في روايته الصادرة أخيرًا عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، يستعرض ناصر عراق أحوال الصحافة المصرية وصراعاتها وتناقضاتها في الربع قرن الأخير، من خلال رصد دقيق لحياة صحفي انتهازي كذوب اسمه «صالح رشدي» استطاع أن يصعد من أسفل السلم الصحفي والاجتماعي إلى أعلى المراكز بدعم من السلطات الحاكمة ورجال الأعمال في زمن مبارك مطيحًا بكل المبادئ، من أجل تلبية غرائزه في المال والجنس.
ظل هذا الصحفي محافظًا على نفوذه وموقعه حتى بعد ثورة يناير 2011، مستثمرًا ذكاءه في تطوير مؤسسته الصحفية، وفي اعتماد كل سلطة جديدة على مهاراته في الدعاية لها، فمرة مع مبارك ثم مع الإخوان ثم مع الثورة على الإخوان وهكذا، وقد ارتبط هذا الصحفي الانتهازي عاطفيًا وتزوج بزميلته الشاعرة «منال الصياد» التي لم تكتشف مصائبه وأكاذيبه وهوسه بالمال والنساء إلا بعد مرور فترة، ومع ذلك ظلت أسيرة له حتى وقعت الواقعة.
تتابع الرواية في حبكة مشوقة مصير هذا الصحفي وألاعيبه وقوته وضعفه، كما تتابع التحولات التي طالت زوجته بعد مشاركتها في ثورة يناير، وكيف تغيرت حياتها جذريا، كما نكتشف في الرواية الصراع المحتدم الذي يكابده البطل مع نفسه ومع أكاذيبه وكوابيسه وقراراته المخبولة كلما صعد نجمه لدى السلطات، وراكم الكثير من الأموال الحرام، حتى نصل إلى المواجهة المذهلة في نهاية الرواية.
وبنى المؤلف روايته على تبادل مواقع الحكي في مشاهد قصيرة متلاحقة تنبض بالحيوية والتوتر الفني المطلوب، فمرة يتحدث «صالح رشدي» بصيغة المتكلم، ومرة تتحدث زوجته «منال الصياد» لنرى تصاعد الأحداث وتشابكاتها من وجهتي نظر مختلفة طوال ربع قرن شهدت مصر والعالم العربي خلاله وقائع مزلزلة من أول تفشي ظاهرة الإرهاب ومقتل فرج فودة والاعتداء على نجيب محفوظ واحتلال العراق ومظاهرات الجامعة في القاهرة وتفشي ظاهرة التدين الشكلي وثورة يناير ثم ثورة 30 يونيو، لنكتشف في النهاية أننا أمام نص روائي مترع بالتشويق والإثارة من جهة، وكاشف لتقلبات النفس البشرية ونبلها وسموها وخسّتها وعذاباتها من جهة أخرى.
وتخرج ناصر عراق في كلية الفنون الجميلة بالزمالك عام 1984، وحصل على جائزة «كتارا» الكبرى في الرواية العربية- الدورة الثانية 2016 عن روايته «الأزبكية»، كما وصلت روايته «العاطل» إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية- الدورة الخامسة 2012، كما فاز كتابه «تاريخ الرسم الصحفي في مصر» على جائزة أفضل كتاب في جائزة أحمد بهاء الدين- الدورة الأولى عام 2000. ومن أهم رواياته «أزمنة من غبار»، و«من فرط الغرام»، و«ونساء القاهرة. دبي»، و«تاج الهدهد» و«الكومبارس».
كما أسهم ناصر عراق في تأسيس مجلة «دبي الثقافية» بالإمارات عام 2002 وكان أول مدير تحرير لها لمدة ثماني سنوات حتى 2010، حيث أصدر 57 عددًا، وأشرف على إصدار 33 كتابًا من سلسلة كتاب «دبي الثقافية».