللجنة الصادر مؤخرا أجاب عن هذا السؤال ووفقا لرواية الشهود فإننا لدينا أسماء ولم نعلنها للرأى العام وسنرسلها إلى جهات التحقيق فور الانتهاء منها.
■ المجلس الأعلى للقوات المسلحة حدد يوم 19 مارس الجارى للاستفتاء على التعديلات الدستورية.. هل ترى أنها فترة كافية؟
- أصبحنا فى مرحلة إجراء الاستفتاء على المواد والتعديلات الدستورية المقترحة وليس هناك حاجة إلى الخلاف حول ما إذا كنا نريد دستوراً جديداً أم الاكتفاء ببعض التعديلات.. ولماذا لا نعتبر أن ذلك أول استفتاء حقيقى من الشعب على تلك التعديلات وبذلك نكون حققنا معادلة الحرية التى كانت هدف الثورة.. ولماذا نضيع الوقت رغم أننا حصلنا على الحرية ومندهش من الذى يتراجع ويقول «لا» قبل الاستفتاء عليها وهل كان يمكننا ذلك قبل الثورة وتغير الأوضاع.
■ وأنت رجل قانون.. كيف ترى التعديلات الدستورية الأخيرة الصادرة عن اللجنة التى يرأسها المستشار طارق البشرى؟
- الحديث الآن عن التعديلات التى طرحتها اللجنة وهى ممثلة فى المواد 76 و77 و88 و93 وإلغاء المادة 179 وكيفية وضع دستور جديد فى المادة 189 وتلك التعديلات قام المجلس القومى لحقوق الإنسان بعد تشكيله لجنة لتعديل الدستور كنت عضوا بها باقتراح تعديلات لتلك المواد، وسجلت فى تقرير المجلس السنوى الصادر عام 2006 وكان من الصعب الحديث فى تلك المواد فى ظل النظام السابق إلا أننا قمنا بتلك التعديلات.
■ ما أبرز تلك التعديلات خاصة فيما يتعلق بالمادة 76 الخاصة بشروط الترشح لمنصب الرئيس؟
- وجهت اللجنة انتقادات لنص المادة وبعد تعديلها.. وقلنا وقتها إن الخبراء ينتقدون تلك المادة وطالبنا بتخفيف الشروط الواردة فيها واعتبرنا الشروط التى تضمنها التعديل معجزة وتفوق الهدف الذى وضعت من أجله.
■ ماذا عن المادة 77 التى تتحدث عن مدد الرئاسة؟
- اقترحنا عدم التجديد إلا لمرة واحدة ولم نهتم وقتها بعدد السنوات 4 أو 5 أو 6 سنوات، لكن اتفقنا فى اللجنة على إلغاء فكرة أن تكون مدى الحياة لأن مصر جمهورية وليست ملكية.
■ ماذا عن المادة 88 الخاصة بالإشراف القضائى على الانتخابات؟
- الناس مازالت مقتنعة بأن الإشراف القضائى ضمانة مهمة، ولابد من إشراف القضاء باعتباره ضمانة حقيقية لنزاهة الانتخابات.
■ ماذا عن المادة 93 الخاصة بأن مجلس الشعب «سيد قراره» فى الطعون الانتخابية؟
- استدعينا وقتها التجارب المصرية الدستورية السابقة وقلنا إن دستور 1930 كان الاختصاص فى هذا الشأن لمحكمة النقض وأقترحنا أن يكون الأمر منوطاً بالمحكمة الدستورية باعتبارها أقرب فى عملها لصحة فصلها فى الطعون لكن كانت ستواجهها مشكلة هى أن عدد المستشارين فى المحكمة الدستورية قليل، وحجم الطعون كثير كما جرت العادة، واقترحنا وقتها ضمن التعديلات أن يسند الأمر إلى محكمة النقض أو الإدارية العليا، ويكون لها حق الفصل فى تلك الطعون.
■ هل ترى أن تلك التعديلات تناسب المرحلة الراهنة؟
- فى الغالب أرى أنها تمثل فترة انتقالية إلى الديمقراطية.. والسرعة قد تؤدى إلى الأسوأ دائما.
■ لماذا توجه الانتقادات إلى لجنة المستشار طارق البشرى.. وكيف ترى تعديلاته الأخيرة؟
- اللجنة فى حدود ما قامت به أنا شخصيا راض عنها، وهى مقررات كلفت بها اللجنة.
■ لكن تشكيلها لايزال يثير الجدل؟
- لا يهمنى تشكيلها وما يهمنى ما أسفر عنه عملها.
■ البعض يرى أن التشكيل السابق كان أفضل؟
- كان بالفعل أفضل لأنه كان قضائيا مائة بالمائة، لكن بالرغم من ذلك ما أسفرت عنه نعتبره جيداً.
■ لكن وجهت لبعض التعديلات انتقادات شديدة خاصة فيما يتعلق بشروط الترشح؟
- «عدم الزواج من أجنبية» أحد الشروط التى أنتقدها شخصيا.
■ البعض اعتبر الهدف منه إقصاء أشخاص بعينهم؟
- أنا أتعامل بحسن النية وافتراض ذلك مطلوب دائما وأنا هنا أنتقد النص وكان يمكن أن تشترط اللجنة على سبيل المثال وتنص على ضرورة التنازل عن الجنسية لمن يرغب فى الترشح لرئاسة الجمهورية.
■ ماذا عن انتقادك للمادة 76 فى إطار ما أعلن عنه بعد التعديلات الأخيرة؟
- ما أعلن فرّق بين مرشحين: الأول هو المرشح المستقل واشتراط حصوله على 30 ألف توقيع من عدة محافظات بينما إذا كان المرشح حزبيا يكون له مقعد واحد بالبرلمان.. وهذا يعنى غياب العدالة والمساواة فهل مقعد بالبرلمان يساوى أن تطلب من المرشح المستقل الحصول على 30 ألف صوت.. ومازلت أرى أنه كان على اللجنة إلغاء شرط الحزب وأن يتساوى الجميع بالحصول على 20 ألف توقيع لتسهيل المهمة بين الجميع لأن الحزب يدافع عنه ويدعمه ولا يمكن التفرقة بين المرشحين بهذا الشكل.
■ البعض اعتبر الحزب الوطنى انتهى بعد الأحداث الأخيرة؟
- لست مع هذا الرأى ومن وجهة نظرى أنه موجود ولكن فى حجمه الطبيعى، وما يقوم به أمينه العام حاليا يؤكد ذلك.
■ البعض يطالب بحله؟
- أنا أطالب بحياة طبيعية يكون لكل شخص فيها حجمه الطبيعى، والحزب الوطنى موجود شرعا ولم يصدر قرار بحله وهذا ما نريده بعدم إقصاء أحد فى الفترة المقبلة.
■ المجلس القومى لحقوق الإنسان شكّل لجنتى تقصى حقائق وتعديلات دستورية قبل أن يتقدم أعضاؤه باستقالتهم الجماعية.. ما مصير اللجنتين؟
- أرى أن لجنة التعديلات الدستورية يجب أن تتوقف مؤقتا، خاصة بعد تحديد موعد الاستفتاء على التعديلات التى انتهت إليها اللجنة واستمرار العمل بلجنة تقصى الحقائق، التى أشارك فى عضويتها أيضا.
■ كثيرون يرون أن المرحلة المقبلة مجهولة وملبدة بالغيوم.. كيف تراها أنت؟
- بالطبع هى ملبدة بالغيوم، وأنا قلق من هذا المجهول.
■ عودة إلى لجنة تقصى الحقائق.. هل نعتبر هذا القلق أحد أسباب حذرك الشديد عند التطرق لنتائج بعثة تقصى الحقائق التى ترأسها؟
- ليس خوفاً على شخصى وإنما خوفاً من أن يتم التلاعب بتلك الأدلة أو القضاء عليها.
■ نفهم من ذلك أن ما أُعلن للرأى العام لم يذكر أسماء محددة خوفا على الأدلة التى توصلت اللجنة إلى بعضها.. وكيف نقيس ذلك على وقائع إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين؟
- التقينا اثنين من قيادات الشرطة، كان أحدهما اللواء فؤاد علام، وقالا إن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يصدر إلا بقرار من وزير الداخلية وبعدها تطلع القيادة السياسية على هذا القرار.
■ ماذا عن يوم 28 يناير وما شهدته البلاد من حالات الانفلات الأمنى وخروج البلطجية والسجناء من السجون ووجود اتهامات صريحة بأن الأجهزة الأمنية وراء ذلك؟
- مازال البحث فيها جارياً، وشهود عيان من سجناء وادى النطرون وسجناء بمراكز الاحتجاز والأقسام أكدوا فى أقوالهم أنهم أُجبروا على الخروج من السجن.
■ وسائل الإعلام واستنادا لرواية بعض الشهود تحدثت عن أسماء قيادات بالحزب الوطنى ووزراء بالحكومة المقالة ومنهم عائشة عبدالهادى وسامح فهمى ضمن المتورطين فى «موقعة الجمال»، ووقائع إطلاق الرصاص على المتظاهرين؟
- هناك شهود ذكروا بعض الأسماء أمتنع عن ذكرها لأنها تمس شخصيات بعينها، وليس هذا مكان نشرها وسنقوم بإرسالها إلى النيابة بصفتها الجهة المختصة للتحقيق فيها، وهناك أيضا شهود عيان قالوا من الذى كسر الرخام وتحدثوا عن كيفية الإعداد لهذا اليوم، وطبيب تحدث عن مشاركة سيارات تابعة لقصر العينى الجديد وبها بلطجية.. فضلا عن أن الشهود أكدوا وقوف بعض القناصة على أسطح مجمع التحرير وفندق رمسيس هيلتون ومبنى الجامعة الأمريكية وديوان وزارة الداخلية - القريب من ميدان التحرير - وأطلقوا النار على أشخاص من المتظاهرين وفقا لشهادة الشهود.
■ كيف ترى مواصفات رئيس مصر المقبل؟
- دعنا من الحديث عن كاريزما الرئيس، فما يهمنى فى تلك الفترة هو برنامجه وما قاله وما يقوله ومدى تنفيذه لهذا البرنامج ورؤيته فى قضايا الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، خاصة مجالى التعليم والصحة وغيرهما، فضلاً عن مدى تحقيقه العدالة الاجتماعية التى كانت غائبة.
■ البعض يختزل هذا المنصب فى شخصيات بعينها وأسماء مطروحة على الساحة؟
- لا تسألنى الآن حول المرشحين المحتملين، لأنه لا أحد منهم أعلن عن برنامجه الانتخابى حتى يمكننى أن أختاره لتولى هذا المنصب.