طالب الخبراء السياسيون والكتاب والشباب المشاركون فى اليوم الثالث لمؤتمر «مصر بكره» الذى تنظمه مؤسسة «المصرى اليوم» لطرح تصورات لمستقبل مصر عقب ثورة 25 يناير، بضرورة سن دستور جديد يتأسس على الشرعية الثورية، التى خلقها 20 مليون مصرى نزلوا إلى الشوارع فى المظاهرات، مشددين على ضرورة التأكيد على مدنية الدولة. وتنوعت باقى الآراء بين ضرورة تشكيل مجلس رئاسى مدنى، ومد الفترة الانتقالية لتسمح بتأسيس حياة سياسية حقيقية.
وأكد عصام الإسلامبولى، المحامى بالنقض والإدارية العليا والدستورية والناشط السياسى، أن الحقيقة التى لا يمكن إنكارها هو أننا أمام شرعية ثورية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالرئيس السابق مبارك لم يقم بالاستقالة مثلا، مما أدى لانتقال السلطة لرئيس مجلس الشعب، ولم ينقل سلطاته لنائبه بسبب عائق ما يمنعه عن مزاولة مهامه.
وأضاف: نقل مبارك سلطاته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو اعتراف منه بالشرعية الثورية، إذن فنحن أمام ثورة لها شرعية أن تهدم نظاما سابقا وتبنى نظاما آخر، ولهذا فنحن هنا بصدد ثورة لها كامل الحق فى كتابة دستور جديد، ولا يجب هنا تعديل دستور1971 المهلهل بشكل كامل.
وأوضح الإسلامبولى: «نحن هنا أمام عدة اختيارات، إما أن نختار نظاماً برلمانياً أو رئاسياً أو مختلطاً ولكى نختار علينا معرفة طبيعة النظام السابق، لافتاً إلى أن النظام السابق كان نظاما متركزا حول شخص الرئيس، ولذلك لابد أن نرفض النظام الرئاسى والنظام المختلط، وأن نتمسك بالنظام البرلمانى لتحطيم أسطورة الفرعون.
ورفض الإسلامبولى العودة إلى مشاريع عمرها 57 عاما مثل المطالبين بعودة دستور 1954، لافتاً إلى أن عظمة هذا الدستور كانت فى وقته، أما الآن فهو غير مناسب لمصر. وقال إن الدستور ليس مجرد نصوص محفوظة ولكنه يعبر عن آمال وطموحات القوى الاجتماعية لحظة صياغته، ودور المشرع هو صياغة هذه الآمال والطموحات، وصياغة العقد الاجتماعى، وما نحتاجه هو دستور جديد وليس مجرد تعديل القديم، دستور يؤسس لنظام حكم برلمانى حقيقى.
واتفق مع الإسلامبولى فى وجهة نظره، أحمد بهاء الدين شعبان، الناشط السياسى اليسارى، أحد مؤسسى حركة كفاية، الذى أكد أن دستور1971 جاء عقب انقلاب مايو 1971 الذى نفذه السادات، وبالتالى جاء معبراً عن توازنات تلك اللحظة، وهذا يفسر تركيزه لنحو ثلثى السلطات السيادية فى يد رئيس الجمهورية، ولكن اللحظة الحالية تعكس توازنات مختلفة تماما، بعد نزول نحو 20 مليون مصرى إلى الشارع فى جمعة الغضب، وهو ما يتجاوز أى استفتاء حدث بمصر أو أى دولة أخرى بالمنطقة.
هذه الأعداد التى نزلت إلى الشارع تغير موازين القوى تماما، وهو ما يلزمنا بصياغة دستور جديد، يعبر عن هذه التوازنات. ونبه «شعبان» على ضرورة الاحتياط من الغرق فى تفاصيل وتوترات حول المادة الثانية للدستور، موضحا أنه لا يجب الوقوع فى ورطة الاختيار بين إما أن نغير هذه المادة الآن ونتحمل التبعات بما فيها من تفجير للموقف، أو أن نترك الدستور القديم كله بما فيه من عوار حتى نطمئن الأطراف المتمسكة بهذه المادة، واقترح «شعبان» أن نترك هذه المادة ولكن مع إضافة كل الضمانات الدستورية التى تكفل المساواة والمواطنة. فى ذات السياق، قال مايكل منير، رئيس منظمة أقباط الولايات المتحدة الأمريكية، المتحدث الرسمى باسم المجلس القبطى، إنه يؤمن بمفهوم الدولة المدنية، وهذا يعنى فصلاً كاملاً للدين عن الدولة فى القضايا السياسية والتشريعية، وأن تكون القوانين بكاملها وضعية، وأضاف أن هناك رؤية أخرى للدولة المدنية، وهى الدولة ذات المرجعية الدينية، وهذا النموذج لا يصلح من وجهة نظرى فى دولة بها تعددية دينية، لأنها تعنى تسلط أصحاب ديانة الأكثرية على ديانة الأقلية، وهذا ما نعيشه منذ 30 سنة. وحذر من صدور بعض الفتاوى التى تحوّل مع الوقت مصر إلى دولة دينية بالكامل، وأشار إلى أننا نبنى الآن دولة حديثة بدماء شهداء الثورة، وعلينا أن نبنى دولة مدنية ولا نعطى الفرصة لبناء دولة دينية تبث الفرقة بين المصريين، أو حتى دولة مدنية ذات مرجعية دينية لأنها ستؤدى للنتيجة ذاتها.
وقالت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية، رئيس الجلسة فى المؤتمر، إنه ينبغى ألا نخلط بين أخطاء فى تطبيق القانون أو أخطاء لها علاقة بعدم دستورية القوانين وتصححها المحكمة الدستورية، وبين الأخطاء الدستورية أو الخلل فى المبادئ الدستورية، وعلينا ألا نخلط بين مصادر الثقافة وبين الأحكام.
وأوضح وائل نوارة، سكرتير عام حزب الغد، أن أى دستور قائم يجب أن يستند إلى شرعية ثورة 25 يناير، لأن هذه الثورة أسقطت الدساتير القديمة، وأضاف: لا يجب أن يكتب الدستور القانونيون فقط، لأن أى دستور يأتى نتيجة حوار مجتمعى يحدد الخطوط العريضة للدستور، ثم يأتى دور القانونيين والمتخصصين لصياغته.
ولفت «نوارة» إلى أن الدستور القادم يجب أن يحدد بشكل قاطع الطابع المدنى للدولة، وأن يحدد طبيعة النظام إن كان رئاسيا أو برلمانيا. وأوضح أنه كان هناك توافق داخل حزب الغد وكذلك الجمعية الوطنية من أجل التغيير على احتياجنا لنظام برلمانى، إلا أننى لا أتفق مع هذه الفكرة، خاصة مع حالة الضعف التى تعانى منها الحياة الحزبية فى مصر.
وفيما يخص الأمور الأساسية فى الدستور الجديد قال نوارة: من الضرورى أن يحافظ الدستور بشكل واضح على مدنية الدولة، ومن المهم أن يحمى الدستور مبدأ الفصل بين السلطات. وشدد على ضرورة دعم اللامركزية، وانتخاب المحافظين والقيادات المحلية، حتى لا نرى مشاهد مبايعات الرئيس تأتى من المحافظين والقيادات المحلية الصغيرة. وكذلك على ضرورة إعطاء السلطة المحلية استقلالية أكبر فى اتخاذ القرار وصلاحيات أكثر اتساعا، واللامركزية هنا لا تعنى تفكيك البلاد، ولكنها تدعم الديمقراطية فى عمق المجتمع. من جانبه، قال أحمد الصاوى، الكاتب الصحفى بـ«المصرى اليوم»، إنه يتفق مع الفكرة التى تطالب بإطالة الفترة الانتقالية لتضم صياغة دستور جديد وليس فقط تعديل الدستور القديم، موضحا أنه لا يعنى بذلك إطالة فترة حكم العسكر، ولكن عن طريق تقسيم هذه الفترة بين 6 أشهر يبقى فيها المجلس العسكرى ليشرف على تعديل مواد الدستور التى تسمح بانتخاب سلطة مدنية مؤقتة أيضا تكون مهمتها هى إدارة عملية صياغة دستور جديد، لا تستفيد منه وترحل بعد إنجاز مهمتها.
وحذر «الصاوى» من نموذج الرئيس الرئيس السابق «بوتين» الذى حصر النظام بين شخصين يحدث بينهما تبادل على موقع الرئاسة عبر صناديق الاقتراع. ولفت «الصاوى» إلى أهمية «العدالة» أولاً بإعادة هيكلة مؤسسة القضاء ودفعها نحو مزيد من الاستقلال، عبر تغيير طريقة اختيار النائب العام، ليكون بالأقدمية مثل رؤساء الاستئناف، ووضع سقف زمنى لأصحاب المواقع التنفيذية داخل مؤسسسة القضاء، إلى جانب إعادة نظام الأرقام فى توزيع القضايا، بما يحد من سلطة الحكومة فى توجيه قضايا بعينها إلى قضاة بعينهم، مشيراً إلى أن نظام الأرقام يمثل العشوائية الإيجابية العادلة.
وأكد جورج إسحاق، أحد مؤسسى حركة كفاية، ضرورة المطالبة بمجلس رئاسى مكون من شخصين مدنيين وشخص عسكرى، وقال إن مطالبتنا هنا بهذا المجلس الرئاسى مبعثها احتياجنا لإطالة الفترة الانتقالية لنتمكن من خلق دولتنا ومجتمعنا الجديد، وهذا أمر يحتاج لوقت. وأشار، فيما يخص الانتخابات المقبلة، إلى أنننا نستطيع أن نعد انتخابات بالرقم القومى، وأن يكون التصويت إلكترونيا يسمح بمشاركة المصريين بالخارج، وهذه المطالب أقرها أحمد درويش، الوزير السابق للتنمية الإدارية، فى لقاء معه من قبل وأكد استطاعتنا أن نقوم بها.
وقال إسحاق إن ما نحتاجه فقط هو الإرادة السياسية للقيام بانتخابات بهذه الطريقة، وأضاف إسحاق: أظن أننا الآن نمتلك الإرادة السياسية لفعل ذلك. وفيما يخص قانون الأحزاب، قال إسحاق: أنا مع تأسيس الأحزاب بالإخطار ولكن مع ضرورة وجود ضوابط، فلا يجوز لحزب أن يخلط بين العمل السياسى والعمل الدعوى، العمل الدعوى له جمعياته، ويجب ألا يجمع الفرد بين الانتماء لحزبين أو تنظيمين. ولا يجوز للحزب أن يميز بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو العقيدة أو الجهة، وألا يملك أى من الأحزاب ميليشيات عسكرية أو مسلحة، كما لا يجب للأحزاب أن تشارك فى عمليات عسكرية أو مسلحة خارج البلاد. ولا يجوز كذلك لأى حزب أن ينتمى بصلات تنظيمية بأى جهة خارجية، وألا يتلق هذا الحزب أموالا توضع فى أى حساب غير الحسابات البنكية الرسمية للحزب.
وأوضح حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن هناك من يريد تفتيت الثورة ويفرغها من مضمونها، على الرغم من أنها ثورة طاهرة ولم تقم على أكتاف قوى سياسية بعينها ، وقال «سعدة» إنه يرحب بالنظام الذى يجمع بين الرئاسة والبرلمان ولكن مع تحديد السلطات الرئاسية، ويكون على رئيس الجمهورية الحكم بين السلطات.
وطالب «أبوسعدة» بعمل قائمة من الحريات تدخل فى الدستور المصرى، لافتا إلى أن الحقوق الأساسية للمواطن هى حقوق فوق الدستور، كما أن التظاهر هو من أبرز حقوق التعبير ولا يجوز أن نصادرها حتى فى حالات الطوارئ ، لذا فإن على السلطة التشريعية أن تصدر تشريعات لا تتناقض مع الحريات.
وأشار إلى حاجة مصر إلى دستور يقر مجموعة الحقوق والحريات السياسية كمواد أساسية لا تسقط ولا يجوز تعليقها، دون أن يسمح بإمكانية الالتفاف من حولها بإحالتها للقانون كما هو حادث فى الدستور الحالى، وأضاف: «لست مع أن يحدد الدستور اتجاها اقتصاديا بعينه سواء كان اشتراكيا أو رأسماليا، ولكنى مع أن ينص الدستور على مجموعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التى ينبغى أن يلتزم بها أى نظام اقتصادى، سواء كان اشتراكياً أو رأسمالياً.
وأوضح سيف الله الخوانج، أحد شباب ثورة 25 يناير، فيما يخص الدراسة الخاصة للعلاقات بين السلطات فى الدستور، أن الخطوة الأولى هى الاتفاق على شكل الدولة وهويتها ومرجعيتها، وفى ضوء ما تم تحديده من خلال الحوار المجتمعى تحدد العلاقات بين السلطات بما يضمن استقلاليتها والتوازن بينها والرقابة عليها وعدم هيمنة قوة سياسية واحدة على كل السلطات ، وقال إنه يجب على الحكومة الانتقالية إدارة عملية تغيير الدستور والحوار المجتمعى وعدم الترشح فى الانتخابات المقبلة، وضمان حرية تكوين الأحزاب، واستحداث آلية مستقلة لتنسيق الدعم والمعونات الخارجية.