فى أحد مقار الحزب الوطنى كان موعدنا مع الدكتور محمد رجب، المكلف بمهمة أمين عام الحزب خلفاً للدكتور حسام بدراوى، الأمين العام السابق.. وداخل إحدى غرف المقر شاهدنا اجتماع هيئة مكتب الحزب بتشكيلها الجديد، ويضم بالإضافة إلى «رجب» الدكتور محمد عبداللاه، والدكتور ماجد الشربينى، والدكتور محمد كمال، ومحمد هيبة، كل واحد من هؤلاء بمفرده أكد أنه يقوم الآن بأصعب مهمة فى حياته السياسية فى ظل أزمة تاريخية يمر بها الحزب بعد تنحى رئيسه - الرئيس مبارك - عن رئاسة الجمهورية، وانهيار أعمدة الحزب. وانفردنا بالدكتور محمد رجب فى غرفة أخرى لإجراء الحوار حول واقع الحزب ومستقبله، وبين دقيقة وأخرى كان «رجب» ينتقل من تليفونه المحمول إلى الآخر للرد على أسئلة كثيرين من أعضاء الحزب: هل حقاً استقال فلان؟ وهل نستمر؟.. وغيرها من الأسئلة التى وجدنا من المناسب أن يرد عليها «رجب» فى الحوار.
■ على أرض الواقع.. أين يقف الحزب الوطنى الآن؟
- الحزب يمر بأصعب موقف منذ نشأته.. وتلقى ضربات موجعة فى أيام قليلة.. لكنه قابل للتماسك اعتماداً على عدد كبير من أعضائه المخلصين وأصحاب النوايا و«السلوكيات» الطيبة.
■ الصورة الذهنية عن الحزب الآن أنه انهار مثلاً أو على وشك الانهيار؟
- هذا ليس صحيحاً على الإطلاق.. ودليلى على ذلك ما شاهدتموه من اجتماع لهيئة مكتبه.. مع الأخذ فى الاعتبار أن اجتماعات موازية كثيرة تتم فى المحافظات لهيئات مكاتب الحزب بها.
■ نسمع كثيراً عن استقالات أعضاء بينهم نواب فى مجلسى الشعب والشورى.. وقيادات فى المحافظات؟
- أقسم لك أن ما تسمعه أو تقرؤه فى بعض الصحف عن أعداد المستقيلين أكبر من العدد الحقيقى بكثير.
■ كم عدد المستقيلين حتى الآن؟
- لا أعرف.. وطلبت حصراً بهم من المحافظات لم يصلنى حتى الآن.
■ بم تفسر أسباب استقالاتهم؟
- الأسباب متنوعة بين الغضب واليأس، والصدمة.
■ وأصحاب المصالح؟
- كل أصحاب المصالح تقريباً استقالوا.
■ هل يمكن أن تذكر أسماء بعضهم؟
- لا أريد أن أتذكرهم، لكن يجب التوضيح هنا أن أى حزب جماهيرى واسع العضوية لا يخلو من هذه النماذج، مثلما تجد به أيضاً أصحاب رؤى وتوجهات وأجنحة من أقصى اليمين لأقصى اليسار.
■ من بين كل هؤلاء.. من الذى كانت له السيطرة على الحزب؟
- النظام الحاكم هو الذى كان يسيطر على الحزب وفق توجهاته، وارتاح الحزب لهذه الميزة- الارتباط بالنظام- التى أكسبته نوعا من القوة.
■ أى قوة والحزب انهار فى أيام معدودة؟
- الحزب الحاكم فى أى دولة أول من يدفع الثمن إذا انهار النظام.. هذه طبيعة الأمور.
■ وكنتم سعداء بهذا الارتباط؟
- إن أكثر ما أضر الحزب حكومات الحزب المتعاقبة.
■ كيف استقبلت استقالة الدكتور حسام بدراوى؟
- حزنت كثيراً.. فقد كانت لديه أفكار جيدة كان يمكنها مساعدة الحزب على المرور من الأزمة.
■ هل تسعى لعودته مرة أخرى؟
- أعتقد أن ذلك صعب الآن، خصوصاً بعد أن أعلن استقالته على الهواء فى إحدى الفضائيات.. وعموماً الحزب مفتوح دائماً لعودة أعضائه.
■ ألم تفكر أنت أيضاً فى الاستقالة من الحزب؟
- مستحيل، لأننى انضممت له عن قناعة، ولم أستفد منه على الإطلاق.
■ كيف ترى موقع الأمين العام للحزب الذى تشغله حالياً؟
- القدر هو الذى وضعنى فى هذا الموقع، وهى مسؤولية ثقيلة للغاية إذا ربطناها بالظروف الراهنة.
■ وما أولوياتك الآن؟
- إعادة بناء الحزب أولاً وثانياً وثالثاً.
■ هل الوقت المتاح لك حتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية سيسمح بذلك؟
- أنا لا أنطلق من فراغ، والحزب ما زال هو الأكبر بين الأحزاب المصرية.. وبوضعه الراهن يمكنه خوض أى انتخابات وتحقيق نتائج جيدة.
■ هل يمكنه الحصول على الأغلبية؟
- يمكنه ذلك بمزيد من الجهد، لكنها ليست الأغلبية الكاسحة والمستفزة.
■ المستفزة لمن؟
- المستفزة للشارع بمعناه العام والشارع السياسى بمعناه الخاص.
■ هل استفزتك عملية اقصاء المعارضة فى الانتخابات البرلمانية الماضية؟
- استفزت مصر كلها.. لكن ما استفزنى أكثر هو استبعاد عناصر وطنية وشريفة من الترشيحات رغم أنهم من أخلص قيادات الحزب مثل حمدى الطحان والدكتور شريف عمر.
■ من الذى استبعدهم؟
- الأسلوب الخاطئ فى اختيار المرشحين، والسلطة المطلقة فى يد بعض الأفراد.
■ ألا تلمس حالة من الشماتة فى الحزب؟
- شماتة وكراهية أيضاً.
■ وأسبابها فى رأيك؟
- كما قلت السياسات الخاطئة لحكومات الحزب المتعاقبة، وتصدر بعض الشخصيات المثيرة للجدل المشهد السياسى لسنوات طويلة.
■ لمحنا أنكم وهيئة المكتب تتطرقون إلى إمكانية تغيير اسم الحزب.. هل هذا وارد؟
- تلقينا اقتراحات بذلك وندرسها.
■ ما رأيك فى ثورة 25 يناير؟
- الثورة بدأت شبابية، لكنها تحولت إلى ثورة شعبية بمعنى الكلمة، وأنجزت ما لم تستطع أى قوى سياسية إنجازه، وأعلنت تأييدى لمطالبها حتى قبل أن تبدأ، ولا أحد فى مصر كلها كان يمكنه رفض المطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
■ ولماذا لم يستجب النظام لهذه المطالب سريعاً؟
- النظام كان لديه قدر كبير من اللامبالاة والغرور والتعالى على الشعب.
■ وما السبب فى رأيك؟
- غرور السلطة المطلقة هو الأساس، وكنت أكرر أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
■ إذا كان ذلك موقف النظام الحاكم.. فأين كان موقف الحزب الوطنى؟
- الحزب خطفته الأحداث وتسارعها، ولم يصدر أى من قياداته توجيهات لأحد.
■ وهل هذا السلوك طبيعى؟
- طبيعى جدا إذا علمت أن الحزب اعتاد تلقى التعليمات، ولم يقم طوال عمره بالمبادرة.
■ وما رأيك فى تحرك بعض قيادات الحزب لقيادة معركة الأربعاء الدامى مع المتظاهرين الذين أطلقوا عليها موقعة «الجمل»؟
- لا يمكن تفسير ذلك فى إطار التعليمات الحزبية، ولكن قد يكون ذلك قد تم بتوجيهات شخصية لبعض الأفراد.
■ البعض فسرها بأنها مؤامرة ضد الرئيس مبارك؟
- لا أستطيع أن أجزم بذلك، مثلما لا أستطيع أن أجزم بأن حرق مقار الحزب كان مقصوداً.
■ كيف استقبلت خبر تنحى الرئيس مبارك؟
- حزنت كثيراً من الناحية الإنسانية، لكنى أرى أن القرار كان صائباً لأنه أنقذ مصر من أزمة خطيرة، ومصير لا يعلمه إلا الله.. وخرج أيضاً بالنقلة الخطيرة للحريات فى مصر.
■ هل الحزب مستعد بمرشح لخوض انتخابات الرئاسة؟
- الكلام سابق لأوانه.. ولا أستطيع الحديث حول هذه النقطة الآن.
■ قبل 25 يناير.. هل كان الحزب الوطنى يتجه لترشيح جمال مبارك للرئاسة؟
- لم تكن هناك تعليمات واضحة فى هذا الشأن، لكننى كنت ألمس بعض الترتيبات الخاصة بعملية توريث السلطة.
■ ترتيبات مثل ماذا؟
- أرجو إعفائى من الإجابة.
■ لماذا غاب الحزب الوطنى من خلال هيئة مكتبه عن الإدلاء برأيه فى التعديلات الدستورية المطلوبة؟
- رأينا سنقوله بعد انتهاء لجنة تعديل الدستور من عملها، وطرح تصوراتها.
■ وما أفضل نظام رئاسى لمصر؟
- النظام الأفضل هو النظام شبه الرئاسى مثل فرنسا، حيث يتقاسم رئيس الجمهورية والحكومة السلطة التنفيذية.
■ هناك من يفضل الجمهورية البرلمانية؟
- أعتقد أن ذلك لن يناسب مصر فى المرحلة المقبلة، لأنه لا يمكن الانتقال من نظام رئاسى كان يعطى صلاحيات مطلقة للرئيس إلى نظام برلمانى ينزع من الرئيس كل الصلاحيات.