على الرغم مما تشهده تونس من حرية سياسية غير مسبوقة وحراك سياسى كبير بين الأحزاب السياسية، حتى زاد عدد الأحزاب السياسية على 200 حزب، والقوائم السياسية الانتخابية على 1200.. فإن المواطن التونسى يعزف بوضوح عن الانضمام للأحزاب أو المشاركة فى الحياة السياسية العامة.
ولعل أبرز أسباب الإحجام الشعبى عن الاندماج فى العملية السياسية، الحالة الضبابية التى تسيطر على المشهد السياسى فى تونس، حيث أدت حالة الحرية المفاجئة إلى حالة من «السيولة» فى المشهد السياسى فى ظل إقامة العديد من الأحزاب السياسية التى أحجمت عن التحالف مع بعضها البعض، لتبقى جزرا معزولة وغير قادرة على تكوين قوى واضحة متنافسة.
ويقول مهدى مبروك، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة التونسية، إن العزوف على متابعة الحملة الانتخابية من قبل قطاع مهم من التونسيين يعبر عن استمرار أزمة الثقة بين الشعب والحكومة والأحزاب، كما أننا نجد الكثيرين الذين لا يرون أن الحملة ستؤثر على اختياراتهم التى تبقى محكومة بتأثير علاقات القرابة وبالانتماء القبلى والفئوى.
وعلى الرغم من قيام القوائم السياسية المختلفة بحملات إعلامية مكثفة من أجل تشجيع التونسيين على المشاركة فى الحياة السياسية، فإن هذه الحملات لم تتوج بأى نجاح يذكر فى ظل ما يصفه ناشطون بأن تلك الحملات الإعلامية تنفر الناس من المشاركة السياسية ولا تشجعهم عليها.
كما تشتد المعركة مع بقايا النظام السابق (الفلول)، وهو ما توضحه تصريحات مسؤولين عدة توجه أصعب الاتهامات فى الانفلات الأمنى الذى تشهده البلاد، حيث تشهد بعض المدن توترات أمنية شديدة من وقت لآخر إلى الحد الذى يجبر الجيش على فرض حظر تجول صارم فى تلك المناطق.
كما تعانى تونس نفس الظاهرة التى تعانى منها العديد من الدول العربية، والمتمثلة فى تراجع واضح لـ«النخبة السياسية» فى البلاد، حيث كان نظام بن على حريصا على تجريف البلاد من جميع المنافسين السياسيين المحتملين، وهو ما جعل الساحة خالية من أى قادة سياسيين يحظون بدعم الشارع.
وعلى الرغم من مؤشرات العزوف المتعددة عن المشاركة الحزبية، فإن رضا بوكراع، المختص فى علم النفس الاجتماعى، يرى أن هذا العزوف لا يمكن أن يفهم على أنه مؤشر على نية شعبية لمقاطعة الانتخابات، مضيفا أن المجتمع يريد أن يشارك فى تحديد مستقبل البلاد ولكنه لا يجد ما يشجعه على المشاركة الحزبية.