نقلت ثورة 25 يناير، الحياة السياسية المصرية من السباحة فى حوض سمك كان يسمى «لجنة الأحزاب»، إلى محيط هادر من الأفكار والتنظيمات السياسية، وبعد شهر من اندلاع الثورة التى أطاحت بنظام مبارك، تتجه الأنظار إلى أول انتخابات رئاسية وبرلمانية تشهدها مصر بعد المرحلة الانتقالية التى تعهد المجلس العسكرى بتسليم السلطة فيها إلى مدنيين.
الواقع يقول إن منهج التعقيم والحظر الذى مارسه النظام السابق على الحياة السياسية أفرغ الأحزاب من مضمونها، وكاد يقصى تيارات سياسية كانت لها الغلبة فى الحياة السياسية قبل ثورة يوليو، وعلى رأسها التيار الليبرالى، فيما تفكك اليسار وتناثر بين حزب التجمع الرسمى وعشرات الحركات اليسارية المنشقة، وحافظ الإخوان على تصدرهم السياسى بحكم التنظيم العقدى الضخم، وخبراتهم الطويلة فى امتصاص الضربات الأمنية، لكن المشهد عشية الثورة بدأ يشكل خريطة سياسية واسعة الطيف، تشهد لأول مرة مواجهة حقيقية بين 4 تيارات فكرية تتفاوت بشدة فى إمكاناتها التنظيمية وأطرها السياسية وفرص نجاحها فى ممارسة عمل حزبى وسياسى حقيقى لأول مرة بعد أن نزع عنها كل غطاء.
وإزاء فورة الإعلانات المتزايدة عن تشكيل أحزاب ذات اليمين وذات اليسار، يمكن رصد 4 تيارات سياسية هى: التيار الإسلامى، واليسار المصرى، والأحزاب الليبرالية، والتيار القومى، يضاف إليهم قوة هائلة لكنها غير متوحدة تتمثل فى ثوار يناير والحركات الاحتجاجية، تشترك جميعها فى أنها تشهد ظواهر جديدة، فيما تختلف فى فرص كل منها فى الحياة الفاعلة سياسيًا واجتماعيًا.
التيار الإسلامى.. والظواهر الجديدة:
لأول مرة، يكسر السلفيون والتيارات الجهادية مثل الجماعة الإسلامية احتكار الإخوان للتيار الإسلامى، وظهر عزم هذه الحركات على الظهور العلنى فى ميدان التحرير يوم جمعة الانتصار، بعد أن غابت عن ممارسة السياسة طوال العقود الماضية.
1- جماعة الإخوان المسلمين:
القيادة: الدكتور محمد بديع - المرشد العام الحالى للجماعة ويرأس مكتب الإرشاد الذى يتكون من 18 عضوًا.
التجربة السياسية:
كبرى الحركات الإسلامية، تتصدر قائمة جماعات الإسلام السياسى، وتملك رصيدًا من العمل السياسى يبدأ بترشح مؤسسها حسن البنا لانتخابات مجلس الأمة قبل ثورة يوليو، وتوقف جزئيًا بعد قرار حلها عام 1948، وبعد صدامها مع الثورة، خرج رموزها من السجون فى عهد السادات، وشاركوا فى الحياة النيابية بصور مختلفة، ثم قاطعوا الانتخابات فى عام 1990، ونجح لهم مرشح واحد عام 1995 هو على فتح الباب، ونجح 17 من الإخوان فى برلمان 2000 ومثلهم 88 نائبًا فى مجلس الشعب فى انتخابات 2005.
الوضع بعد 25 يناير:
يسعى الإخوان لتشكيل حزب سياسى يحمل اسم «الحرية والعدالة»، وأعلنوا أن وكيل المؤسسين هو الدكتور محمد سعد الكتاتنى عضو مكتب الإرشاد، ويكتنف برنامج الحزب غموض بشأن ترشيح المرأة والأقباط لمنصب الرئاسة.
2- السلفيون
القيادة: لا توجد قيادة واحدة، وهناك اختلافات جذرية حول إيمان المجموعات السلفية بالعمل الجماعى، لكن هناك رموزًا ومشايخ لكلمتهم صدى وثقل فى أوساط المجموعات السلفية ومنهم: محمد حسان - محمد حسين يعقوب - محمد إسماعيل المقدم - أبو إسحاق الحوينى - ياسر برهامى، إلى جانب جمعية أنصار السنة المحمدية القريبة من منهج السلفيين ويرأسها حاليًا الدكتور عبدالله شاكر.
التجربة السياسية:
ليست للتيار السلفى تجارب سياسية سابقة، فيما ترى جمعية أنصار السنة المحمدية ضرورة عدم الانشغال بالسياسة على الدعوى.
الوضع بعد 25 يناير:
شارك السلفيون فرادى وجماعات فى الثورة، ونزل رموزهم إلى ميدان التحرير، وأعربت جمعية أنصار السنة المحمدية فى بيان لها عن أملها فى إطلاق الحرية لنشاطها الدعوى، لكن لم تظهر حتى الآن أى مبادرات لتشكيل أحزاب.
3- الجماعة الإسلامية:
القيادة: لا توجد قيادة علنية بعد خروج الزعامات من السجن بعد المراجعات الفكرية، وأهم رموزها: ناجح إبراهيم - كرم زهدى - صفوت عبدالغنى.
التجربة السياسية:
لم يسبق للجماعة ممارسة العمل السياسى منذ تبنت فى نهاية السبعينيات نهجًا عنيفًا تمثل فى السعى لتغيير نظام الحكم بالقوة، ثم تم حل التنظيم بعد الصدام المسلح بينها وبين الدولة فى التسعينيات وانتهى الأمر بالمراجعات.
الوضع بعد 25 يناير:
أعلنت الجماعة سعيها لتكوين حزب سياسى، وبدأت فى مشاورات وظهور علنى فى أسيوط، وعودة لقاء الاثنين فى مسجد الجمعية الشرعية.
وفى السياق نفسه، أعلن المحامى ممدوح إسماعيل - الذى تولى الدفاع عن تنظيم الجهاد عزمه تأسيس حزب يحمل اسم «النهضة».
4- حزب الوسط:
القيادة: المهندس أبوالعلا ماضى رئيس الحزب.
التجربة السياسية:
بدأت فكرة حزب الوسط عام 1995 على يد مجموعة تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، ثم انفصل مؤسسو الحزب عن الجماعة وواصلوا مشروعهم الخاص الذى تنقل بين عدة محطات، وتقدم إلى لجنة شؤون الأحزاب عام 1996 لأول مرة ووضعت أمامه العديد من العراقيل، وقوبل بالرفض وقام بتغيير اسمه إلى الوسط المصرى، ثم الوسط الجديد، واستمرت معركته القانونية فى المحاكم حتى حصل على حكم من القضاء المصرى فى 19 فبراير 2011.
الوضع بعد 25 يناير:
اعتبر قرار دائرة شؤون الأحزاب فى المحكمة الإدارية العليا بتأسيس حزب الوسط الجديد أول انتصار للثورة.
التيار اليسارى:
الظواهر الجديدة:
شهدت الأيام القليلة الماضية محاولات حثيثة لتوحيد قوى اليسار، التى تشظت بين حزب التجمع اليسارى، بقيادته التاريخية، والرافضين لتوجه رئيس الحزب رفعت السعيد وعلاقته بالنظام السابق، ودعا أكثر من 100 شخصية يسارية إلى تأسيس حزب جديد يحمل اسم «حزب اليسار»، مع مراجعة وضع حزب التجمع الحالى.
1- حزب التجمع:
أبرز الأحزاب اليسارية المصرية، تأسس مع إعادة تأسيس الأحزاب فى مصر بعد حل الاتحاد الاشتراكى، ويعتبر خالد محيى الدين المؤسس والزعيم التاريخى للحزب، ويرأسه حاليًا الدكتور رفعت السعيد.
التجربة السياسية:
اشترك الحزب فى جميع الانتخابات التشريعية منذ تأسيسه، وفى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب عام 2010 أصر على المشاركة رغم مقاطعة باقى القوى السياسية ومثله فى مجلس الشعب 5 نواب توفى أحدهم بعد فوزه بأربعة أيام، وهو محمد عبدالعزيز شعبان، بالإضافة إلى تعيين أمينة شفيق ضمن كوتة رئيس الجمهورية.
الوضع بعد 25 يناير:
يشارك الحزب ضمن ائتلاف القوى السياسية والوطنية، الذى تشكل بعد الثورة، ويطالب بإسقاط حكومة الفريق أحمد شفيق.
2- الحزب الشيوعى المصرى:
تأسس عام 1922، وعمل كحزب سرى منذ عام 1924 وحتى الآن.
الوضع بعد 25 يناير:
يسعى أعضاء فى الحزب للتفاوض مع باقى القوى اليسارية لتكوين حزب يسارى جديد.
3- قوى يسارية أخرى:
تتكون العشرات من المجموعات اليسارية، التى انفصلت عن حزب التجمع أو الحزب الشيوعى، أو مثلت نفسها كمجموعات يسارية شبابية، ومنها: تيار التجديد الاشتراكى، و«اشتراكيون ثوريون».
التجربة السياسية:
تتواجد هذه التيارات فى صفوف الحركات الطلابية اليسارية، وبأسماء أخرى فى أوساط العمال فى شركات القطاع العام، وشاركت فى الثورة بقوة، وتجرى مشاورات لتشكيل حزب يسارى جديد.
التيار القومى والناصرى:
يمثله حزبا «العربى الناصرى» و«الكرامة» تحت التأسيس.
1- الحزب الناصرى:
الحزب الرسمى المعبر عن التيار القومى الناصرى فى مصر.
القيادة: زعيم الحزب التاريخى أحمد ضياء الدين داوود، وبعد اعتزاله رئاسة الحزب لمرضه وقع الحزب فى صراعات بين نائب رئيسه سامح عاشور، وأمينه العام أحمد حسن.
التجربة السياسية:
شارك الحزب الناصرى فى العديد من الانتخابات النيابية، ولم يوفق فى الحصول على مقاعد فى مجلس الشعب فى أغلب الدورات، ومنها الانتخابات الأخيرة.
الوضع بعد 25 يناير:
لم يحسم الحزب صراعاته، وشاركت قياداته المتنازعة فى ثورة 25 يناير.
2- حزب الكرامة:
حزب قومى، تحت التأسيس، رفضته لجنة الأحزاب التابعة لمجلس الشورى.
القيادة: النائب حمدين صباحى مؤسس الحزب - أمين إسكندر وكيل المؤسسين.
التجربة السياسية:
شارك مؤسسه حمدين صباحى فى مجلس الشعب فى دورتى 2000 و2005، وقاطع الجولة الثانية لانتخابات 2010، وانضم النائب سعد عبود للحزب تحت قبة البرلمان.
الوضع بعد 25 يناير:
يسعى الحزب لاستصدار رخصة لعمله بعد تعطيل طويل فى لجنة شؤون الأحزاب.
التيار الليبرالى:
يعانى التيار الليبرالى من حالة تشتت تعتبر تحديًا لقيام أحزاب ليبرالية جديدة يمكن أن تراهن على الأغلبية الصامتة.
1- حزب الوفد:
أقدم الأحزاب الليبرالية، تأسس بزعامة سعد زغلول سنة 1918، وكان حزب الأغلبية قبل ثورة 23 يوليو المصرية، ولم يعد الحزب إلى نشاطه السياسى إلا فى عهد الرئيس أنور السادات، بعد سماحه بالتعددية الحزبية، وقد اتخذ لنفسه اسم حزب الوفد الجديد سنة 1978 بزعامة فؤاد سراج الدين.
القيادة: يرأس الحزب الدكتور السيد البدوى شحاتة.
التجربة السياسية:
شارك الوفد فى العديد من الانتخابات النيابية منذ عام 1984، ثم قاطع انتخابات 2010 فى الجولة الثانية، وجمد عضوية مرشحيه الفائزين، كما جاء مرشحه نعمان جمعة ثالثًا فى انتخابات الرئاسة عام 2005.
الوضع بعد 25 يناير:
شارك الوفد فى ائتلاف القوى السياسية والوطنية، الذى تشكل بعد ثورة 25 يناير.
2- حزب الجبهة:
حزب ليبرالى تشكل بموافقة لجنة شؤون الأحزاب عام 1996، وجمع فى عضويته مستقلين من الحزب الوطنى مثل مؤسسه الدكتور أسامة الغزالى حرب، وشخصيات ليبرالية مستقلة.
التجربة السياسية:
لم يعاصر الحزب منذ تأسيسه غير انتخابات 2010، وقاطعها بسبب ما وصفه بالتزوير.
الوضع بعد 25 يناير:
يسعى الحزب لتوسيع نشاطه، والمشاركة فى أى انتخابات قادمة فى مصر.
3- حزب الغد:
أسسه أيمن نور عام 2004، وترشح عنه فى انتخابات الرئاسة عام 2005، وحصل على ثانى أكبر عدد من الأصوات بعد الرئيس السابق مبارك، مرشح الحزب الوطنى، لكن الحزب تمزق بعد دخول نور السجن بتهمة تزوير توكيلات.
بعد 25 يناير:
يحاول أيمن نور استعادة حزبه، والتخطيط للمرحلة المقبلة.
4- الحزب الوطنى الديمقراطى:
أسسه الرئيس الراحل أنور السادات، وتولى رئاسته مبارك، واحتكر الحياة السياسية فى مصر لمدة 30 عامًا.
الوضع الحالى:
أحرقت مقار الحزب الوطنى فى ثورة 25 يناير، وبعد تخلى مبارك عن الحكم صار مستقبله على المحك.
الحركات الاحتجاجية:
هى وقود التغيير، وصاحب النصيب الأكبر فى نجاح ثورة 25 يناير، وبدأت بحركة كفاية عام 2005، التى نادت للمرة الأولى بـ«لا للتمديد ولا للتوريث»، ثم تطورت الحركات بشكل كبير، وازداد عددها حتى قادت للثورة، وتواجه حاليًا مشكلة فى تحديد أسلوب العمل فى ظل النظام السياسى المرتقب، مع إجماع من قياداتها على ضرورة استمرارها بوضعها الحالى حتى تحقيق كل مطالب الثورة، ومن أهمها:
1- الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية»: تولى منصب المنسق العام لها جورج إسحاق، ثم الراحل عبدالوهاب المسيرى، ثم عبدالحليم قنديل.
2- الجمعية الوطنية للتغيير: تشكلت من تحالف لعدد من القوى السياسية والأحزاب والشخصيات المستقلة، وتولى منصب منسقها العام الدكتور حسن نافعة.
3- حركة شباب 6 أبريل: منسقها العام أحمد ماهر، وبدأت بالدعوة للإضراب الشهير فى عام 2008، الذى نجح فى المحلة الكبرى.
4- مجموعة كلنا خالد سعيد: تأسست على «فيس بوك» بعد وفاة ضحية التعذيب، وكان لها دور بارز فى حشد الشباب لمظاهرات 25 يناير فى ميدان التحرير، ومختلف المحافظات.
5- الحملة الوطنية لدعم البرادعى ومطالب التغيير: قادها منسقها العام عبدالرحمن يوسف، ثم مصطفى النجار، ونجحت فى جمع أكثر من مليون توقيع على مطالب التغيير السبعة التى نادى بها الدكتور محمد البرادعى.
6- ائتلاف شباب الثورة: أحد أبرز الائتلافات التى تشكلت بعد نجاح ثورة 25 يناير، ويضم مجلسًا تنفيذيًا.