x

«المصري اليوم» فى منزل «عائد من الموت» فى صحراء ليبيا: «سعيد» نجا من الهلاك عطشاً وفقد ابنه فحمل جثته على ظهره

الإثنين 07-08-2017 21:32 | كتب: آيات الحبال |
أعضاء الهلال الأحمر أثناء استخراج الجثث من الرمال أعضاء الهلال الأحمر أثناء استخراج الجثث من الرمال تصوير : محمد حكيم

فى يوم السابع من يوليو الماضى أعلنت منظمة الهلال الأحمر الليبية العثور على 19 جثة لمهاجرين غير شرعيين من أصل 135، فقد البعض منهم حياته بسبب الجوع والعطش فى الصحراء، قرب «وادى على»، داخل منطقة الرمال بالقرب من جغبوب على الحدود المصرية- الليبية.

أغلب الضحايا كانوا مصريى الجنسية من سكان المنيا وأسيوط وكفر الشيخ، جميعهم دفعتهم ضيق ذات اليد والأمل فى الحصول على فرصة عمل تلبى احتياجاتهم، ورغم الوضع الأمنى المضطرب فى الداخل الليبى إلا أنهم قرروا خوض الرحلة من أجل تحقيق أحلامهم المشروعة.

لكن هذه الرحلة كانت الأخيرة للبعض، وحصلوا فى النهاية على مدفن صغير لا يتجاوز المترين بالمقبرة الإسلامية بطبرق، عليه رقم ولافتة «مجهول»، أو اسمه بعد التعرف على هوية صاحب الجثة، والبعض الآخر ظل يعانى من آثارها سواء على المستوى الجسدى أو النفسى. وفور الإعلان عن الحادث بدأت رحلة الأهالى فى البحث عن ذويهم وطلب نقل الجثامين إلى مصر، واستخراج شهادات الوفاة. «المصرى اليوم» حاولت الوصول إلى الناجين من الحادث فى الداخل الليبى، وزارت أسر الضحايا بمحافظة المنيا لرصد معاناتهم فى معرفة مصير أبنائهم، واستخراج شهادات الوفاة والتحرى عما حدث لهم فى رحلة «التيه» فى الداخل الليبى.

بناء منزل، زواج الابن الأكبر، توفير حياة كريمة لباقى أفراد الأسرة، ودخل شهرى مناسب فى ظل ضعف الإمكانيات الاقتصادية، تلك هى الأسباب التى جعلت سعيد سيد محمد، الذى تجاوز 40 عاما، خوض رحلة السفر إلى ليببا للعمل بها، رغم ما تمر به الدولة الليبية من حرب، لم يكن يعلم فى البداية أنها رحلة هجرة غير شرعية، حيث كان الاتفاق بينه والسمسار، أو «وكيل السفر» كما يسميه، أنها رحلة دخول شرعية للأراضى الليبية عبر المنفذ البرى بمدينة السلوم الواقع بين الحدود المصرية- الليبية، وبموجب تأشيرة دخول يتم استخراجها من خلال علاقات وكلاء السفر بالحرس على الجانبين.

كانت هذه هى الرواية التى أقنع بها أحد السماسرة من قرية «دلقام» سعيد وولده علاء للسفر إلى ليبيا، فى محاولة لتحسين ظروفهم المعيشية، والمقابل المادى هو 6 آلاف جنيه فقط لدخول الأراضى الليبية والعمل بها.

فى فجر 29 يونيو الماضى ذهب سعيد سيد وابنه علاء، 17 عاماً، وعدد من شباب قرية طرفا الكوم، التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا، فى رحلة إلى «الغرب» كما يطلقون عليها، وكانت بمثابة رحلة «التيه فى الصحراء» حيث فقد ابنه فيها، وحارب الجوع والعطش فى الصحراء الواقعة على الحدود المصرية- الليبية دون وجود أى وسيلة انتقال أو اتصال أو مستندات لتحديد الهوية.

يوم كامل هى الفترة التى استغرقوها للسفر من المنيا إلى السلوم، وبدأت تظهر التفاصيل الحقيقية للرحلة والتى بدأت بالمشى على الأقدام فى الصحراء بطريق الألغام (وهو طريق طوله 3 كيلومترات يفصل بين الحدود المصرية- الليبية)، ثم استكمال الدخول إلى الأراضى الليبية سيراً على الأقدام، دون طعام وشراب لأربعة أيام، خلالها توفى ولده علاء بسبب الجوع والعطش، وأبى أن يدفنه فى الصحراء، وفضل أن يحمله معه، ولكن المهربين أجبروه على ترك جثمانه حتى يتمكن من النجاة بنفسه.

حاولت «المصرى اليوم» التواصل مع سعيد بعد أن تعافى من آثار الصدمة، وبعد معاناة توصلنا إلى منزل أخيه سمير سيد، بقرية طرفا الكوم بسمالوط التابعة لمحافظة المنيا، الذى مكننا من التواصل مع «سعيد»، المقيم بطبرق حاليا فى انتظار استخراج شهادة وفاة لابنه واستخراج أوراق هوية له.

«دى كانت رحلة الموت، أنا أول مرة أسافر بالطريقة دى، ولو كنت عرفت إنى هسافر بالتهريب عمرى ما كنت عرضت نفسى أو ابنى للموت»، كانت هذه هى الكلمات التى بدأ بها يروى سعيد رحلته فى الصحراء الليبية، وقال «سعيد»: «كنا بنمص الزلط.. و٥ دفنوا أجسامهم فى الرمال من شدة حرارة الشمس وماتو مكانهم».

عدد أفراد الرحلة 135 فرداً، معهم 6 سيدات من السودان والباقى مصريون، وكان ضمن السودانيين أسرة مكونة من رجل وزوجته وطفله، فور الوصول إلى طريق الألغام داخل الحدود المصرية بدأ الطفل فى البكاء فقرر المهربون إعادة الأسرة إلى مصر ومنعهم من استكمال الرحلة خوفاً من سماع حرس الحدود صوت الطفل وافتضاح أمرهم.

من 16 عاماً إلى 79 عاماً كانت أعمار المشاركين فى الرحلة، حملتهم أربع سيارات دفع رباعى، ورغم أن عددهم يتجاوز عدد السيارات إلا أنهم تمكنوا من التكيف والجلوس داخل السيارة دون حركة، فى كل سيارة سائق ومهرب يرشد السائق على الطريق داخل الصحراء.

«وصلنا إلى السلوم حوالى 12 ونص الضهر، وفضلنا ماشيين فى طابور 7 ساعات على أقدامنا فى الصحراء لعبور الحدود، حتى جاءت أربع سيارات على الحدود الليبية لنقلنا إلى الداخل الليبى، وفى الليل سمعنا صوت تفجير لغم انفجر فى اتنين من المجموعة بتاعتنا لكن محدش من المهربين اهتم يشوفهم، خصوصا إننا سمعنا صوت حرس الحدود جاى علينا فالمهربين مشيوا بسرعة بباقى العربيات».

أكملت السيارات رحلتها عبر المدقات الصحراوية حتى وصلوا إلى الداخل الليبى فى الليل، وانتظرتهم أربع سيارات أخرى يبدوا عليها أنها سيارات تابعة لإحدى الجهات الأمنية الليبية، هذا ما قاله سعيد سيد وهو يستكمل مسار الرحلة.

يتذكر «سعيد» الرحلة بتفاصيلها فقال «ركبنا العربيات الليبية ومعانا مهربين ليبيين لتنقلهم إلى منطقة منخفضة بجانب الجبال، وكان ذلك ظهرا ولم يكن لديهم أى طعام أو شراب، فطلبوا من المهربين مؤن، ولكنهم رفضوا وتركوهم بحجة أن المؤن التى معهم قليلة وعليهم الذهاب لجلب المزيد، تركونا فى الصحراء مدة يومين توفى خلالهما عدد من زملائنا وبدأ كل واحد منا يحفر قبراً له».

إشعال النيران فى ملابسهم كانت الطريقة التى استخدموها لعمل دليل على وجودهم «النار كانت أملنا إن حد يشوفنا»، ولكن لم يأت أحد لإنقاذهم، وأصبحوا بذلك لمدة يومين دون طعام، ونفد ما تبقى معهم من الشراب «جاءت سيارة أخرى كان فيها شخص ليبى من المهربين طلبوا منه طعاما وشرابا، ولكنه رفض وبدأ يتشاجر معهم».

«حاولنا التفاوض معه على دفع أى مبلغ من أجل الحصول على الطعام أو الشراب رفض وبدأ يضربنا وقلنا لو محتاجين فلوس ممكن نلم فلوس، وعايزين نشرب مية فقط، الشمس نشفت ريقنا تماما، وبدأت الناس تموت».

لكنه لم يستجب لهم وتركهم دون طعام أو شراب، وهنا فقد «سعيد» الأمل فى الحياة، خاصة أن ابنه «علاء» كان بين الحياة والموت- على حد تعبيره، وظلوا يبحثون عن الطعام أو الشراب أو شخص ينقذهم لمدة يومين آخرين، وفى نهاية اليوم التالى جاءت سيارة تحمل كميات من المياه والطعام وبدأ ركابها ينقذون من تبقى منهم من الموت.

«العربية اللى جت كان فيها كمية مية قليلة بعد ما شربنا تركونا بحجة جلب المزيد من المؤن، ولكن تركونا ليوم تانى حتى جت سيارات نقلتنا على طريق إجدابيا».

65 فرداً هم كل من تبقوا بعد خمسة أيام دون طعام أو شراب فى الصحراء، حتى جاءت ثلاث سيارات لتنقلهم إلى إجدابيا.

كانت هذه بداية رحلة جديدة خاضها «سعيد» حيث فقد فيها ولده نهائياً بعد أن تعطلت السيارة التى كانت تحمل جثة ابنه، وقرر المهربون ترك السيارة بمن فيها فى الصحراء.

«كان فيه عربيتين الأولى اتعطلت والمهربين سابوهم فى الصحراء وكان فيها ابنى، أما السيارة التانية كنت أنا فيها ومعايا 24 واحد قالولنا لما نوصل ونسعفكم فى إجدابيا هنرد ليهم تانى، ووصلنا المنطقة مكنش فيها أى وسيلة اتصال وكان معى خط مصرى وخطين ليبى لم يعملوا».

وصل الناجون من الرحلة وأغلبهم فقد أوراقه خلالها، والبعض ترك هوياته مدفونة مع زملائهم فى الصحراء، وتم إسعافهم فى أحد المخازن الخاصة بالمهربين، و«طلبوا منا دفع 3170 دينار ليبى، تمكنا من جمع المبلغ من زملائنا وأقاربنا فى بنغازى ودفعنا المبلغ المطلوب وذهبت إلى بنغازى».

انتقل «سعيد» إلى مستشفى فى بنغازى للتعافى من آثار الصدمة وما حدث له، إلى أن علم فى مطلع شهر يوليو أن الهلال الأحمر الليبى انتشل جثث ضحايا الحادث، فعاد إلى طبرق للبحث عن جثمان ولده «عدت مرة أخرى إلى طبرق لدفن ابنى واستخراج شهادة وفاة له من ليبيا، ولكنى لم أتمكن لإنى فقدت هويتى وجواز سفرى وكل أوراقى فى الرحلة وحالياً أنا فى طبرق بلا عمل».

بقرية طرقا الكوم، التى تبعد مسافة 30 كيلومتراً عن مركز المنيا، وحوالى 202 كيلومتر عن القاهرة، يقع منزل يوسف عبدالله، 30 عاما، الذى توفى فى ليبيا بسبب الجوع والعطش، وكانت هذه أول تجربة له فى السفر خارج مصر، وكان الهدف تسديد دين عليه بعد أن فقد الأمل فى تسديده من خلال عمله داخل مصر.

فى منزل من الطين اللبن به غرفتان، الأولى مفروشة بالحصير البلاستيك فقط، والثانية مخصصة للطيور والحيوانات، تعيش فيه أم زياد وأحمد ومحمد، لم تتجاوز أعمارهم 5 سنوات و3 سنوات وعامين، حيث فقدت زوجها يوسف عبدالله، 30 عاما، فى هذه الرحلة.

يوسف «أرزقى» فى أسواق الخضروات فى القاهرة، يوميته لا تتعدى 50 جنيهاً، ولا يحمل أى شهادة تعليمية، قرر السفر فى شهر يونيو الماضى لتسديد مديونياته وتوفير حياة جيدة لأبنائه، خاصة أن زياد، ابنه الأكبر، يستعد لدخول المدرسة فى العام الدراسى المقبل، لكنه توفى بسبب الجوع والعطش فى الصحراء الليبية.

روت أم زياد لـ«المصرى اليوم» أنها تابعت معه رحلته إلى ليبيا بعدما خرج يوم 29 يونيو فجراً، وظلت تتصل به على الهاتف حتى انقطعت الاتصالات لأكثر من أسبوع إلى أن عرفت من الصحف وجيرانهم المقيمين فى ليبيا أنه لقى مصرعه فى الصحراء.

بعد وفاة «يوسف» بدأت رحلة البحث عن جثته، وبعد أن تأكدت أنه دفن فى طبرق، طالبت أم زياد ووالد زوجها، الذى يتجاوز السبعين عاماً، السلطات باستخراج شهادة وفاة له حتى تتمكن من ممارسه حياتها بشكل طبيعى، لكنهما لم يتمكنا من الحصول على أى أوراق تثبت أنه دفن فى طبرق، رغم أنها تأكدت من خلال الجيران والتواصل مع الهلال الأحمر الليبى أنه دفن فى المقابر الإسلامية بطبرق، «يوسف توفى وادفن هناك وأنا معرفش إزاى أرجع جثته هنا، ولكن من حقى تكون معايا شهادة وفاة لجوزى وأنا مش عارفة أطلعها».

شقيق أحد الضحايا يتحدث لـ «المصرى اليوم»

حصلت «المصرى اليوم» على طلب استخراج شهادة وفاة يوسف عبدالله ومحضر بمركز شرطة سمالوط يفيد بأنه توفى ودفن فى ليبيا، وذلك بتاريخ 27 يوليو 2017.

سمير سيد، والد أم زياد، رجل خمسينى لديه ثلاثة من أقاربه فى هذه الرحلة، الأول هو سعيد سيد أخوه الذى نجى من الجوع والعطش، و2 لقيا مصرعهما فى هذه الرحلة وهما علاء سعيد سيد، وزوج ابنته يوسف عبدالله، قال إن السفر إلى ليبيا اعتاد عليه أهل القرية والقرى المجاورة «رجالة البلد ماتوا فى ليبيا إما بسبب رحلات التهريب أو من الحرب».

عن هذه الرحلة قال «كان بها أربعة أفراد من طرفا الكوم، تعرفوا على مصير أبنائهم من أقاربهم فى ليبيا، وحاولنا التواصل مع الجهات الرسمية لتحرير محاضر ضد السماسرة الذين هربوا من القرية فور حدوث الحادثة، وقدمنا طلباً لاستخراج شهادات الوفاة ولكن لم نتمكن من استخراجها، وقدمنا طلبات لاستقدام جثث موتانا ولكن لم تساعدنا السلطات المصرية».

يقع مركز سمالوط على بعد 25 كم شمال مدينة المنيا، يضم ثمانى وحدات قروية محلية يتبعها 54 تابعاً جميعها تشتهر بالزراعة، ويعانى المركز من نقص الخدمات الطبية والتعليمية وفرص العمل.

منذ أكثر من أسبوعين انتشرت أنباء عن وفاة محمد سلامة حامد، وهو شاب عمره 17 عاماً سافر إلى ليبيا منذ عشرة أشهر، ووالده هو صهر سمير عبدالله وتوفى فى الصحراء بسبب الجوع والعطش، ولم يتم الكشف عن جثته المتحللة فى الصحراء منذ عشرة أشهر، ولكن اكتشفها منذ أسبوعين أحد الصيادين فى الصحراء، الذى توصل له أحد أقاربه من العاملين فى ليبيا واتصل بأهله للتعرف عليه من خلال ملابسه، وأعدت عائلته مراسم العزاء لمدة ثلاث ليال بعد الإعلان عن وفاته.

يجلس سلامة حامد الرجل الخمسينى، أب لعشرة أبناء ويعمل مزارعاً، أمام منزله على مقعد خشبى قديم لاستقبال المعزين فى وفاة نجله، وكانت «المصرى اليوم» من بين المعزين، «ربنا يرحمه ويسامحه» بهذه الكلمات بدأ الأب المكلوم حديثه عن نجله ورحلة البحث عنه على مدار عشرة أشهر.

«ابنى كان ناجح فى التعليم وكان بيدرس فى السنة التانية بكلية دار العلوم، وسافر عشان يوفر مصاريفه لإنى مزارع والحالة ضيقة ورغم إنى رفضت سفره بس هو سافر من غير ما أعرف».

حاول «سلامة» التواصل مع ابنه على الهاتف، وتابعه حتى بعد دخوله إلى لييبا، لكن فجأة انقطعت الاتصالات بينه وبين ولده وبدأ رحلة البحث عنه فى الداخل الليبى، البعض قال له إنه مسجون والبعض قال إنه مفقود، ولكنه من خلال شهادة أكثر من فرد فى ليببا عرف ما حدث لابنه.

أعضاء الهلال الأحمر أثناء استخراج الجثث من الرمال

«كان معه 20 واحد من البلد، لكن المهربين تركوهم فى صحراء طبرق بعد أن تعاركوا معهم وطلبوا يزودوا فلوس الرحلة وسابوهم من غير أكل وشرب، ابنى حاول الوصول لأقرب طريق أسفلت للحصول على طعام أو شراب ولكنه مات قبل أن يصل إلى الأسفلت ووضع جواز السفر والبطاقة وعليهم طوبة بجوار جثته»، هذا ما قاله أحد الناجين من هذا الحادث لسلامة حامد، الذى تواصل مع السلطات الأمنية من خلال جيرانه العاملين بليبيا، حيث كان يعتقد أنه مسجون بسبب محاولة الدخول إلى الأراضى الليبية بشكل غير شرعى.

ومنذ أسبوعين اكتشف أنه توفى وليس مسجوناً، وذلك بعد أن وجد أحد الأهالى جثته متحللة وبجوارها جواز السفر والبطاقة، ولاتزال جثته فى الثلاجة ولم يتم دفنها حتى الآن، بحسب ما قال سلامة حامد.

لم يكن العمل فى الداخل الليبى جديداً على سلامة حامد وعائلته، فهو عاش بها حوالى 20 عاماً ولكنه كان يسافر بطريقة شرعية، ولكنه برر أن الوضع الاقتصادى هو السبب فيما وصل إليه حال ولده «الدولة هى اللى أجبرت الولاد يسافروا هرابى ويعرضوا حياتهم للخطر».

على بعد حوالى 5 كيلومترات من قرية طرفا الكوم تقع قرية «الصليبة» التى خرج منها إدريس شوبك، 27 عاما، فى رحلته إلى الأراضى الليبية فجر يوم 29 يونيو الماضى، ينتمى إدريس إلى عائلة لديها جذور ليبية، فوالده يحمل الجنسية الليبية مع المصرية، ولديه خمسة إخوة ثلاثة منهم حاملى الجنسية الليبية مع المصرية، ولكنه لم يقدم طلباً للحصول على الجنسية الليبية وبالتالى حاول الدخول إلى الأراضى الليبية بتأشيرة دخول ولكنه لم يتمكن من الحصول عليها فلجأ إلى السفر عبر الصحراء «هرابى»، كما يطلق عليه، من أجل العمل فى ليبيا.

«إحنا لينا ابن خالتى وابن عمى ماتوا فى ليبيا بسبب الحرب وطلبنا من إدريس ميسافرش لكنه سافر مسمعش الكلام وسافر عشان يشتغل وبس» هذا ما قاله عمر شوبك وهو يروى ما حدث لأخيه فى رحلة دخول الأراضى الليبية.

بعد أن سافر إدريس تواصل معه والده على الهاتف لمدة يومين إلى أن انقطع الاتصال به، وحاول من خلال أقاربه فى ليبيا معرفة مكانه وعرف أنه توفى فى صحراء جغبوب، فسافر للتأكد مما حدث لابنه ووجده ضمن الجثث الموجودة داخل الثلاجات فى مدينة طبرق.

والد إدريس شوبك هو الوحيد الذى تمكن من استخراج تصريح دفن لنجله، وعاد إلى مصر وهو فى حالة نفسية سيئة من هول ما رآه وهذا ما قاله ابنه عمر شوبك «سافر والدى إلى ليبيا وفوجئ بأن أعداد المتوفين كبيرة جدا ولم تتعاون أى جهة مصرية فى دفنهم أو الوصول إلى ذويهم، فوصل عدد الجثث إلى 78 جثة توفوا فى صحراء جغبوب، وتحدث مع القنصل المصرى والسلطات المصرية لدفن الجثث ولكن دون استجابة بل ظلت الجثث فى الثلاجات 12 يوماً دون دفن ولم يسأل عنهم أحد».

الهلال الأحمر الليبى بمدينة طبرق أول من عمل على انتشال جثث الضحايا وذلك باستخدام سيارات الدفع الرباعى من قبل سكان المنطقة القريبة من جغبوب، ورغم أن وظيفة الهلال الأحمر الليبى هو انتشال الجثث فقط، إلا أنه ساعد بالتعاون مع الجهات الأمنية وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بعملية الدفن وفحص الجثث من قبل الطبيب الشرعى، وتلقى البلاغات بتواجد الجثث وأيضاً مساعدة الأهالى فى تحاليل الحامض النووى.

قالت فاطمة العبيدى، مدير المكتب الإعلامى للهلال الأحمر الليبيى بطبرق، إن هذه الحوادث متكررة ولكن هذه أول حادثة كبيرة يتعامل معها الهلال الأحمر الليبى، وأوضحت أن هناك أكثر من 7 من أهالى الضحايا طلبوا تحليل عينات الحامض النووى.

وروت لـ«المصرى اليوم»، فى اتصال هاتفى، كيفية العثور على جثث ضحايا الهجرة غير الشرعية فى الصحراء، فقالت إن مكتب إدارة الجثث تابع للهلال الأحمر الليبى هو من قام بعملية انتشال أول 19 جثة، وتم الكشف عنهم من خلال إدارة التفتيش والمتابعة التابعة لوزارة الداخلية الليبية، بعد أن تلقت بلاغاً من أحد السكان بتواجد هذه الجثث فى الصحراء.

استغرقت عملية العثور على الجثث وانتشالها أكثر من 30 ساعة عمل، وبعدها بدأت عملية فحص الجثث ودفنها، قالت «العبيدى» عن ذلك إنه «بعد الانتهاء من فحص الجثث تم دفنها فى المقبرة الإسلامية فى طبرق بمساعدة عدد من العمال المصريين المتواجدين بمنطقة (المصطبة) بطبرق، وتطوعوا لدفن جثث المصريين بمساعدة الهلال الأحمر، ووضع عليهم شواهد وانتهت عملية الدفن فى يوم فجر الجمعة، وبعدها توالت البلاغات عن وجود المزيد من الجثث.

وحصلت «المصرى اليوم» على صور خاصة من قبل الهلال الأحمر الليبى لانتشال الجثث وفحصها فى منطقة وادى على والمركز الطبى بمدينة طبرق، وحصلت على تصريح دفن صادر من بلدية طبرق تضمن 19 حالة، وذلك للتصريح بدفنهم داخل المقبرة الإسلامية، وموضح به أسباب الوفاة «هجرة غير شرعية»، ولقطات للقبور وعليها شواهد باسم «مجهول».

أسرة أحد الضحايا

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية