x

سويسرا: الفضلات البشرية تسهم في خلق بيئة خضراء

الجمعة 23-06-2017 22:39 | كتب: اخبار |
مارك هويتر وتورستن موش مع مراحيض الشركة مارك هويتر وتورستن موش مع مراحيض الشركة تصوير : اخبار

نتائج مبشرة فى حديقة حيوانات زيوريخ بعد تحويل البراز إلى تربة والبول إلى أسمدة «غرينبورت» تعيد إحياء تقنية زراعية عمرها آلاف السنين عبر «المراحيض المتنقلة».

قامت شركة «غرينبورت»- شركة سويسرية ناشئة- بتطوير الحمامات الأكثر مراعاة للبيئة حول العالم، إذ تتغذى نباتات حديقة حيوانات زيوريخ على البراز الذى يتمّ جمعه منها.

إذا رأيت أشجار الموز فى حديقة حيوانات زيوريخ يانعة بشكل خاص، فاعلم أنّ الفضل يعود لمادة تحتوى على عنصر غير معتاد وهو الفضلات البشرية. فى ربيع عام 2016، قام موظفو حديقة حيوانات زيوريخ بتصفية بستان من الخيزران كان يقع فى قسم «غابات ميسولا المطيرة» لزراعة هذه الأشجار. فى غضون بضعة أشهر فقط وصلت الشتلات إلى ارتفاع مثير للإعجاب وأنتجت وفرة من الفاكهة الصفراء. ويعلّق مارتن باويرت، المسؤول عن المنطقة الاستوائية فى حديقة حيوانات زيوريخ على هذا الحدث قائلا: «لقد فوجئنا حقا بمدى سرعة نموّ النباتات».

إلا أنّ االسبب وراء هذا النمو السريع له اسم برتغالى هو «تيرا بريتا» أى التربة السوداء، وهى عبارة عن مادة متفاعلة خصبة مصنوعة من السماد والفحم والبراز البشرى.

وقد بدأت حديقة حيوانات زيوريخ فى استخدام هذه المادة منذ 18 شهرا لتكون رائدة فى هذا المجال. ويؤكّد باويرت أنّ «الغطاء النباتى قد تحسّن بشكل ملحوظ» منذ البدء باستخدام هذه المادة، وأنّه سيتمّ استخدامها مستقبلا لتسميد قسم «غابات ميسولا المطيرة» بأكمله كما سيتمّ استعمال «التربة السوداء» لتسميد باحة الفيلة التابعة لحديقة الحيوانات. عندئذ ستتجوّل الحيوانات على أراض مغطاة بالبراز البشرى، بيد أنّ ذلك لن يشكّل مشكلة لها إذ إنّ رائحة الـ«تيرا بريتا» أبعد ما تكون عن القذارة.

ما من أحد يعرف هذا أكثر من توبياس مولر الذى انضم فى عام 2015 إلى أصدقائه مارك هويتر، تورستن موش، وأنجا ليبونر لإنشاء غرينبورت، الشركة التى تزود حديقة حيوانات زيوريخ بهذه المادة التفاعلية. ويقول مولر وهو نجار ومخترع وحرفى بارع: «أردنا لمنتجاتنا أن تكسر بعض الحواجز»، مؤكدا أنّ المنتج يعتمد على دورة طبيعية تماما إذ إنّ البراز يتحول إلى تربة والبول إلى أسمدة وأنّهما يوفران معا الأساس لإنتاج الغذاء.

للحصول على المواد الخام المطلوبة، طور الفريق الناشئ مرحاضا جافا محمولا أسماه جرينبورت. يقوم مولر، البالغ من العمر 38 عاما، بإرشادنا خلال زيارتنا لمستودع الشركة وهو عبارة عن حظيرة قديمة فى منطقة بيرمنزدورف بالقرب من زيوريخ. لا يمكنك إلا أن تلاحظ المراحيض التى تملأ المكان، فهى تأتى بأشكال ونماذج متعددة من كابينة واحدة إلى مبولة مزدوجة الحجم إلى نموذج خاص بالمقعدين، ويتمّ تأجيرها للحفلات التى تقام فى الهواء الطلق، والأسواق، والمعارض الغذائية، وحفلات الزفاف.

يتمّ تجميع الفضلات فى حاوية يقودها فريق مولر إلى مرفق لإخضاعها للانحلال الحرارى. والانحلال الحرارى هو عملية تحليل كيميائى للمواد العضوية، من خلال تعريضها لحرارة مرتفعة. يتمّ تعريض هذه المواد الغنية بالغذاء لدرجة حرارة تصل إلى 800 درجة مئوية. تقوم هذه العملية بتدمير الجراثيم السامة والفيروسات والهرمونات دون التعرّض للمواد المغذية والعناصر النزرة والمياه. ينتج عن هذه العملية فحم (فحم نباتى) ذو سعة تخزين عالية قادر على امتصاص المواد السامة من التربة وإعادة الماء وثانى أكسيد الكربون إليها. يتمّ بعد ذلك إضافة السماد والكائنات الحية المستخرجة من التراب للحصول على الـ «تيرا بريتا».

ويعلّق توبياس مولر على هذا المشروع قائلا: «نحن نعيد الفضلات البشرية إلى حيث تنتمى: إلى الطبيعة». تحقق غرينبورت على مقياس مصغّر ما حاول العلم تحقيقه على نطاق أوسع بكثير: استرداد المواد القيمة من الرواسب«. ويؤكد مولر أنّ الجنس البشرى بحاجة إلى ابتكار وسائل لجعل النفايات الجسدية أكثر فائدة وإنتاجية.

تنتج معالجة مياه المجارى فى سويسرا وحدها 200 ألف طن من الرواسب سنويا وكان المزارعون يستخدمونها لتخصيب تربتهم. إلا أنّ ذلك كان يؤدى إلى تسرّب المعادن الثقيلة مثل الرصاص أو الزنك، ورواسب المنظفات والأدوية الطبية وكذلك الجراثيم والفيروسات إلى المنتجات الغذائية الزراعية مما دفع المكتب الفدرالى للبيئة إلى التدخل فى عام 2006 وفرض تحليل المواد الخام، التى يحتمل أن تكون قيّمة، حرارياً.

ووفقا لدراسة أجراها المكتب الفدرالى للبيئة، من الممكن سنويا استخراج 6 آلاف طن من الفوسفور، وهو عنصر غذائى عالى الجودة فى إنتاج الأسمدة، من الحمأة ورماد الحمأة. ومع ذلك، لم يتم وضع إطار قانونى حتى الآن لتنظيم إعادة تدوير هذه المادة بكميات كبيرة. يصف مولر هذا التقصير بالجنون البيئى.

ويقتصرالانتاج السنوى فى الوقت الحالى لمادة التيرا بريتا على 200 متر مكعب فقط إلا أنّ شركة مولر الناشئة قد تكشف عن وسيلة لتحقيق إنتاج على مستوى صناعى. بعد سنة ونصف من تأسيس جرينبورت، تمكنت الشركة من تغطية الاستثمارات الأولية التى تمّ إنفاقها فى سبيل الإنتاج. وينظر مولر حاليا فى إمكانية ابتكار نظام شبكة شركاء مع فروع فى جميع أنحاء سويسرا. ويقول مولر: المراحيض المستأجرة هى سوق المليارات، وإذا تمكنا من الحصول على حصة صغيرة من هذا السوق فذلك سيشعرنا بالرضا.

وقد أبصرت فكرة جرينبورت النور قبل سبع سنوات عندما اشترى مولر قطعة أرض فقدت تربتها السطحية، أو بمعنى آخر أرضاً ميتة. ويقول مولر أنّه أراد »تجديد التربة خلال فترة زمنية معقولة«، فأجرى بحثا على الانترنت وصادف تربة سوداء خصبة استخدمتها شعوب حوض الأمازون الأصلية فى الماضى للمحافظة على حيوية أراضيها وهى التيرا بريتا دى إنديو أو التربة السوداء الهندية. وتتألف هذه التربة من مزيج من الفحم، والسماد، والعظام، وعظام السمك، والبراز البشرى. ألهم هذا الاكتشاف مولر الذى بدأ بإجراء التجارب ويقول: نحن نستفيد من خبرة تمّ اكتسابها وتطويرها، خلال آلاف السنين قبل أن تضيع وتخبو.

موقع الشركة: greenport.ch

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية