يتضح جليا من متابعة ردود الأفعال الدولية على الأحداث فى سوريا، تباين الموقف التركى منذ بداية اندلاع الثورة السورية، ووصولا إلى المرحلة الحالية، حيث انقلب موقف تركيا - التى كانت تربطها علاقة وثيقة بسوريا، التى وصفت من قبل بـ«الشراكة الاستراتيجية»، واتسمت بالتناغم فى مواقف البلدين حول مختلف القضايا الإقليمية - إلى التهديد بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الرئيس السورى، بشار الأسد، مما ينبئ بقيام حرب باردة بين البلدين.
وفى دراسة عن الموقف التركى من تطورات الوضع فى سوريا، يرى الباحثون السياسيون أن الموقف التركى من الأزمة السورية يتحرك بشكل تصاعدى فى الضغط على الأسد، حيث تدرج من مجرد النصح «الناعم» فى بداية الأحداث إلى استخدام التحذير، ثم استضافة مؤتمر للمعارضة السورية، مما يبعث برسالة واضحة بأن تركيا قد تجاوزت نظام الأسد، وأخيرا الاستعداد لفرض العقوبات الاقتصادية.
وفى هذا الشأن، كشفت الصحف التركية أنه استكمالا لمنع نقل الأسلحة إلى سوريا، وذلك بإغلاق مجالها الجوى والبحرى والبرى، تستعد أنقرة لاتخاذ خطوة أخرى للضغط على النظام السورى، حيث بدأت عملية الحجز على ممتلكات الأسد وعائلته فى تركيا، بالإضافة إلى متابعة تحركات جميع الشركات التجارية التى لها صلة بعائلته فى البلاد، ولكن فى الوقت ذاته، حرصت الحكومة التركية على استبعاد بعض الإجراءات، مثل وقف بيع الكهرباء لسوريا وخفض كمية المياه التى تسمح بها عبر نهر الفرات، لتؤكد بذلك أن العقوبات التى تستعد لفرضها موجهة لنظام الأسد وليس للشعب السورى.
وتعد تلك الخطوات التى تقوم بها تركيا للضغط على سوريا خروجا عن سجل تركيا السابق فى معارضة العقوبات على جيرانها فى الشرق الأوسط، وإشارة تبرز مدى عمق الخلاف بين أنقرة ودمشق، وتوضح انحياز تركيا للثورات العربية، وكذلك انحيازها لتأمين مصالحها التجارية.
وتؤكد المصادر التجارية التركية أن من مصلحتها ألا تطول فترة الثورة فى سوريا، والتى تأتى إطالتها بسبب استمرار القمع دون جدوى، كما تشدد المصادر على أن استقرار وضع ديمقراطى بديل فى سوريا يحقق المصالح التجارية التركية أضعافا مضاعفة على المدى البعيد، وبالتالى يدفع الحكومة التركية، إلى استعجال اتخاذ إجراءات مضادة للممارسات القمعية فى سوريا. ودفع الضغط الذى تمارسه تركيا على الحكومة السورية إلى تعليق الاستيراد من تركيا، الأمر الذى وجده البعض، من الجانب السورى، قرارا اقتصاديا سليما، يجعل تركيا هى «الخاسر الأكبر».
وبالفعل جاء قرار وقف الاستيراد بمثابة «ضربة موجعة» للصادارت التركية إلى سوريا، والتى تصل قيمتها إلى 1.521 مليار دولار، وفاقت عائداتها ملياراً و152 مليون دولار لهذا العام - بحسب ما جاء فى صحيفة «حريت» التركية. إلا أن تركيا هددت فى المقابل، بالرد بالمثل فى حال قررت سوريا مقاطعة البضائع التركية، وقال وزير الاقتصاد التركى، ظافر شاجاليان، إنه فى حال فرضت سوريا حظرا على السلع التركية، فإن تركيا سترد بالمثل، وتفرض حظرا على المنتجات السورية، معتبرا أن هذا القرار سيكون له تأثير أكبر على الاقتصاد السورى منه على اقتصاد تركيا، بالإضافة إلى أن العبء المحتمل الذى ستضطر سوريا لتحمله سيقلب الاقتصاد السورى رأسا على عقب