قال المهندس محمد عزت عادل، رئيس هيئة قناة السويس الأسبق، أحد أبطال عملية تأميم المجرى الملاحى لقناة السويس، إنه عرف بقرار التأميم من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والمهندس محمود يونس، قائد عملية التأميم، قبل إعلان القرار فى خطبة ناصر بميدان المنشية بالإسكندرية بنحو 70 ساعة، مضيفا أن عبدالناصر قال له حينها «لو اتعرفت عملية التأميم هتضيع القناة من مصر للأبد».
وأضاف عزت، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أنه تحمل مسؤولية المشاركة فى تأميم القناة ولم يتجاوز عمره 31 عاما، مشيرا إلى أن 28 شخصا شاركوا فى التنفيذ ولم يعلموا طبيعة المهمة حتى آخر 3 ساعات.
وتابع أنهم أخبروا المديرين الأجانب العاملين بالقناة بأنها عادت إلى حضن مصر، وطلبوا منهم الاستمرار فى وظائفهم إلا أنهم رفضوا لمحاولة إفشال إدارة المصريين للقناة، وأكد أنه مرت عليهم أيام صعبة واختبارات قاسية بعد التأميم، تم عبورها جميعا بفضل التضحيات والتخطيط الجيد.. وإلى نص الحوار:
■ نبدأ من قرار اختيارك للمشاركة فى تنفيذ مهمة تأميم القناة؟
- ذكرياتى مع تأميم قناة السويس لا تحتاج إلى حوار صحفى ولا مقابلة تليفزيونية بل تحتاج إلى مجلد لكى أتمكن من أن أقص كل ما حدث بتفاصيله خلال أيام وساعات وليال، وقبل أن أبدأ فى حديثى لابد أن أذكر أن عمرى وقت عملية التأميم كان لم يتجاوز الـ 31 عاما، وكنت أعمل فى وظيفة مدنية، هى سكرتير عام مساعد لهيئة البترول، والتى كان رئيسها فى ذلك الوقت المهندس محمود يونس رحمه الله، وكنا وقتها نخدم كضباط بالقوات المسلحة، فى سلاح المهندسين وأحمل رتبة «يوزباشى»، والمهندس محمود يونس كان يحمل رتبة مقدم، ووقتها وتحديدا يوم 23 يوليو 1956 اختارنى يونس وأبلغنى أن الرئيس عبدالناصر قرر تأميم المجرى الملاحى للقناة، وتقرر اختيارى معه والمهندس عبدالحميد أبوبكر لإتمام العملية، وبالفعل اتخذ القرار أن هؤلاء الثلاثة هم المثلث المسؤول عن التنفيذ، والسيطرة على كل الأماكن الحساسة بالشركة التى كانت فى يد الأجانب وقتها.
■ ماذا دار فى كواليس عملية التأميم؟
- بدأنا يوم 23 يوليو 1956 فى إعداد خطة التأميم بالفعل، فى سرية تامة نحن الثلاثة، حيث أكد لنا عبدالناصر أن هذا الخبر لو تسرب أو أذيع وعرفته أى جهة أو شخص غيرنا فسوف تضيع القناة للأبد من مصر، لأن المنطقة التى توجد بها القناة، يتواجد فيها القوات البريطانية التى ترتدى ملابس مدنية فى مدن القناة، بالإضافة إلى وجود الشركة الفرنسية، وهى شركة قناة السويس العالمية، التى تقوم بتنظيم العمل فى المجرى الملاحى للقناة، وأعمال الإبحار والإرشاد، إلى جانب المخابرات الفرنسية، وفى حالة إعلان هذا السر ومعرفته، فى أى حال من الأحوال سوف تفشل عملية التأميم بالكامل، ووقتها تخسر مصر المجرى الملاحى إلى الأبد، لذلك كان القرار «سرى للغاية».
ورتب عبدالناصر أنه سوف يعلن خبر التأميم خلال خطبته التى سوف يلقيها فى الإسكندرية يوم 26 يوليو 1956، أى لم يكن أمامنا إلا أقل من 70 ساعة تقريبا للعمل وتنفيذ خطة التأميم وهى مدة قصيرة للغاية للإعداد والتنفيذ، قبل أن يعلن عبدالناصر قرار التأميم بميدان المنشية، وكان رد مجموعة التأميم على الرئيس أنه لا يستطيع 3 أشخاص فقط أن يتحكموا فى جميع مقرات الشركة العالمية لقناة السويس فى محافظات القناة «بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس» والتى يبلغ طولها 192 كيلو مترا، وكان رد الرئيس جمال عبدالناصر بأن نقوم باختيار المجموعة التى نريدها للعمل معنا فى العملية، ولكن دون أن يعلم أى شخص من مجموعات العمل ما هى طبيعة المأمورية أو العمل الذى سوف يقومون به، حفاظا على سرية المأمورية وعدم تعرضها للفشل فى حالة تسريب أى معلومات أو أخبار عنها.
■ وكيف تم ترتيب العمل مع مجموعات العمل؟
- تم الاتفاق على اختيار 28 شخصا للعمل فى عملية التأميم دون أى يعلم أى شخص منهم طبيعة ما يقوم به تحديدا، وتم تقسيمهم إلى 3 مجموعات عمل رئيسية، مجموعة تتوجه إلى السويس، وأخرى إلى بورسعيد، بينما تظل المجموعة الرئيسية والتى تضمنا نحن الثلاثة فى الإسماعيلية حيث المقر الرئيسى للشركة.
وكانت مجموعات العمل تضم ضباطا ومهندسين، ومتخصصين فى القانون الدولى، ووكيل وزارة المالية، ووكيل وزارة الأشغال، وآخرين، وتم تجميع كل هؤلاء الأشخاص، وجلست معهم مجموعة العمل الرئيسية المكلفة من الرئيس، وتم إبلاغهم أنهم فى مهمة رسمية وسرية بتكليف من الرئيس عبدالناصر، وهى مهمة فى الصحراء، ما أصابهم بحالة من الذهول عن سر المهمة الرسمية فى الصحراء.
وكانوا يتساءلون، ماذا سنعمل فى الصحراء؟ وكان الرد عند الوصول إلى مقر المهمة سوف يعلم كل شخص مهام عمله بالمأمورية، وكان الاتفاق بين مجموعة العمل الرئيسية برئاسة المهندس محمود يونس أن يتم الاتفاق على الأشخاص التى سوف تشارك المجموعة الرئيسية فى عملية التأميم، وفى حالة وجود أى اعتراض ولو بسيط من مجموعة العمل الرئيسية على أى من الأشخاص الـ 28 يتم استبعاده فورا، حتى تم الموافقة من مثلث مهمة التأميم على مجموعات العمل الثلاثة المساعدة فى المهمة.
■ كيف تمت السيطرة على النقاط الرئيسية والحساسة بالشركة وقت عملية التأميم؟
- تم اختيار الـ 28 شخصا بعناية كاملة من الضباط المهندسين وبعد موافقة المجموعة من كل أعضاء اللجنة المكلفة بعملية التأميم من الرئيس عبدالناصر، تم تقسيم مجموعة العمل إلى ثلاث مجموعات رئيسية، ولكل مجموعة قائد على أن تتوجه المجموعات الثلاثة إلى محافظتى السويس وبورسعيد، وفى اجتماع معهم أكدنا لهم انهم سوف يتوجهون لمنطقة القناة، ولكل مجموعة قائد، تم إعلامه بان منطقة التجمع للمجموعات ستكون داخل قيادة الجيش الثانى الميدانى حاليا، بمعسكر الجلاء بالإسماعيلية.
وتم تنظيم الفريق كله فى مجموعات على أن يكون كل 4 أو 5 أشخاص فى سيارة ومعهم أحد الضباط المهندسين ويتم التوجه إلى معسكر الجلاء والضابط القائد فقط هو من يعلم منطقة التجمع بالإسماعيلية، وباقى المجموعة لا تعلم إلى أى مكان سيتم التوجه.
وبالفعل تم إطلاق السيارات وبداخلها مجموعات العمل، وبين كل سيارة وأخرى 5 و10 دقائق، حتى وصلت السيارات إلى مقر معسكر الجلاء مكان التجمع فى أوقات مختلفة.
وتم التجمع فى يوم 6 يوليو 1956 فى معسكر الجلاء بسلام، بمكتب قائد المعسكر وبحضور محافظ منطقة القناة وهو لا يعلم أى شىء عن العملية، ولا حتى قائد معسكر الجلاء نفسه كان يعلم أى شىء عن العملية، ووضع كل من قائد القوات فى المنطقة ومحافظ اقليم القناة تحت قيادة مجموعة العمل لعملية التأميم وتنفيذ كل التعليمات وما يطلب منهم، لنجاح العملية، دون العلم بأى تفاصيل للعملية، أو أماكن تحركها أو أى تكليفات لمجموعات العمل بالمأمورية.
وداخل معسكر الجلاء كانت أولى خطوات نجاح عملية التأميم، بعد أن وصلت المجموعات إلى المعسكر بأمان وكانت الضمانة أنه لن يستطيع أى شخص من أفراد مجموعات العمل التحدث عن أى شىء حول العملية أو تفاصيلها وهم داخل معسكر الجلاء وممنوع خروج أى شخص من أفراد المجموعة إلا بعد انتهاء عملية التأميم بنجاح، ونحن فى حمى القوات المسلحة.
وقبل أن يقوم الرئيس جمال عبدالناصر بإلقاء خطبته فى ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 يوليو 1956 بـ 3 ساعات فقط، تم إبلاغ مجموعات العمل بأنهم سوف يقومون بمهمة وطنية كبيرة لمصر وهى المشاركة فى عملية تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية لتكون شركة مساهمة مصرية، وستكون كلمة السر من الرئيس عبدالناصر «ديليسبس»، خلال خطابه، وحينها تكون مجموعات العمل على أبواب الشركة.
وعندما علم أعضاء المجموعات المكلفة من المدنيين بقرار التأميم أصابتهم الدهشة، ومنهم من طلب الابتعاد عن المهمة، ولكن كان الأمر قد صدر نهائيا، ولن يستطيع أحد منهم التراجع عن تنفيذ مهمته بالمأمورية.
■ ما هى الخطوات التى قامت بها مجموعات عملية التأميم؟
- قبل أن يقوم الرئيس عبدالناصر بإعلان كلمة السر فى خطبته وهى الكلمة المتفق عليها مع أعضاء مثلث التأميم، تم إصدار الأمر لمجموعة السويس بالتحرك، وهى أول مجموعة تحركت لأن مدينة السويس هى أطول مسافة من معسكر الجلاء بالإسماعيلية، حيث تحركت قبل أن يقول الرئيس جمال عبد الناصر كلمة السر بحوالى ساعة وربع الساعة تقريبا، ثم تحركت مجموعة عمل بورسعيد بعد مجموعة السويس بربع ساعة تقريبا، وكانت مجموعة العمل بالإسماعيلية وهى المركز الرئيسى للشركة، وتحركت تلك المجموعة قبل أن ينطق الرئيس عبدالناصر بكلمة السر بعشر دقائق، وطلبنا من مجموعات السويس وبورسعيد فتح راديو السيارات، وعندما يسمعون كلمة السر من الرئيس وهى «ديليسبس»، تقوم جميع مجموعات العمل فى وقت واحد بالدخول إلى مقر شركة القناة فى المحافظات الثلاث، والسيطرة على كل المراكز الحساسة بها وتحديدا «الخزانة، والتحركات، ومكاتب الحركة، ومكاتب القياس» وهى أماكن تمثل عصب الشركة.
وبالفعل فى توقيت واحد تم دخول مقر الشركة فى المحافظات الثلاث بعد أن نطق عبدالناصر بكلمة السر، وبعد أن اعترضتنا الحراسة كان الرد من مجموعات التأميم، «انتو مش بتسمعوا راديو ولا إيه عبدالناصر أمم قناة السويس».
ودخلنا إلى مقر الشركة وبدأ الشعب بالهتاف والزغاريد عندما قال الرئيس عبدالناصر «هناك إخوة لكم تـؤمم قناة السويس»، ودخلنا إلى مقر الشركات وطلبنا من الحراسة الموجودة أن يستدعوا كل المديرين والموظفين المهمين بالشركة لأنهم كانوا فى أوقات الراحة الخاصة بهم.
■ كيف تم التعامل مع المديرين الأجانب بعد قرار التأميم؟
- بعد الدخول إلى مقر الشركات تم بالفعل استدعاء كل الموظفين والمديرين الأجانب من العاملين من منزلهم، ووصلوا إلى مقر الشركة وهم فى حالة خوف وهلع شديد، وصدمة كبيرة من قرار التأميم الذى أصبحت بعده الشركة «شركة مساهمة مصرية»، وبدأ المهندس محمود يونس فى تهدئتهم وطمأنتهم، وقال لهم «عملية التأميم هى إعادة القناة إلى حضن مصر، ولكن نضمن لكم سلامتكم، وسلامة أسركم، وسلامة ممتلكاتكم، ونضمن لكم مرتباتكم وامتيازاتكم فى العمل، ونطلب منكم الاستمرار فى وظائفكم، ولكن كل موظف أو مدير سيكون معه شخص من مجموعة التأميم دون التدخل فى سير العمل، ولكن لكى يعرف أعضاء عملية التأميم كيف يسير العمل بالقناة».
ولم يكن هناك من يعلم كيفية إدارة وسير العمل بالقناة، لأن وظيفة المدير والموظف وهى الوظائف العليا فى القناة كان يحتلها الأجانب فقط، فيما يعمل المصريون بالوظائف الدنيا فقط، ولا يوجد أحد فى درجات اتخاذ القرار أو الوظائف الوسطى بالقناة، وبعد أن اطمأنوا على سلامتهم وأولادهم، حضروا فى اليوم التالى إلى مقر الشركة، ولكن بحالة من التكبر على أعضاء العمل، قائلين أنتم لا تعلمون ما هى نتائج هذا القرار عليكم من الغرب أو من العالم، لأن العالم الغربى لا توجد عنده ثقة فى إدارتكم لأعمال القناة.
وكان الرد عليهم أن كل ما نريده هو أن تستكملوا أعمالكم فى الشركة دون تدخل فى أى أمر من أمور العمل، مع ضمان المرتبات والمزايا الخاصة بكم، واستمر العمل فى القناة بكل كفاءة، ومرور طبيعى للسفن والناقلات بالمجرى الملاحى بأيدى المديرين والموظفين الأجانب وترقب وتعلم من المرافقين المصريين لهم.
■ كيف تعاملت مجموعة التأميم مع المرشدين الأجانب عندما تركوا العمل؟
- المرشدون الأجانب والموظفون استمروا فى العمل، وتواصل العبور الطبيعى لحركة الملاحة من أول يوم فى تنفيذ عملية التأميم وحتى منتصف أغسطس، حيث بدأت مجموعة عمل التأميم تلاحظ أن الأجانب من المرشدين والموظفين لا يعودون من إجازاتهم السنوية فى بلادهم، وآخرين يقومون بعرض ممتلكاتهم للبيع، وتم رصد أشخاص يقومون ببيع سياراتهم، وآخرين يبيعون أثاث منازلهم، وتمت على الفور الاستعانة بالمخابرات وأجهزة المعلومات لمعرفة تفاصيل ما يحدث من هؤلاء الموظفين.
وبالفعل جاءت المعلومات تؤكد أن الشركة الفرنسية المسؤولة عن القناة أصدرت قراراً بمغادرة كل الموظفين والمديرين الأجانب العاملين بالشركة بشكل جماعى، وجاء الانسحاب الجماعى ليلة 14 و15 سبتمبر، أى بعد 50 يوماً من تأميم القناة فقط، وانسحب جميع الفنيين، والموظفين، والمهندسين والمرشدين، القياسين، والمحاسبين، من العاملين بالشركة، ليتركوا المصريين لكى يفشلوا فى إدارتها.
■ ما سر النجاح فى تلك اللحظات، رغم عدم وجود مصرى واحد لديه خبرة فى هذا المجال؟
- كلمة السر هى الإرادة الوطنية للمصريين، حيث كنا مصرين على النجاح والحفاظ على إدارة القناة، وكنا نحفر فى الصخر حتى نتمكن من إحضار مرشدين أجانب من كل العالم، بمرتبات عالية جدا، إلى جانب ضباط السلاح البحرى، وشركات الملاحة المدنية، لسد ولو جزء صغير من الفراغ الذى تركه المرشدون والموظفون الأجانب بعد انسحابهم من العمل، حيث لم يكن هناك مصرى واحد على دراية بالوظائف الملاحية، وكان فى مصر وقتها 7 من كبار المرشدين اليونايين، والقاهرة محل ميلادهم، وطلبنا منهم المساعدة باسم بلدهم الثانى، وبالفعل استجابوا وقرروا الاستمرار، وضمنا لهم كل المكافآت المالية والرواتب العالية مقابل استمرار العمل، ومن هنا تم سد عجز خطير فى المرشدين، كان وحده كفيلاً أن يسبب أزمة حقيقية لنا فى إدارة القناة، التى يبلغ طولها 192 كيلو مترا من بورسعيد وحتى السويس، بعمق يصل إلى 42 قدماً، وتمت توسعة القناة بعد حرب أكتوبر لتصل إلى 53 قدماً وكنت وقتها كبير مهندسى هيئة القناة، وكنت على يقين أن القناة ليست ملكاً لنا فقط بل هى ملك لأولادنا وأحفادنا نحفظها لهم كى يتنعموا بخيرها.
وبدأت الصحف الأجنبية تقول إن المصريين فشلوا فى إدارة القناة، وكانت المشكلة ذات يوم فى وجود شبورة كثيفة لعبور السفن، وكان القرار الانتظار ساعة حتى تخف الشبورة، وبالفعل توكلنا على الله وأدخلنا القافلة، وبسبب تأخر دخولها لمدة ساعة عن موعدها خرجت الجرائد الأجنبية تطالب بإعادة شركة القناة مرة أخرى بعد فشلنا فى إدارتها، ومن المزاح وقتها أنهم طالبوا المصريين بزراعة القناة بطاطس بعد الفشل فى إدارتها.
وأتذكر أن الله كان دائما معنا ومرت علينا أيام صعبة للغاية واختبارات قاسية جدا، ولكن عبرنا بعملية التأميم بر الأمان بفضل التخطيط.
■ ماذا دار بينك وبين الرئيس عبد الناصر خلال ساعات التأميم؟
- لم أر الرئيس عبد الناصر قبل التأميم، وكان التخطيط والتنفيذ مع قائد العملية المهندس محمود يونس، وكانت أول مرة أرى فيها جمال عبدالناصر قبل 15 سبتمبر وهو التاريخ الذى حددته الشركة لانسحاب الأجانب، وطلبنا للقاء فى مجلس قيادة الثورة لكى يعرف ماذا سنفعل فى أزمة انسحاب الأجانب وكان فى مكتبه داخل مجلس قيادة الثورة، ويريد الاطمئنان هل سننجح أم لا.
واطمأن الرئيس من مجموعة العمل على ما يجرى، وأكدنا له أننا سوف ننجح، وشرحنا له دور المرشدين اليونانيين، وكل يوم يمر على عملية التأميم يزيد من النجاح، وجلسنا معه حتى الساعة 11 مساء وتناولنا العشاء معا.
■ كيف ترى تكريم الدولة لكم بعد 61 عاما على قرار التأميم؟
- منحنى عبدالناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى بعد نجاح عملية التأميم، ومنحنى السادات وشاح ونيشان الجمهورية من الطبقة الأولى لتطوير وتوسيع وتعميق مجرى القناة من أولها إلى آخرها بعد حرب 1967، ومدّ لى مبارك الخدمة بعد اتمام 40 سنة خدمة شاقة فى القناة، وتوليت رئاسة الهيئة عام 1985 حتى عام 1996، وتم أكبر مشروع فى القناة آنذاك من تطوير وتطهير للمجرى الملاحى وأعمال تعميق وتوسعة والمشروع الكبير الذى تم تنفيذه خلال 5 سنوات، وكنت وقتها أتولى تنفيذ المشروع والمشرف العام عليه، وتمت الزيادة فى التوسعة والتعميق حسب زيادة احتياجات الملاحة، لأن مشروعات القناة مكلفة جدا، وينبغى ألا أقوم بعمل مشروعات إلا إذا كان لها مردود وجدوى وعائد يستحق.
■ كيف كان تكريمك من الرئيس السيسى؟
- الرئيس السيسى كرمنى خلال احتفالية مرور 60 سنة على تأميم القناة العام الماضى، بطريقة إنسانية جميلة، لم أكن أتوقعها منه على الإطلاق، حيث كان موجودا نجل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ونجل الرئيس السادات، والفريق أحمد فاضل الذى تولى بعدى مسؤولية هيئة القناة، وعندما تم النداء على اسمى للتكريم كنت أجلس فى الصف الأول ولكن بعيدا عن السجادة الحمراء، وقام الرئيس السيسى بترك السجادة ومشى مسافة بعيدة عنها حتى يقابلنى وأخذنى بالحضن وقبّـلنى، وفى هذه اللحظة نسيت أنه رئيس الجمهورية وقلت له ياريس «ربنا يرزقك باللى ينصحك النصيحة الخالصة لوجه الله ميكونش فيها نفاق ولا غرض شخصى ولا خطأ»، فرد على وقال: يا رب.. ومازلت حتى الآن أدعو للرئيس بهذا الدعاء لكى يستر الله مصر وشعبها.