ربما يصعب على الكثيرين وصف أو تفسير الحالة النفسية التى بات عليها المصريون بعد نجاح ثورة 25 يناير، فبداخل البعض مزيج من الفخر والكرامة، وارتياح لم يسبق لهم أن شعروا به من قبل، بينما البعض الآخر يترقب الغد وما يحمله من مفاجآت جديدة فى قلق شديد، وآخرون يخافون من أن تزول تلك الحالة التى نعيشها الآن، فنعود إلى الوراء حيث كنا، وبين كل هؤلاء يظل التفسير العلمى لنفسية المواطن المصرى فى هذه الفترة مطلوباً، ربما لوضع خطوط عريضة تمكننا من استثمار الحالة الآن، أو لمحاولة فهم تأثيرها على التعاملات بين الأفراد فى المرحلة المقبلة.
شعور قوى بالانتماء تسلل إلى قلب محمد سالم- موظف- بعد أن نجحت الثورة، وتمكن الشباب بصدق مشاعرهم ووطنيتهم الشديدة فى التخلص من رؤوس الفساد، هكذا يصف ما بداخله قائلاً: «ربما لم أكن أشعر بجدوى المطالبة بالحقوق والسعى إليها فى السابق، نظراً لانتشار الفساد وتحكم الفاسدين فى كل شىء، لكن اليوم لن أتردد فى كشف الفاسدين والمطالبة بملاحقتهم».
الدكتور هاشم بحرى- رئيس قسم الأمراض النفسية بجامعة الأزهر- يؤكد أن معظم الشعب المصرى كان يشعر بالإحباط الشديد والاكتئاب وعدم الإحساس بأى انتماء للدولة، وأن الهدف الذى اجتمع عليه الشباب وذابت من أجله الخلافات والفروق الفردية، جعل الجميع يشعرون بأنهم جميعاً فى سلة واحدة، وأيقظ داخلهم المشاعر إيجابية.
وقال «بحرى»: لم تكن الشعارات السبب فى توافد الملايين نحو ميدان التحرير، لكن الشعب المصرى دائماً ما يُظهر أفضل ما لديه إذا ما كان هناك هدف قومى يجمعهم. وبرغم تأكيد بحرى على أن حالة الاكتئاب وعدم الإحساس بالانتماء للوطن تلاشت فى هذه الفترة، فإنه شدد على ضرورة أن يبقى هناك هدف قومى يجمع المصريون مع بعضهم البعض، وإلا ستعود هذه الحالة إلى الاختفاء من جديد.
ويرى «بحرى» أن اختفاء الهدف القومى الموحد بدأ فى الظهور ثانية إلى السطح، عندما بدأ البعض يتظاهر من أجل مطالب فئوية، لذا على الحكومة أن تتخذ خطوات سريعة من شأنها أن تخلق هدفاً قومياً جديداً يلتف حوله المصريون من جديد وإلا سنعود إلى نقطة الصفر من جديد.
خالد عبيد- طالب فى الفرقة الثالثة بكلية الآداب، وهو أحد الشباب الذين ظلوا فى الميدان مرددين «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«كرامة حرية عدالة اجتماعية»، يؤكد أنه يواجه صعوبة فى وصف الشعور الذى تملكه هو وأصدقاءه وقت الإعلان عن تنحى الرئيس مبارك، فهو مزيج من الأمل والفخر مصحوبين بدموع الفرح- حسب قوله- مضيفاً أنه يذكر جيداً حالة الإحباط واليأس اللتين كانتا تسيطران عليه فى السابق، ويسخر منها الآن قائلاً: «إحنا غيرّنا مسار بلدنا عشان بنحبها وهنطوّرها ونخلّصلها عشان برده بنحبها».
الدكتور خليل فاضل- استشارى الطب النفسى- يفسر الحالة النفسية لخالد وأصدقائه قائلاً: «الشباب الآن لديهم إحساس بتحقيق الذات، والغد لديهم يبدو أفضل، وهم الآن فى انتظاره، ولا يخافون منه كما فى السابق، لديهم روح جديدة تُترجم على أرض الواقع من خلال مبادرات منهم لتنظيف وتطوير وتحسين بلدهم، لكن إذا لم يجدوا المؤسسات أو الجهات التى تساندهم فى تحقيق أحلامهم تلك فسيشعرون بالانزعاج، وبرغم ذلك فإنهم من الصعب جداً أن يفقدوا الأمل مرة أخرى.
ويرى «فاضل» أن الحالة النفسية للمواطن المصرى الآن هى مرحلة ما بين القلق الصحى والقلق المرضى، فهناك البعض قلق جداً على مستقبله، وآخرون يشعرون بقلق من نوع آخر بعد حالة الرعب والخوف التى شعروا بها خلال الفترة السابقة.
ويؤكد «فاضل» أن أحد أهم مزايا الثورة أن الكثيرين بدأوا فى محاسبة أنفسهم.
أنا سعيدة بما حدث فى مصر، ولكننى أشعر بخوف شديد من الفترة المقبلة، هكذا وصفت سميرة فاضل- ربة منزل- الحالة النفسية لها فى هذه الأيام قائلة: «لم يكن أحد منا يتوقع ما يحدث الآن».
الدكتور محمد، أستاذ مساعد الطب النفسى، يقول: «لدينا انقسامات داخل الشارع المصرى فى الفترة الحالية، هناك مجموعة من المواطنين لديهم شعور شديد بالسعادة لما حدث، لكن الخريطة غير واضحة بالنسبة إليهم، أما المجموعة الثانية فيرون أن ما يحدث فى البلد الآن هو فرصة لتحقيق جميع المكاسب الفردية، وفى كلتا الحالتين أرى أن الجميع فى حاجة شديدة إلى قائد يُذكّرهم بما فعلته الثورة».