المخاوف من الزلازل المدمرة وأمواج تسونامي لم تعد تحتل المرتبة الأولى لدى اليابانيين، مقارنة برعبهم من الهجوم الذري المحتمل بعد اختبارات الصواريخ المتعددة التي أجرتها حكومة كوريا الشمالية.
صحيفة «جارديان» البريطانية، تساءلت في تقريرها، الاثنين، عما إذا أصبح اليابانيون مصابين بالذعر النووي، أم أن الحكومة تستغل مخاوف الناس من زعيم كوريا الشمالية واختباراته النووية لتمرير زيادات في الإنفاق العسكري وتغيير الدستور السلمي للبلاد.
ووفقا لتقرير الصحيفة البريطانية، بعنوان «مبيعات الملاجئ النووية تتضاعف في اليابان بسبب مخاوف من اختبارات كوريا الشمالية»، فإن اليابان هي الدولة الوحيدة في التاريخ التي تعرضت لقصف ذري، لذا فإن مخاوف اليابانيين مبررة إلى حد كبير.
لكن اليوم، أصبحت احتمالية وقوع كارثة من صنع الإنسان لا الطبيعة كفيلة بإقناع المعلم المتقاعد، يوشيهيكو كوروتوري، أنه كان محقا عندما أنفق 8 ملايين ين لبناء ملجأ صغير في حديقة منزله، حسب تقرير «جارديان».
ووفقا للصحيفة، تسببت تجارب إطلاق الصواريخ المتعددة لكوريا الشمالية خلال العام الجاري، 2017، التي بلغت ذروتها حين أطلق صاروخ باليستي عابر للقارات، في إثارة القلق داخل اليابان وإعطاء إشارة البدء لتكثيف نشاط الدفاع المدني لدرجة لم ير لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
ويشكل امتلاك كوريا الشمالية صاروخا بالستيا عابرا للقارات، يمكن تزويده برأس نووية، منعطفا مهما للنظام الشيوعي الذي أجرى حتى اليوم 5 تجارب نووية ويمتلك ترسانة صغيرة من القنابل الذرية.
وأشار تقرير «جارديان» إلى أن 9 بلدات يابانية قد نفذت أعمال حفر لإخلاء السكان منذ أن سقطت صواريخ لكوريا الشمالية في البحر داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة باليابان في مارس 2017 وسط توقعات ببدء 12 بلدة أخرى أعمال الحفر قريبا.
وناشد مقطع فيديو تحذيري، مدته 30 ثانية، بثته الحكومة على التلفاز في وقت الذروة، الناس اللجوء إلى مباني صلبة للاحتماء بها أو اللجوء إلى ملجأ تحت الأرض في حالة شن هجوم على اليابان. بينما ينبغي على الأشخاص العالقين في بيوتهم الاحتماء خلف حواجز صلبة والاستلقاء على الأرض والبقاء بعيداً عن النوافذ.
وأوضحت الصحيفة أن مبيعات الملاجئ النووية وأجهزة تنقية الهواء وقناعات الغاز ترتفع في اليابان باستمرار.
ونقلت الصحيفة عن سييتشيرو نيشيموتو، الذي شيدت شركته ملجأ كوروتوري، قوله إن طلبات الاستفسار عن الملاجئ ارتفعت بنحو حاد منذ بداية العام الحالي. وباعت شركته، ومقرها مدينة أوساكا، أكثر من 12 ملجأً خلال الشهرين الماضيين، وهو ضعف عدد مبيعاتها السنوية المعتادة.
ويقول «نيشيموتو»، البالغ من العمر 80 عاماً: «يشعر غالبية عملائنا بالقلق من الغبار النووي الناتج عن هجوم كوريا الشمالية. أعتقد أنه ينبغي على الجميع امتلاك ملاجئ في كل مكان في اليابان. يشكو الناس من التكلفة، لكن سعر أصغر الملاجئ مساحة أقل من تكلفة شراء سيارة عائلية».
وأضاف «نيشيموتو» أنه تلقى 3 طلبات لبناء ملاجئ خلال الأسبوع الماضي، وأنه يتفاوض مع ملاك مبنى سكني لبناء ملجأ للسكان.
ونقلت الصحيفة عن مديرة شركة أوريب سيكي سيساكوشو، نوبوكو أوريب، قولها إنها تلقت طلبات لبناء ملاجئ خلال شهري أبريل ومايو 2017، يصل عددها إلى ضعف عدد الطلبات التي تلقتها شركتها خلال عام 2016 بأكمله.
وتضيف: «لكن هناك حداً أقصى لعدد الناس القادرة على بناء ملاجئ، ولن تفعل الحكومة هذا من أجلهم. لقد عايشنا تجربة هيروشيما وناجازاكي، واليوم وبعد مرور 70 عاماً، يشعر الناس بالقلق إزاء شن هجوم نووي مجددا».
وتقدم الشركة، التي أسسها والد أوريب، مباشرة بعد أزمة صواريخ كوبا التي كانت تهدد باندلاع مواجهة نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك، عدداً متنوعاً من الملاجئ، من بينها ملجأ يكفي لـ13 شخصاً وتبلغ تكلفته 25 مليون ين (222 ألف دولار).
ووفقا للصحيفة، اتهم البعض رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بالسعي إلى استغلال مخاوف الناس من اندلاع حرب مع كوريا الشمالية لتبرير نفقات الدفاع التي وصلت إلى مستويات قياسية، علاوة على خططه المثيرة للجدل الرامية إلى تعديل الدستور الياباني والمعروف باسم «الدستور السلمي».
في أبريل 2017، أسهم «آبي» في إشاعة القلق بين السكان عندما زعم أن كوريا الشمالية ربما تمتلك التقنية التي تمكنها من تزويد صواريخها الباليستية برؤوس تحتوي على غاز الأعصاب «السارين»، وهي المادة التي استخدمت في الهجوم الذي شنته جماعة «أوم شنريكيو» الدينية، في مترو الأنفاق في طوكيو في عام 1995.
لكن مخاوف العديد من اليابانيين ليست خاطئة بالكامل، وفقا للتقرير، فعندما بدأت كوريا الشمالية تسعى إلى امتلاك أسلحة ردع نووية منذ عقدين، أطلقت بيونج يانج صاروخاً في عام 1998، ليعبر فوق الأراضي اليابانية ويسقط في المحيط الهادئ. وانتهت رحلة الصاروخ الباليستي العابر للقارات، الذي أطلقته كوريا الشمالية خلال الأسبوع الجاري، في البحر داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة باليابان.
وتقول الحكومة اليابانية إن الأمر يستغرق 10 دقائق فقط حتى يقطع أي صاروخ مسافة 1600 كيلومتر من موقع إطلاقه في كوريا الشمالية إلى القاعدة العسكرية الأميركية في جزيرة أوكيناوا في جنوب اليابان.