استوقفنى خلال الأيام القليلة الماضية تعليقان عن العلم فى مصر، أحدهما عن العلوم فى مصر منذ خمسين قرناً، والآخر عن التعليم فى مصر وأوضاعه أمس الأول، يوم إعلان نتيجة الثانوية العامة.
وسأبدأ بالزمن السحيق، عندما خرج علينا دكتور وسيم السيسى، أستاذ علم المصريات، بتعليق فى أحد البرامج التليفزيونية قائلاً: إن الأسرة الفرعونية الـ18 بدأت برجل عظيم وهو الملك أحمس، مشيرا إلى أنه يرجع له الفضل فى تحرير مصر من الهكسوس. مشيرا إلى أن العلوم جميعها، وبالأخص الطب، نشأت فى مصر منذ 50 قرنًا، لافتا إلى أن هناك مقولة للفيلسوف أفلاطون يقول فيها: «ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه من مصر».
التعليق الثانى للأخ العزيز الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عندما علق على المؤشرات الأولية لنتائج الثانوية العامة، لافتًا إلى أن أقل الدرجات التى حصل عليها الطلبة هى تحديدًا فى مواد: اللغة الإنجليزية، الفيزياء، التفاضل والتكامل، الجبر والهندسة. وأضاف «السيد»، فى تدوينة له عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، أن هذه المقررات تحديدًا هى الأساس فى مواكبة التحولات العلمية الهائلة، والتواصل مع العالم، مشيرًا إلى أنها دليل آخر على أن مخرجات التعليم فى مصر تباعد بيننا وبين تحقيق أى نهضة ذات قيمة فى عصر العلم وانفجار المعرفة. وأضاف أستاذ العلوم السياسية أنه لا يلوم أحدا.. الهند والصين وكثير من دول العالم تتسابق على كسب ود إسرائيل، مشيرًا إلى كلمة الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين أن الصراع بين العرب وإسرائيل هو فى أحد جوانبه صراع حضارى.
ظهرت بالأمس نتيجة الثانوية العامة، مبروك لكل الناجحين، ولكن فى نفس الوقت لا عزاء للمجتمع المصرى الذى مازال يسير وبإصرار عجيب فى دروب التراجع والتأخر العلمى. لم يعد غريبا، بل ولم يعد يؤثر فينا، ما نتابعه من تراجع لرغبات الانضمام إلى الكليات العملية، أو عن انخفاض مستوى طلاب هذه الكليات، بل المستوى العلمى لهذه الكليات. لم يعد غريبا أن نسمع عن تراجع الجامعات المصرية فى مؤشرات الجامعات العالمية وتخلف البحث العلمى مقارنة بالعالم المتقدم أو الدول الراغبة فى التقدم.
أحد التصنيفات العالمية للجامعات فى العالم اسمه «كسر اس» كشف مؤخراً عن تراجع الجامعة الأمريكية فى مصر وجامعة القاهرة لعام 2016/ 2017. حيث تراجعت الجامعة الأمريكية بالقاهرة 20 مركزاً لتحتل المركز الـ365 عالمياً، فيما تراجعت جامعة القاهرة 50 مركزاً لتصبح بين ترتيب الـ551- 600 عالمياً. وباستثناء الجامعة الأمريكية، تراجعت كل الجامعات المصرية فى تقييم «السمعة الأكاديمية».
لن ينفعنا كثيراً أو طويلاً أى مشروع عملاق، لكن إذا أردنا أن يكون لدينا مشروع قومى بحق فأظن أنه التعليم.
عندما شغل دكتور طارق شوقى منصب وزير التربية والتعليم لقى اختياره صدى إيجابيا كبيرا لدى العديد ممن عرفوه عن قرب أو تابعوه وممن يعرفون فى نفس الوقت حقيقة وحدود المشكلة التى تعيشها مصر فى التعليم. ليست لى علاقة قريبة بالدكتور شوقى لكن ما سمعته عنه وما تابعته حتى الآن يعطى انطباعاً مشجعاً، لكن نجاحه لن يتم ما لم يتمكن من الوقوف أمام المقاومة الهائلة التى سيلقاها داخل وزارته نفسها وفِى مجاهل الدولة، والمقاومة الأعظم ستكون من المجتمع ذاته الذى قرر أفراده أن همهم الرئيسى أن يحصل أبناؤهم على «الشهادة الكبيرة»، وليس مهماً إن كان يستطيع حتى أن يقرأ ويكتب أم لا.
مبروك للناجحين فى الثانوية العامة، وألهم الله الدولة ورجالها القدرة على فهم مخاطر تراجع مصر فى التعليم ليدعموا ثورة تعليمية حقيقية على المدى الطويل، البديل عنها أن نستمر فى الغناء «الناجح يرفع إيده» ونستمر فى الغرق فى مجاهل الأمم المتخلفة.