x

«المصري اليوم» تنشر وصية الدكتور الراحل إبراهيم شحاتة لبلاده حول ضرورة تغيير الدستور

الإثنين 28-02-2011 19:25 | كتب: اخبار |
تصوير : other

الدكتور إبراهيم شحاتة هو مفكر مصرى واقتصادى بارز ذاع صيته عالمياً بعد أن تم تعيينه نائباً لرئيس البنك الدولى ولقبته عدة جامعات ومؤسسات دولية بأنه أحد أبرز رجال القانون فى العالم، شحاتة وبعد رحلة عطاء طويلة وقبيل وفاته بعام أصدر كتابه ذائع الصيت «وصيتى لبلادى».. الذى قدم فيه عدداً من الخيارات الممكنة والمتاحة لمصر للتقدم للأمام، قدم شحاتة فى كتابه هذا خلاصة تجاربه وخبراته التى جمعها من عدة دول تماثل مصر بشرياً واقتصادياً لكنها كانت أسبق منها فى التقدم وذلك بأنها لم تقرر «السير للخلف» كما يحدث فى مصر على مدى عصور طويلة. شحاتة غاص أيضاً من خلال فصول كتابه، فى دساتير عدد من الدول وقارنها بالدستور المصرى وكشف من خلال هذه المقارنة عورات كثيرة وعديدة للدستور المصرى.

المفكر الراحل الذى تربى فى بيت أزهرى وحصل على الدكتوراة فى القانون الدولى من جامعة هارفارد، يعيش بأفكاره وأطروحاته بيننا الآن.

«المصرى اليوم» تنشر الفصل الأول من كتابه «وصيتى لبلادى» الصادر عن دار الأمين للنشر والتوزيع الطبعة الثانية 1999، وهذا الفصل حمل عنوان: بعض أسباب ضروره تغيير الدستور.

وهو هنا يقدم بعض الأسباب والمبررات المهمة لضرورة تغيير الدستور.. مع الملاحظة أن هذه المقتطفات لا تشمل ما كتبه د.شحاتة حول ضرورة تغيير المواد المتعلقة باختيار رئيس الجمهورية ومدد الرئاسة، حيث إن آراءه جاءت متوافقة مع الاتجاه الحالى فى المجتمع بخصوص تغيير المادتين 76 و77 وغيرهما من المواد المتعلقة بذلك.

الفصل الأول

أولاً - الدستور الحالى يخضع كثيراً من الحريات والحقوق المدنية والسياسية الواردة فيه لقيود غير محددة قد يأتى بها التشريع، مما يفقدها قيمتها الدستورية.

من الطبيعى أن تحيل بعض مواد الدستور إلى التشريعات التى تنظم وتفصل ما جاء فى هذه المواد الدستورية من أحكام عامة. من ذلك مثلاً نص المادة 6 من الدستور بأن «الجنسية المصرية ينظمها القانون» (وإن كان هذا من قبيل تحصيل الحاصل)، ونص المادة 14 بأنه لا يجوز فصل القائمين بالوظائف العامة بغير الطريق التأديبى «إلا فى الأحوال التى يحددها القانون» (وإن كان نص هذه المادة أيضاً لا لزوم له فى الدستور ولا نجد مثيلاً له فى كل الدساتير التى درسناها). ونص المادة 17 على أن «تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاً وفقاً للقانون» (وإن كان هذا نصاً يجاوز الواقع الممكن، ولم يطبق عملاً «للمواطنين جميعاً» كما سيجىء).

ونص المادة 52 على أن «ينظم القانون» حق الهجرة إلى الخارج، ونص المادة 71 على أن ينظم القانون حق التظلم أمام القضاء من الإجراءات التى تقيد الحرية الشخصية، إلى آخر النصوص الدستورية الأخرى التى تحيل إلى القانون فى تنظيم التفاصيل التى لا يصح سردها فى الدستور، وهذا أمر طبيعى ومعقول، لكنه ليس من الطبيعى أن يقرر الدستور حقاً معيناً أو حرية عامة معينة ثم يقيد ممارسة هذا الحق أو الحرية بقيود غير محددة سلفاً وإنما يترك تحديدها بصورة مطلقة للقانون دون أى قيد أو شرط، لأن ذلك معناه إعطاء المشرع رخصة وضع أى قيود يراها على الحق الدستورى بما يحرم المواطن عملياً من كل أو بعض مزايا هذا الحق. نقول: إن ذلك ليس طبيعياً لأن معناه أن القانون الذى يفترض أنه أدنى من الدستور قد يصبح أعلى منه فى الواقع، بما يأتى به من قيود كثيرة تفقد الحق الدستورى قيمته الحقيقية كحق يتعين على جميع السلطات احترامه، بما فى ذلك السلطة التشريعية.

ومن الأمثلة الواضحة على إمكانية التقييد غير المشروط للحقوق الدستورية ما جاءت به المادتان 32 و34 من الدستور الحالى السابق الإشارة إليهما بشأن حق الملكية الخاصة، حيث تقيد المادة 32 هذا لحق بعبارات واسعة تحمل الكثير من المعانى، وتبيح المادة 34 فرض الحراسة على الملكية الخاصة «فى الأحوال المبينة فى القانون»، أياً كانت هذه الأحوال. ومن ذلك أيضاً ما جاءت به المادة 47 من الدستور بشأن حرية الرأى والتعبير، فهى مكفولة «فى حدود القانون»، التى يمكن نظرياً أن تذهب إلى مدى يريده المشرع. وكذلك الأمر بشأن «حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام» فهى مكفولة بحكم المادة 48 التى تحظر الرقابة على الصحف وإنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإدارى ولا تبيح أياً من ذلك إلا استثناءً فى حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب، غير أنها تجعل «ذلك كله وفقاً للقانون» (ويرد هذا القيد نفسه فى المادتين 207 و 208 الواردتين فى الباب السابع من الدستور الذى أضيف نتيجة التعديل الذى تم فى عام 1980) ولا يجوز طبقاً للمادة 50 تقييد حرية المواطن فى التنقل أو الإقامة فى مكان معين «إلا فى الأحوال المبينة فى القانون»، مما يعطى المشرع سلطة تقييد هذا الحق الأساسى ولو لم يأت ذلك كعقوبة على جريمة معينة ومعروفة سلفاً، كذلك تعطى المادة 52 للمشرع سلطة تنظيم حق المواطن فى مغادرة البلاد دون قيد محدد على المشرع فى هذا الشأن، كما تنص المادة 54 على إمكانية تقييد حق التجمع، حتى فى غير حالة الطوارئ، حيث تجعل «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة فى حدود القانون» دون قيد على هذه الحدود.

وتنص المادة 55 على حق المواطنين فى تكوين الجمعيات «على الوجه المبين فى القانون».

وتثير النصوص الدستورية المذكورة مع ما فيها من إمكانية الحد من الحقوق والحريات الأساسية عن طريق التشريع دون قيد أو شرط أسئلة مهمة حول فائدتها الحقيقية كنصوص دستورية يفترض أنها تعلو على التشريع، كما تثير أسئلة أخرى حول مدى اتفاقها مع المعاهدات الملزمة لمصر التى وردت فيها نصوص بشأن هذه الحقوق دون أن تلحقها مثل هذه القيود غير المحددة، بل إن بعضها يثير أسئلة حول مدى اتفاقها مع أحكام القانون الدولى العرفى بشأن حقوق الإنسان التى يعتبرها كثيرون من فقهاء القانون الدولى المعاصرين من الأحكام الملزمة للجميع التى لا يجوز الخروج عليها بنصوص فى معاهدات دولية أو قوانين داخلية، ويعتبر قضاء المحكمة الدستورية العليا فى مصر فى السنوات الأخيرة محاولة تثير الإعجاب على هذه الأسئلة بما يعطى النصوص الدستورية قيمتها رغم ما فيها من إحالة غير مقيدة إلى التشريع، لكن الأنسب أن تصاغ النصوص الدستورية نفسها بما يحافظ على قيمتها بغير عناء أو خلاف.

ثانياً - الدستور الحالى يتضمن أحكاماً مهمة تعتبر من قبيل الشعارات التى لم تطبق عملياً

يتضمن الدستور أحكاماً فى غاية الأهمية لحماية الحريات العامة، وتفيد تقارير عديدة مع ذلك بأنه لم يتم احترامها دائماً فى التطبيق العملى، ويثير ذلك تساؤلات مهمة حول غيبة الضمانات الفعلية التى تكفل هذه الحريات، من ذلك مثلاً ما جاء فى المادة 42 من الدستور بأن «كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً كما لا يجوز حجزه أو حبسه فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون». ونص المادة 44 بأن «للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقاً لأحكام القانون». ونص المادة 45 بأن «لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون»، و«للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة وفقاً لأحكام القانون». بل نص المادة 46 التى تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية دون قيد أو شرط. ونص المادة 57 التى تجعل «كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء». ومن ذلك أيضاً نص المادة 161 بأن «تشكل المجالس الشعبية تدريجياً على مستوى الوحدات الإدارية عن طريق الانتخاب المباشر»، حيث صدر القانون بشأن انتخاب أعضاء هذه المجالس متأخراً فى عام 1979، ووجدته المحكمة الدستورية العليا مؤخراً غير متفق مع الدستور.

ثالثاً - الدستور الحالى يتوسع فى الحالات التى تعطى لرئيس الدولة سلطات استثنائية تسمح بتعطيل العمل بالدستور أو بالقوانين العادية

تشمل معظم الدساتير نصوصاً استثنائية تسمح فى ظروف خاصة جداً ومحددة بدقة بأن يوقف العمل مؤقتاً ببعض أحكامها، مع تقييد هذه الظروف بحالات الضرورة التى لا يمكن تجنبها وتوفير أكبر قدر من الضمانات الموضوعية والإجرائية التى تحول دون اللجوء إلى هذه السلطة الاستثنائية إلا عند الضرورة القصوى. لكن الأمر كان ولايزال مختلفاً فى الدساتير المصرية المتعاقبة بما فيها الدستور الحالى.

وقد أتى الدستور الحالى بأحكام تسمح فى حالات استثنائية بسلطات غير عادية لرئيس الدولة تجاوز ما هو مسموح به فى الدستور كقاعدة عامة. فمن ناحية تنص المادة 74 على حق رئيس الجمهورية «إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى» أن يتخذ «الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ويوجه بياناً إلى الشعب، ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها». ويلاحظ هنا أن حق رئيس الجمهورية فى اتخاذه هذه الإجراءات الاستثنائية غير محدد بموافقة مجلس الشعب، حتى إن كان المجلس قائماً فى دور انعقاده، وبهذا يترك تقدير الأخطار المذكورة فى النص لرئيس الدولة وحده كما يلاحظ أن الضمانة الوحيدة لعدم إساءة استخدام هذا الحق الخطير هى إجراء الاستفتاء عليه خلال ستين يوماً، مع ما هو معروف من سهولة التأثير على نتائج الاستفتاءات العامة فى الدول التى تنتشر فيها الأمية وتحتكر فيها الحكومة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

ومن ناحية ثانية، تخول المادة 108 من الدستور «لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى الأحوال الاستثنائية وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثى أعضائه أن يصدر قرارات لها قوة القانون». وقد أتت هذه المادة، على عكس المادة 74 السابق ذكرها، بعدد من الضمانات أهمها اشتراط أن يكون التفويض فى التشريع بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس، وإن كانت هذه الضمانة تفقد جزءاً كبيراً من أهميتها إذا كان للحزب الحاكم أغلبية تجاوز الثلثين فى مجلس الشعب، كما هو الحال فى الوقت الحاضر. كما تشمل المادة 108 ضمانات أخرى منها أن يكون التفويض لمدة محدودة، وأن تبين فيه موضوعات القرارات التى يمكن أن تصدر بها القوانين والأسس التى تقوم عليها، وضرورة عرض هذه القرارات على مجلس الشعب فى أول جلسة بعد انتهاء التفويض، وزوال ما كان لها من قوة القانون إذا لم تعرض على المجلس كما هو مطلوب، أو إذا عرضت ولم يوافق عليها المجلس. غير أن تفويض رئيس الجمهورية بإصدار قرارات لها قوة القانون بالرغم من انعقاد مجلس الشعب وقدرته على الموافقة على مشروعات القوانين يعتبر أمراً خطيراً من حيث المبدأ، لا نجد له مثيلاً فى كثير من دساتير الدول الديمقراطية.

وإلى جانب الإجراءات الاستثنائية التى ترخص بها المادة 74، والتفويض فى التشريع الذى تسمح به المادة 108، تفصل المادتان 147 و148 من الدستور حالات أخرى يصبح فيها لرئيس الجمهورية حق التشريع أو حق تعطيل أحكام القوانين المعمول بها:

إذ تنص المادة 147 على أنه «إذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون. ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً وتعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل أو وقف جلساته»، وتوضح المادة بعد ذلك أنه إذا لم تعرض هذه القرارات على مجلس الشعب أو عرضت ولم يوافق عليها، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون «إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر».

أما المادة 148 فتعطى رئيس الجمهورية الحق فى إعلان حالة الطوارئ «على الوجه المبين فى القانون»، دون وضع أى شروط أو ضمانات دستورية لممارسة هذا الحق الخطير إلا النص على وجود عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوماً التالية لصدوره إذا كان المجلس قائماً، وإذا كان المجلس منحلاً «يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له، والنص على أن يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محدودة لا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب. ومعروف أن قانون الطوارئ المعمول به يعطى للحاكم العسكرى سلطات واسعة جداً تشمل عدم مراعاة الضمانات الواردة فى القوانين الأخرى بشأن الحقوق المدنية المختلفة. كما أن الدستور نفسه ينص فى المادة 48 على جواز فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام فى حالة الطوارئ وذلك «فى الأمور التى تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومى».

رابعاً - الدستور الحالى يتضمن عدداً من المسائل المهمة الأخرى التى تحتاج إلى إعادة البحث والدراسة فى ظل تقدم مصر على الطريق الديمقراطى

أ- عدد أعضاء مجلس الشعب وتشكيله:

تنص المادة 87 من الدستور على أن عدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضواً نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين. وقد وصل عدد الأعضاء المنتخبين الآن إلى 444 عضواً، يضاف إليهم عشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية طبقاً للرخصة التى تعطيها له المادة المذكورة، ومن المفيد أن يدرس ما إذا كان هذا العدد الكبير من شأنه تمكين المجلس من إجراء المناقشات الموضوعية المتعمقة التى يفترض ضرورتها فى مجلس من اختصاصه وضع تشريعات الدولة وإقرار خططها العامة، كما أن من المفيد أن يدرس ما إذا كان الأفضل أن يترك للشعب سلطة اختيار ممثليه دون تحديدهم مسبقاً بصفات بعينها من «فئات» أو «عمال وفلاحين»، خاصة وقد أثبتت التجربة العملية أن أقدر النواب على الدفاع عن مصالح العمال والفلاحين لم يكونوا بالضرورة عمالاً أو فلاحين، كما أتى الواقع العملى بتوسع كبير فى تعريف العامل والفلاح بحيث أصبح رؤساء شركات القطاع العام يرشحون أحياناً تحت وصف «عمال»، وبعض أصحاب الأراضى الزراعية الذين لا يزرعون الأرض بأنفسهم يرشحون تحت وصف «فلاحين»، لقد قال المدافعون عن اشتراط نسبة الخمسين فى المائة عند وضعها إنها الضمان الوحيد أو الأساسى لحماية مصالح العمال والفلاحين، وقال المنتقدون لهذا الشرط إن الغرض الحقيقى منه هو ضمان التأييد المستمر للنظام القائم، وأياً كان الأمر فإن المسألة على قدر كبير من الأهمية وتحتاج إلى بحث متعمق، بعيداً عن الشعارات الرخيصة، حتى نتبين ما إذا كانت المصلحة العامة، بما فيها مصلحة العمال والفلاحين، تتطلب الإبقاء على هذا الشرط فى المستقبل.

ويزيد من أهمية هذا البحث ما يراه المتتبعون لجلسات مجلس الشعب من اقتصار دور عدد كبير من أعضائه على التصفيق، وتكالب الكثيرين منهم على رئيس الوزراء والوزراء بغية الحصول على توقيعاتهم على «عرض حالات» تحتوى على مطالب خاصة أو عامة، كان الأجدر بها أن تقدم بالطرق العادية وتبحث بالتفصيل قبل البت فيها، على عكس ما يحدث أمام عدسات التليفزيون ويشاهده الجمهور ويثير السخرية فى الداخل والخارج.

ب- جواز الجمع بين عضوية مجلس الشعب والوظائف فى الحكومة والقطاع العام:

تقضى المادة 89 من الدستور بجواز أن يرشح العاملون فى الحكومة والقطاع العام أنفسهم لعضوية مجلس الشعب، كما تقضى بتفرغ عضو مجلس الشعب لعضوية المجلس «مع احتفاظه بوظيفته أو عمله» «فيما عدا الحالات التى يحددها القانون»، لكن التجربة قد أثبتت أن هذا التفرغ لا يحدث فى معظم الحالات، بل استساغ الحزب الحاكم ترشيح بعض أصحاب المناصب الكبيرة ورؤساء الشركات التى يعمل فيها أعداد ضخمة «والذين كثيراً ما يحصلون على أصوات العاملين فى شركاتهم»، وبقى هؤلاء بعد انتخابهم فى مناصبهم.

خامساً - الدستور الحالى رغم إسهابه، لا يتضمن أحكاماً مهمة تنص عليها الدساتير الحديثة

بينما تصل مواد الدستور المصرى إلى 211 مادة، يعالج بعضها تفاصيل قد لا يكون مكانها الدستور كما رأينا، لا نجد فى هذا الدستور أى معالجة لعدد من المسائل الأساسية التى تهتم بها الدساتير الحديثة مما يستدعى البحث أيضاً فيما إذا كان من الملائم إضافة مثل هذه الأحكام تقديراً لأهميتها.. ومن أمثلة ذلك ما يلى:

ليس فى الدستور نصوص تتعلق بحقوق المصريين المقيمين فى الخارج خاصة فيما يتعلق بمشاركتهم فى الحياة السياسية فى مصر، رغم أن هؤلاء يمثلون قطاعاً مهماً من قطاعات الشعب المصرى وتتوافر بينهم طاقات وكفاءات هائلة، كما أن تحويلاتهم تمثل المصدر الأول لدخل الدولة من العملات الأجنبية.

ليس فى الدستور نصوص تتعلق بحماية الآثار التى خلفتها الحضارات المصرية عبر التاريخ وبحماية التراث الثقافى لمصر الذى يميزها عن معظم دول العالم الأخرى، هذا بالرغم مما تتعرض له هذه الآثار العظيمة، والتى تعتبر تراثاً للإنسانية كلها، من اعتداءات مستمرة.

ونعتقد أن حماية الآثار المصرية المتعددة بما فيها الآثار المصرية القديمة والآثار اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية فى حاجة إلى نص دستورى مفصل يكفل لها أكثر قدر من الحماية ويجعل من واجب الدولة والمواطنين المحافظة عليها للأجيال المقبلة.

لا يعالج الدستور بصورة كافية دور المجتمع المدنى بما فى ذلك المساحة الواسعة بين الفرد والدولة التى تشغلها الجمعيات الأهلية وغيرها من المنظمات غير الحكومية التى تعتبر أنشطتها دليل الحيوية فى المجتمع وركيزة مهمة للمشاركة الشعبية فى حكم المجتمع لنفسه.

لا يتكلم الدستور عن مسؤولية البنك المركزى عن السياسة النقدية ولا يكفل استقلاله فى تحديد هذه السياسة، بينما يتجه عدد من الدساتير الحديثة إلى التأكيد على هذه المسألة بعد أن أثبتت التجربة أن تمتع البنك المركزى بسلطة كافية تحول دون التدخل السياسى فى عمله يضمن إلى حد كبير نجاحه فى توفير استقرار العملة وسلامة السياسة النقدية بصفة عامة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية