x

مصطفى محمود سليمان عن المليون ونصف المليون فدان ومكانها الصحيح (1- 2) مصطفى محمود سليمان الأربعاء 28-06-2017 21:46


ينبئنا التاريخ بأن كل الحضارات القديمة والوسطى والحديثة قامت وازدهرت على أربع دعائم هى إنتاج الغذاء والكساء والسلاح (الذى تدافع به الحضارة عن نفسها ومبادئها) والعلم. ومن هنا ندرك لماذا نحن متخلفون، لأننا لا ننتج غذاءنا ولا كساءنا ولا سلاحنا ولا العلم.

تصنف مصر ضمن الدول التى لا تحسن استغلال ثرواتها الطبيعية، بل تهدرها بما فيها الأرض الزراعية الخصبة، حيث يبنى المصريون منازلهم على الأرض الزراعية الخصبة فى وادى النيل والدلتا، والتى شيدها نهر النيل عبر مئات ألوف السنين، ثم يحاولون استصلاح الأراضى الصحراوية، وهى مشاريع مكلفة اقتصاديا، وإن كانت ضرورية ولا بديل عنها بشرط أن يتم ذلك بأسلوب علمى، وهو ما لم يحدث حتى الآن، خاصة فى المناطق الصحراوية البعيدة عن وادى النيل والدلتا والمناطق المتاخمة لهما. والمرجح أن الأرض الزراعية الخصبة فى وادى النيل والدلتا- إذا استمر الحال على ما هو عليه- سوف تختفى وتتغطى بالمبانى خلال المائة سنة القادمة أو أكثر قليلا.

فى مقالة بعنوان «من الذى يقف أمام برنامج الرئيس؟»، المنشور فى صحيفة «المصرى اليوم» بتاريخ ٧ مايو ٢٠١٧، تساءل الدكتور عبدالمنعم سعيد عن سر تأخر أو عدم إنجاز مشروع المليون ونصف المليون فدان الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، مقارنة بمشروعين عملاقين تم إنجازهما بسرعة مناسبة، هما مشروع قناة السويس الجديدة، وقبله مشروع السد العالى بأسوان، وذكر سيادته نقاطا مهمة فى هذا السياق. غير أننى أرى أن مشروع سد أسوان العالى (وكان لى شرف المساهمة فى بناء السد العالى بأسوان بين عامى 1964 و1966) ومشروع قناة السويس الجديدة يختلفان نوعيا عن مشروع المليون ونصف المليون فدان. فالبند الأول أو الخطوة الأولى فى مشاريع استصلاح الأراضى الصحراوية- كما هو الحال فى مصر- هو معرفة حجم المياه الجوفية فى مناطق الاستصلاح هذه.. ثم تأتى بعد ذلك كل النقاط الإيجابية التى عددها الدكتور عبدالمنعم سعيد فى مقاله آنف الذكر، والواجب توافرها لضمان الإنجاز السريع للمشاريع القومية.

تعد مصر من أقل دول العالم استخداما للمياه الجوفية، وربما أقلها اهتماما بها لأسباب تاريخية وجغرافية معروفة. والمياه الجوفية المقصودة هنا هى المفترض وجودها فى الصحارى المصرية بعيدا عن وادى النيل والدلتا والمناطق المتاخمة لهما. وبحسب علمى لا توجد أى معلومات موثوق بها عن حجم المياه الجوفية فى الصحارى المصرية البعيدة عن وادى النيل والدلتا والمناطق المتاخمة لهما.

يخطئ من يتصور أن حفر آلاف الآبار وضخ المياه الجوفية العميقة بكثافة عالية (وهى مياه أحفورية محدودة وغير متجددة) يساعد على حل مشكلة العطش بالصحراء أو تعميرها، فقد انقلب التفاؤل بالعثور على كميات كبيرة من المياه الجوفية فى كثير من الصحارى العربية إلى خيبة أمل بعد تقلص المخزون المائى بسرعة مخيفة ونضبت بعض العيون الطبيعية وجفت الآبار القديمة كما حدث فى واحات الإحساء بالسعودية، فقد شهدت فترة الستينيات من القرن الماضى توسعا فى حفر الآبار فى هذه الواحات، ما تسبب فى نضوب بعض العيون الطبيعية، مما حدا بالحكومة السعودية أن حدت من حفر الآبار داخل الواحات، وتشير هذه الواقعة إلى أن المياه الجوفية غير المتجددة، وإن وجدت فى خزانات كبيرة الحجم، فهى مياه محدودة وسوف تنضب ولو بعد حين، وما لوحظ فى واحات الإحساء فى السعودية، فى ستينيات القرن الماضى، كان معروفا لسكان الواحات فى الصحراء الغربية بمصر، كما أشار إلى ذلك التقرير الأولى عن مورد المياه فى واحتى الخارجة والداخلة، الذى وضعه الجيولوجى الإنجليزى «جناب المستر و. هـ. لتل»، مدير المساحة الجيولوجية المصرية فى عام 1932 (التقرير باللغة العربية، ومتاح فى مكتبة المساحة الجيولوجية المصرية- ولدى كاتب هذه السطور نسخة أصلية منه).

* أستاذ الجيولوجيا بالجامعة البريطانية


[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية