فى بداية الشهر الماضى، كشف الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، خلال مؤتمر صحفى عقد بمقر وزارته بالزمالك، عن نجاح رهبان دير «سانت كاترين» فى قراءة الكتابات الممحاة على مخطوط أثرى، يعرف باسم «بالمبسست»، كان موجودا بمكتبة «سانت كاترين»، يعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلادى، عن طريق استخدام تكنولوجيا التصوير متعدد الأطياف. هذا الكشف الأثرى شارك فيه باحثون من مختلف الجنسيات، بحسب الأب «جاستين»، الراهب الأمريكى وأمين مكتبة دير «سانت كاترين»، الذى رافق «المصرى اليوم» خلال جولتها داخل الدير الذى يعد أحد أقدم أديرة العالم، والمسجل كأثر من آثار مصر فى العصر البيزنطى الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس عام 1993، والمسجل أيضا ضمن قائمة التراث العالمى «يونسكو» عام 2002.
أصوات ضجيج متعالية تهزم هدوء المكان، تبين أنها أصوات لأعمال الصيانة التى تتم حاليا بمكتبة الدير الجديدة والتى قاربت على الانتهاء خلال الأيام القليلة المقبلة.
ويقول الأب «جاستين»: «سننتهى من أعمال الترميم بالمكتبة فى أقل من أسبوعين»، موضحا أن أعمال ترميم المبنى بدأت منذ عام 2009 بتمويل من مؤسسات بلندن ونيويورك وجينيف إلا أنها تعطلت لفترة ليتم الانتهاء منها العام الحالى.
ويضيف الأب «جاستين» أن للمكتبة أهمية كبيرة لدى الرهبان من الناحية الروحية والعلمية، حيث يقضون معظم أوقاتهم فى قراءة الكتب الدينية والكهنوتية، لافتا إلى أن المكتبة تحوى حوالى 6 آلاف مخطوط، بالإضافة إلى 1000 كتاب حديث، منها 2319 مخطوطا يونانيا و284 مخطوطا لاتينيا، و600 مخطوط عربى، و86 مخطوطا جورجيانيا.
وأعرب الأب «جاستين» عن تمنيه أن يشاركهم الرئيس عبدالفتاح السيسى فرحتهم فى افتتاح المكتبة، قائلا: نتمنى أن يأتى ليشاركنا فرحة الافتتاح الذى طالما انتظرناه.
ولفت الأب «جاستين» إلى أن المكتبة الجديدة سيكون بها مكان لكل المخطوطات الأثرية، مرقمة بشكل يسهل البحث على الباحثين ورواد المكتبة، وذلك بجانب مكان للكتب وقاعة للقراءة والبحث، مهيأة بكل السبل التى من الممكن أن تسهل على الباحث دراسته.
ثم توجه الأب جاستين، ذو الـ68 عاما، إلى الطابق الثالث بالمبنى القديم لمكتبة الدير لإحضار المخطوطات الأثرية المكتشفة مؤخرا لشرح خطوات عملية الكشف التى تمت على المخطوطات بشكل عملى، لنتوجه معه بعدها إلى قاعة البحث والدراسة والقراءة بمكتبة الدير الجديدة الكائنة بالدور الثالث بجوار كنيسة «التجلى».المزيد
أعلنت منطقة «سانت كاترين» محمية طبيعية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 613 لسنة 1988، وقد تم تعديل نص المادة الأولى من هذا القرار والخاص بحدود المحمية لتصبح مساحة المحمية حوالى 3250 كيلومتراً مربعاً وذلك بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 940 لسنة 1996 لتضم داخلها أعلى منطقة جبلية فى جنوب سيناء بل فى مصر كلها، حيث توجد قمة جبل موسى والتى تصل إلى حوالى ٢٢٥٨ متراً فوق سطح البحر.
محمد حميد، باحث شؤون بيئية وعلوم إنسانية، القائم بأعمال مدير محمية سانت كاترين، يقول إن حوالى 15% من مساحة المحمية أدرجت ضمن مناطق التراث الثقافى العالمى وبذلك تكون سادس منطقة معلنة فى جمهورية مصر العربية.
ويضيف «حميد»، لـ«المصرى اليوم»، أن المحمية يقطن فيها حوالى 7 آلاف بدوى ينتمون إلى 7 قبائل بدوية استوطنت تلك المناطق منذ مئات السنين، كونوا خلالها علاقة متوازنة مع النظام البيئى الموجود ومتطلباتهم الحياتية، نتج عنها تراث ثقافى إنسانى تميز بها هؤلاء السكان المحليون من عادات وحرف وتقاليد وقوانين عرفية. وهناك بدو الجبالية الذين لعبوا دورا أساسيا فى حياة الدير منذ نشأته.
ويوضح حميد، وهو من البدو القلائل الذين تمكنوا من الحصول على مناصب حكومية: «ينحدر الجبالية من المقدونيين الذين جلبوا من أوروبا إلى سانت كاترين للمساعدة فى بناء وحماية الدير فى القرن السادس الميلادى، وعبر السنين توثقت الروابط بين الجبالية والرهبان مما عاد بالنفع على كل من الطرفين».المزيد
قال مجدى شاكر، كبير الأثريين بالوزارة، إنه فى القرن الأول الميلادى كانت سيناء قبلة للمسيحيين المضطهدين، فهربوا إليها، ومن ثم بدأت حركة الرهبنة، ولكنها لم تنظم إلا فى القرن الرابع الميلادى.
ويضيف شاكر لـ«المصرى اليوم» أنه «فى وسط جنوب سيناء بين أكثر جبالها وعورة وجمالا، بنى أقدم دير فى العالم، أسفل أعلى جبال مصر فى وادى فيران، نظرا لغناه بالماء والظل والنخيل».
ويتابع شاكر أنه «فى القرن الرابع الميلادى، أقامت الإمبراطورة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، كنيسة العذراء عند شجرة العليقة المقدسة، وفى القرن السادس أقام الإمبراطور جستنيان الدير ليضم كنيسة (هيلانة)، ويكون حصناً للرهبان من هجمات البدو. وشيد كنيسة تسمى الكبرى أو البازيليكا أو الكاتدرائية أو التجلى، وهى أكبر من كنيسة العليقة، وتشبه فى تصميمها كنيسة أيا صوفيا.المزيد
فى دير «سانت كاترين» صورة تسمى «العهدة النبوية» وهى مخطوطة يقال إنها رسالة تمثل عهد أمان أعطاه النبى، صلى الله عليه وسلم، للمسيحيين يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وبيعهم، وذلك بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية.
خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى، يوضح أن مضمون الوثيقة النبوية بالدير جاء طبقاً لتعاليم الإسلام السمحة حيث أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) عهد أمان لأهل الكتاب يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وبيعهم (كنائسهم) يعرف بالعهدة النبوية محفوظة صورة منه بمكتبة دير سانت كاترين بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية، وأكد أن النسخة الأصلية موجودة بتركيا، مطالبا باستردادها.
ويضيف ريحان أن هذه الوثيقة هى أول وثيقة تضع نظاما لحرية الإدارة الكنسية بكل أنواعها سواء فى الأسقفية أو الكاتدرائية أو المطرانية الخاصة بالأديرة أو حتى المتعبد داخل صومعته، وحددت ذلك بوضوح (لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته) كما وضعت أسسا لحماية المقدسات المسيحية والمساعدة فى ترميمها بمنع التعدى على المقدسات المسيحية ولو تهدمت هذه المقدسات نتيجة عوامل أخرى يحظر على المسلم استخدام أحجارها فى بناء المساجد ومنازل المسلمين، مما يعنى تركها لإعادة استخدامها فى أعمال الترميم (ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شىء من بناء كنائسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين). وقد أشارت العهدة لسبب ذلك فى جملة أخرى (ويعاونون على مرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم).المزيد