شاعت فى الآونة الأخيرة سجالات عديدة حول مفهوم الشرف، تلك الكلمة التى لاكتها الدراما المصرية بالعديد من المفاهيم، قرأناها فى أفيشات السينما فى فيلم (كلمة شرف) للفنان أحمد مظهر والفنان فريد شوقى، سمعناها ورددها الشارع مع الفنان توفيق الدقن (أحلى من الشرف مفيش)، تندرنا عليها مع الفنان عادل أدهم (عندها شرف...)، البعض شبّه الشرف بعود الكبريت، والبعض يراه أصلاً وأساساً فى المعاملات التجارية بصفة خاصة، أهل السياسة لا يرون له وجوداً فى ممارساتهم، لذا قال البعض إن (السياسة نجاسة)، فى مجتمعاتنا كان الربط طوال الوقت بين الشرف وسلوكيات الفتاة، فى الوظيفة المكتبية كان الربط بين الشرف والضمير، بشكل عام أصبح الخلاف عما إذا كان الشرف مازال موجوداً بعد أن بات متداولاً صباح مساء ضمن أدوات القسَم فى الأسواق وحتى المنتديات، أم أنه أصبح من الماضى، أم بين بين؟!.
فى موسوعة ويكيبيديا، الشرف هو صفة تقييم مستوى الفرد فى المجتمع، ومدى ثقة الناس به، بناء على أفعاله وتصرفاته، وأحياناً نسَبِه، كما يعد الشرف من الأخلاق الحميدة، ويستدل به على نقاء السريرة والأمانة المادية والأخلاقية، وأيضاً البعد عن الأفعال الآثمة التى يجرمها المجتمع، وجاء فى الموسوعة أيضاً أن قيمة الشرف المعنوية انخفضت بشكل ملحوظ لدى العديد من الأمم، بينما تؤمن أغلب المعتقدات النمطية بأن الاهتمام بها يزداد لدى الثقافات ذات الدماء الحارة، مثل الطليان والفرس والعرب والأتراك والإسبانيين والبرتغاليين.
وفى اللغة، الشرف هو (العلو)، ويقال ذا الشرف أى ذا العلا والرفعة، والاعتداء على الشرف يكون مفهوماً فى اللغة باعتباره مساساً بأى صفة فى الفرد لها اعتبار فى رفع قدره وقيمته، ومن معانى الشرف أيضاً صيانة العرض واحترام الكلمة، وهو حالة وجود إنسانية وقيمة اجتماعية وأخلاقية. كما يأتى الشرف فى الكثير من المعانى المترادفة: (يشرفنى القيام بشىء أو التعامل مع شخص ما) أى يعزنى ويكرمنى، أو أن يكون حدث ما (على شرف) فلان، أى أنه ضيف رفيع المستوى والمكانة، يضيف بوجوده للحدث، أو (القتال بشرف) فى المعارك أو المواجهات، أى أن تكون المعركة متكافئة وبدون ألاعيب خادعة، أو (الموت بشرف) أى أن يموت الفرد مدافعا عن دينه أو وطنه أو عرضه أو عن قضية يؤمن بها، أو حتى عن نفسه بدون أن يهرب أو يجبن.
يجب أن نعترف بأن الأوراق قد اختلطت كما المفاهيم فى الآونة الأخيرة حول مفهوم الشرف، بعد أن أصبح الشريف متهماً، بينما عديم الشرف يعيث فى الأرض فساداً، الشريف قد يصبح سيئ السُمعة بين ليلة وضحاها، بينما عديم الشرف يصبح من ذوى الحظوة بجرة قلم، الشريف قد لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو إثبات براءته، بينما عديم الشرف يهيمن على الميكروفونات على مدار الساعة، قد يكون فى عقيدتنا أن ساعة الظلم ساعة، وأن ساعة الحق إلى قيام الساعة، وقد نكون تعلمنا أن أحداً يمكنه خداع الناس بعض الوقت، إلا أنه لا يستطيع أن يخدعهم طوال الوقت، إلا أنه ما بين رفع الظلم أو كشف الخداع يكون البلاء قد عمّ، والخراب قد طمّ، ويصبح من الصعب الرفع أو الانقشاع، ذلك أن الحقوق قد ضاعت والدماء قد أُهدرت.
اعتدنا فى مجتمعنا اعتبارهم كاذبين هؤلاء الذين يحرصون على استخدام قسم اليمين طوال الوقت، واعتبارهم غير شرفاء هؤلاء الذين يدّعون الشرف والفضيلة طوال الوقت، واعتبارهم منافقين هؤلاء الذين يحرصون على إثبات عكس ذلك أيضاً، ذلك أن السلوك العام هو الذى يُصدر الأحكام، هى شهادات لا تُمنح من أصحابها لأصحابها، يجب منحها من الآخرين للآخرين، فى الحديث الشريف: (إذا رأيتم الرجل يتردد على المساجد فاشهدوا له بالإيمان) لا يجب ولا يجوز أن يشهد لنفسه، الشهادة تأتى من الآخرين، سوف نسمع قسم اليمين مُكثفاً فى أسواق المواشى بصفة خاصة، كما سوف نسمع الحديث عن الشرف بين المسجلين خطراً، كما سوف نسمع الحديث عن الشفافية أكثر ما نسمع فى وسائل الإعلام، مع أنها كلها أيمانات وادعاءات وأحاديث كاذبة، أصحابها يدركون ذلك، كما يدركون أن مستمعيهم يدركون ذلك أيضاً.
أذكر هنا النص الشهير للفنان أحمد زكى فى أحد أعماله الفنية، الحب فوق هضبة الهرم: (كلهم كدابين، وعارفين إنهم كدابين، وعارفين إن إحنا عارفين إنهم كدابين، وبرضه مستمرين فى الكدب)، وهى دلالة مبكرة على أن العملية أصبحت عادة تُستخدم فيها الميكروفونات ووسائل الإعلام، بعد أن كانت نشازاً تأتى فى إطار (إذا بُلِيتُم فاستَتِرُوا)، كما تشير إلى أنها انتقلت من ممارسات فردية إلى طبيعة جماعية، ومن الرعاة إلى الرعية، وهى قضية كان يجب التصدى لها مبكراً بدق ناقوس الخطر، حتى لا تتعامل معها الأجيال الجديدة على أنها أسلوب حياة.