نشرت «المصرى اليوم» مقالاً ضمن المقالات الدورية للدكتور يحيى الجمل يوم 16 أغسطس الجارى، ذكر فيه التعديلات التى اقترحها لتعديل الدستور. ويشير هذا الموضوع إلى عدة أمور سواء من حيث الشكل الذى أمله الدكتور الجمل، أو من حيث مضمون التعديلات، وذلك على النحو التالى:
أولاً: من حيث الشكل:
1- يتوهم الدكتور الجمل، وكل الاعتذار منه للفظ «يتوهم»، أن النظام القائم لديه أدنى نية فى تعديل الدستور، فالتجربة أثبتت أنه هو الذى يجب أن يبادر وحده، كما لو كان الأمر منحة أو عطية، أما الطلب أو الاقتراح فلا محل لهما من التحقيق على الإطلاق. هذا الكلام لا يحمل أى مهانة لأحد، فرئيس الجمهورية ذاته أشار بشكل مباشر منذ سنوات لهذا الأمر، عندما قال إنه لا يحب أن يعمل فى ضغوط!! وهنا أذكرك يا سيدى أنه إذا لم تكن أنت كقائد تستجيب للضغوط من شعبك فممن ستستجيب. من ناحية ثانية، إن السياسة هى فن المفاوضة، وهى الضغوط والمساومات، وهو ما يغيب عن أذهان البعض، بمعنى آخر أن الاستجابة للمواطن ترفع من تقدير المستجيب ولا تقلل من شأنه. من ناحية ثالثة، إن رفض الضغوط على النظام السياسى المصرى - رغم كل ذلك - يمكن قبوله، لو أن النظام المصرى يترفع ويصد ضغوطاً لم تطلنا فقط من الولايات المتحدة وأوروبا بل أصبحت تطالنا حتى من إثيوبيا.
2- كيف لك يا سيدى أن «تتوهم» أن هناك إمكانية لنظام أن يحد من قدرته بنفسه، دون أن تكون هناك ضغوط عليه، وهى ضغوط لا بد أن تكون قوية فى حالة مصر ذات النظام السلطوى العتيد، والفرعونى، وشديد المركزية، ولا شك عند الكثيرين أن هذه الضغوط لن تأتى إلا من الشارع الفاعل. نقول فاعل بمعنى القدرة على حشد مئات الآلاف. انظر إلى حزب الله وجماعة المستقبل فى لبنان اللذين يحشدان فى مجتمع قوامه 6 ملايين نسمة مئات الآلاف فى مواجهة بعضهما البعض، وانظر لحال قوانا المعارضة العاجزة فى مجتمع الـ80 مليوناً عن حشد عدة مئات.
ثانياً: من حيث المضمون تضمنت التعديلات سلبيات وإيجابيات كثيرة:
1- أعطت التعديلات للقضاء دوراً سياسياً كبيراً، إذ لم تعط فقط للقضاء العادى دوراً رئيسياً فى العملية الانتخابية من الألف إلى الياء، بل منحت المحكمة الدستورية دوراً محورياً فى انتخابات الرئاسة، ونشأة الأحزاب السياسية، والفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان. وهو -على أى حال- أمر محمود، فى ظل تاريخ طويل من عدم الحياد لجميع الأجهزة الإدارية والتنفيذية المتصلة بالنظامين الحزبى والانتخابى على عمومه.
2– أحسنت التعديلات صنعاً بعدم المساس بمواد الباب الثالث من الدستور والخاصة بالحريات والحقوق والواجبات، فهى من أفضل ما جاءت به دساتير العالم، ليس هذا فحسب، بل إن تعديلات «الجمل» ألغت ما مس هذه المواد من شوائب وضعتها القيادة السياسية وأقرها برلمان الأغلبية الآلية عام 2007 فى المادة 179 تحت دعوى محاربة الإرهاب.
3- رغم أن التعديلات كانت موفقة بعودة مادة الشريعة الإسلامية لأصلها قبل عام 1980، فإنها تجاهلت حقيقة أن المجتمع المصرى ذا الأغلبية المسلمة مجتمع متدين بطبعه، ومن ثم فإن تعديل تلك المادة يستحيل أن يجرؤ أى قيادى أو تنفيذى على فعله. بمعنى آخر، هى مادة غير قابلة للإلغاء. نفس الموقف يسرى فيما يتعلق بنسبة العمال والفلاحين المتضاربة دستورياً مع المواد 1 و8 و40، رغم الحاجة الماسة لإلغائها.
4- تعويل تعديلات «الجمل» على انتخاب الرئيس، ومدة بقائه، وهى بالفعل تعديلات تستحق الاستحسان، لكنها أبقت وتركت الحبل على الغارب لممارسته سلطاته.
5- وبناء عليه اتسمت التعديلات بالنقصان الشديد، إذ إنها لم تتطرق بالنسبة لصلاحيات الرئيس إبان الطوارئ إلا إلى المادة 74، التى تعطى الرئيس الحق فى اتخاذ تدابير فى حالة الخطر الجسيم، لكنها فى تقييد صلاحياته أعطت للبرلمان بأغلبية الثلثين حق استمرار تلك التدابير، وكان يجب أن تكتفى بأغلبية أعضائه. من ناحية أخرى، تجاهلت التعديلات بالكلية مطلب إلغاء صلاحيات الطوارئ الأخرى فى الدستور الخاصة بالمواد 108 و147 و148 التى تعطى للرئيس على التوالى حق إصدار قرارات لها قوة القانون بناء على تفويض من مجلس الشعب (سارى منذ عام 1972)، واتخاذ قرارات لها قوة القانون فى غيبة المجلس (كما حدث فى سبتمبر 1981)، وإعلانه حالة الطوارئ (قائمة منذ 1981).
6– كان لتركيز التعديلات على رئيس الدولة، رغم قصورها فى هذا المضمار كما أشرت، أن تناست الرقابة على مؤسسة الرئاسة من خلال سلسلة من الإجراءات المتعلقة بإصلاح الخلل المزمن بين السلطة التنفيذية والسلطتين التشريعية والقضائية.