x

عبد الناصر سلامة الشواطئ ليست أملاك دولة عبد الناصر سلامة الخميس 03-08-2017 21:10


رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية قال إنه سيتم طرح ١٠ شواطئ جديدة فى مزاد علنى وفق قانون المزايدات والمناقصات على حد قوله، وذلك فى إطار سياسات غريبة الشكل والمضمون لم تعد تضع الفقراء فى الاعتبار، بل لم تعد تراعى أن معظم الطبقة المتوسطة انضمت إلى طابور أو قوافل الفقراء، وهو الأمر الذى كان يجب أن يتصدى له مجلس النواب، باعتباره المدافع الأول عن حقوق الناس، أو هكذا يجب أن يكون، كما أن الجهات السيادية والأمنية هى الأخرى كان يجب أن تتدخل من خلال تقارير توضح خطورة ذلك فى المستقبل.

أصبح من الصعب الآن على الفقراء الاستمتاع بمياه البحر فى الإسكـندرية، أصبح من النادر وجود شاطئ مجانى لمن لا تسعفهم ظروفهم المادية، فقط مجموعة من الشواطئ أقل من عدد أصابع اليد الواحدة تؤدى هذه المهمة، التكدس فيها أصبح لا يُطاق، نظرية اللى مامعهوش ما يلزموش فى أبشع صورها، نظرية اللى عايز يدفع فى أسوأ تطبيقاتها، ذلك أن الشواطئ لم تكن أبداً ملكية المحافظة أو حتى الدولة، هى أولا وأخيراً ملكية عامة للمواطنين، لا يجب أبداً إضافتها ضمن أعباء المواطن، أو اعتبارها من الكماليات أو وسائل التسلية والرفاهية.

بالتأكيد من حق الميسورين استخدام شواطئ تتناسب مع ذلك اليُسر، إلا أنه فى الوقت نفسه ليس من حق أحد التضييق على الفقراء بهذا الشكل، وما أكثرهم، ذلك أنهم الأغلبية، فى الماضى كان شاطئا المعمورة والمنتزه فقط يمثلان الفئة الأولى، إلا أنها فى نهاية الأمر كانت ٢٠ مليماً لا أكثر ولا أقل، الآن أصبحت معظم الشواطئ بمثابة معمورة ومنتزه ولكن من خلال سياسات رأسمالية صادمة، إما على اعتبار أن معظم الشعب ميسور الحال، وإما على اعتبار أن نزول البحر ضرب من الرفاهية، وهى نظرة خاطئة بكل المقاييس.

فى الماضى اكتشف علماء الاجتماع أن سبب الإنجاب المتكرر فى الأُسر الفقيرة هو أن الزوج والزوجة لا يجدان أمامهما أى لذة فى الحياة سوى العملية الجنسية، لم يحدث أن استمتعا بفيلم سينمائى أو عرض مسرحى، لم يحدث أن تناولا العشاء على أنغام موسيقى هادئة بأحد الفنادق، لم يحدث أن قضيا عطلة نهاية الأسبوع فى أى من المنتجعات، بل لم يحدث أن تناولا ذات يوم طعاماً فاخراً، ما لم يتطرق إليه العلماء ومستشارو علم النفس هو أن البحر ونزول البحر أهم علاج للطاقة السلبية التى تسكن جسم الإنسان، تلك الطاقة الناجمة عن المنغصات اليومية، من ارتفاع أسعار وتلوث وقلق وتوتر، نحن إذن أمام علاج يجب أن يكون مجانياً على الأقل فى ظل ارتفاع أسعار العلاج التقليدى.

الأهم من ذلك أن نزول البحر قد يكون إحدى طرق علاج الإرهاب، قد يكون إحدى طرق علاج التطرف، قد يكون إحدى طرق علاج الخصام والانفصال الحاصل مع المجتمع من نسبة ليست قليلة بين أفراد الشعب، ربما هو الممارسة الوحيدة لهذا الإنسان أو ذاك الذى يشعر من خلالها بالمواطنة، لنا أن نتخيل أسرة من خمسة أفراد أرادت التوجه إلى البحر، لنا أن نتخيل تكلفة ذلك ذهاباً وإياباً للوصول إلى المدينة الساحلية أو حتى إلى الشاطئ من المدينة نفسها، ثم تكلفة تذاكر الدخول، ثم تكاليف أخرى مستحدثة للشماسى والمقاعد والإكراميات، ثم نفقات الاستهلاك فى ذلك اليوم من ماء وغذاء ومتطلبات الأطفال، لا أكثر من ذلك ولا أقل، لا أعتقد أبداً أن ما حدث تضمّن أى رفاهية من أى نوع.

ما هى نسبة الأسر المصرية التى تستطيع اقتطاع جزء من نفقاتها الشهرية لهذا الهدف، خاصة فى هذه المرحلة، أى خلال السنوات الأخيرة، بالتأكيد سوف نجد شواطئ الميسورين مكتظة، كما كل القرى السياحية أيضاً، كما كل المنتجعات الفاخرة، هذه حقيقة، إلا أن الحقيقة الأكثر تأكيداً هى أن الفقراء أغلبية ولاشك أبداً فى ذلك، هم الأَوْلى بالرعاية، بمعنى أصح هم الأجدر بالعلاج، لا يجب أبداً زيادة البائسين بؤساً، ولا زيادة حنقهم على المجتمع.

قد يكون تم إهدار حق الفقراء فى الحصول على مياه شرب نقية إذا لم تكن لديهم قدرة السداد، أو الحصول على كهرباء أيضاً، أو الاستفادة من وسائل المواصلات العامة، إلا أنه ليس من حق أحد منعهم من الاستفادة بمياه البحر داخل المدن أو المناطق السكنية المكتظة، لنكتفى بخصخصة السواحل البعيدة عن المدن، شمالية وغربية وشرقية، لنكتفى بمداخيل الدولة من كل هذه القرى السياحية والمنتجعات، إلا أن شواطئ المدينة يجب أن نرفع أيدينا عنها، ما يحدث فى الإسكـندرية تحديداً كارثة أخلاقية، لم تكتفِ الإدارة المحلية فيها بذلك الاستيلاء الحاصل من الأندية والفنادق على امتداد الشاطئ، راحت تطمع فى ذلك القليل الذى لم يعد يفِ بحاجة المواطن.. وما منطقة مصطفى كامل إلا دليل صارخ، إنه العبث الذى امتد من البر إلى البحر، ومن الشارع إلى الشاطئ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية