جريمة تهريب البشر عبر أراضي أمريكا الوسطى تغذي جريمة أخرى وهي الاستغلال الجنسي أو التشغيل القسري للمهاجرين غير الشرعيين.
يقول «أمادو فيليب دي أندريس» من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي إن الروابط بين تهريب المهاجرين والتهريب لأغراض الاستغلال الجنسي للبشر باتت واضحة.
ووفقا للتقديرات فإن أكثر من نصف عدد ضحايا جرائم الاستغلال الجنسي في منطقة أمريكا الوسطى من البنات اللائي تتراوح أعمارهن بين 14 و17 سنة. ويخدع المجرمون عائلات هؤلاء الفتيات «بوعدهم بكل شيء» ثم استغلال الفتيات في نشاط غير مشروع يحقق عائدات تصل إلى 400 مليون دولار (360 مليون يورو) سنويا في منطقة أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي بحسب «دي أندريس».
وبحسب اللجنة الوطنية لمكافحة تهريب البشر، فإن نصف النساء اللائي أجبرن على العمل في الدعارة في بنما خلال 2015 كن من فنزويلا وكولومبيا.
يقول «ريكاردو مونوز» نائب المدعي العام في بنما إن «بنما تعد وجهة مفضلة للعصابات الإجرامية»، مضيفا أن أغلب المهربين من أمريكا الجنوبية.
وأضاف أن أغلب الضحايا «يأتون ويذهبون كسائحين لآنه خلال فترة 6 أشهر (وهي مدة التأشيرة السياحية في بنما) يكون قد تم استغلال الضحية وتم استرداد عائد الاستثمار» في عملية تهريبها من بلدها الأصلية.
وتشير التحقيقات التي أجراها نائب المدعي العام إلى أن الكثيرين من الفتيات اللائي يتم استغلالهن جنسيا في بنما ينتهي بهن المطاف بالهجرة إلى أوروبا.
وكان قد تم توقيع اتفاقية بين «اللجنة الوطنية لمكافحة تجارة البشر» و«مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة» وشركة الطيران البنمية «كوبا ايرلاينز» لاستخدام «حملة الأمم المتحدة للقلب الأزرق» الرامية إلى التوعية بمخاطر تجارة البشر، حيث توفر بعض طائرات شركة الطيران شعار الحملة ومعلومات عنها من خلال المجلات الموجودة على متنها أثناء الرحلات.
يقول «دي أندريس» إن «المنع هو بوابة حل المشكلة. أنا أتحدث عن تورط مؤسسات خاصة» في هذه الأنشطة غير القانونية، مشيرا إلى أن 90% من ضحايا التهريب الذين يصلون إلى بنما يأتون على متن رحلات طيران منتظمة.
ويجري مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة محادثات مع شركة الطيران الفرنسية الهولندية «كيه.إل.إم- أير فرانس» والخطوط الجوية التركية للمشاركة في الحملة المناهضة لتهريب البشر في أمريكا الوسطى.
كما تشارك سلسلة فنادق هيلتون في بنما في جهود مكافحة تجارة البشر من خلال تدريب عناصرها البشرية على أيدي مسؤولي مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة على اكتشاف ضحايا هذه التجارة والإبلاغ عنهم. كما تعمل قوة شرطة معروفة باسم «أير كب» ومدعومة من الأمم المتحدة والإنتربول، في مطارات مثل مطار توكومين الدولي في بنما ولاس أمريكاس الدولي في سان دومينيكان.
وشدد «دي أندريس» على الحاجة إلى «تعاون وثيق للغاية» بين الدول المتضررة من تجارة البشر، وقال «ربما يكون هناك أربعة ضحايا لتجارة البشر من جمهورية الدومنيكان والتاجرة سيدة بنمية في بنما، وعادة من تكون قضايا تجارة البشر تضم نظامين أو ثلاثة أنظمة قضائية» بسبب تداخل نشاط التهريب عبر حدود دول المنطقة.
وبحسب تقرير لمنظمة «تو موجير» غير الحكومية في جمهورية الدومنيكان، فإن ما بين 30 و70 ألف سيدة من هذه الدولة الصغيرة يعملن في مجال الدعارة كضحايا لتجارة البشر. وأشار التقرير إلى مأساة الطفلة «باتريشيا» التي أصبحت «بائعة هوى» في الخامسة عشر بعد أن وضعت طفلها الأول وتخلي والده عنها.
وقد قيل لها أن هناك «طريقة جيدة للحصول على المال» إذا سافرت إلى هايتي، وبمجرد وصولها إلى هناك، أخذ منها المهربون جواز سفرها وأجبروها على سداد تكاليف سفرها إلى هايتي، وكذلك على سداد ديون أمرأة أخرى كانت معها لكنها تمكنت من الهرب.
تقول باتريشيا «عندما وصلنا معا (إلى هايتي) طالبوني بسداد ديونها أيضا لذلك لم أهرب ولم يسمحوا لي بالتوقف» عن ممارسة البغاء.
وأضافت «سددت كل أموالي وبعد ذلك تركوني أرحل. هناك أماكن تتعب فيها من سداد مستحقات عليك لا تنتهي، لكنني أشكر الله لأنني تمكنت من الرحيل بعد 6 أشهر».
وبحسب «جوناثان بارو» مدير «الإدعاء الخاص ضد تهريب المهاجرين وتجارة البشر»، فإنه يوجد مهاجرون من الدومنيكان ضحايا للاستغلال الجنسي في بنما وهايتي وأسبانيا وسويسرا وأورجواي والأرجنتين وكوراكاو وسان مارين وترينداد وتوباجو وحتى في غينيا الاستوائية.
وقبل سنوات كانت أغلب ضحايا الاستغلال الجنسي يعتقدن أنهن سيسافرن للعمل في محال تصفيف الشعر أو العمل كجليسة أطفال أو مسنين، ولكنهن يعلمن الآن أنهن سيعملن في البغاء، بحسب سانتو روزاريو رئيس مركز جمهورية الدومنيكان للتدريب المتكامل والأبحاث.
وأضاف «إنهن يعرفن ماذا سيفعلن، لكنهن لا يعرفن ماذا ينتظرهن هناك».
والحقيقة أن أغلب أعضاء شبكات تجارة البشر من أبناء نفس المجتمع الصغير، لذلك فإن البنات لا يتقدمن بأي شكاوى في أغلب الأحوال.
وتعد «جاكلين مونتيرو» عضو الكونجرس حاليا، إحدى ضحايا شبكات تجارة البشر سابقا حيث عملت في مجال البغاء لمدة 12 عاما، وتروج حاليا لمشروع قانون لحماية حقوق هؤلاء النسوة، حيث تقول إنه في الكثير من الحالات تدفع الأسر بناتهن إلى العمل في هذا المجال من أجل مساعدة الأسرة في الخروج من دائرة الفقر.
وفي أمريكا الوسطى كانت أغلب قضايا تجارة البشر التي تم ضبطها تستهدف العمل في الدعارة. وفي عام 2014 كان نشاط الدعارة هو مجال عمل 55% من الضحايا في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي (أغلبهم من البنات) ومجال عمل 57% من الضحايا في أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية بحسب مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة.
في الوقت نفسه كان العمل القسري (السخرة) هو مصير 15% من ضحايا تجارة البشر في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي و29% من الضحايا في أمريكا الجنوبية و39% في أمريكا الشمالية.
تقول «آنا رودريجز» من مؤسسة «تحالف فلوريدا ضد تجارة البشر» إن الإحصائيات المتعلقة بالاستغلال الجنسي للمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة «مبالغ فيها»، في حين يتم تجاهل ضحايا العمل القسري.
وأضافت «رودريجز» أن الناس لا تفهم أن تجارة البشر ليس فقط بهدف الاستغلال الجنسي وإنما أيضا لاستغلالهم في العمل القسري والخدمة المنزلية بدون أجر مناسب.
ومنذ 18 عاما كانت «آنا» المولودة في بورتوريكو تعمل في الشرطة الأمريكية، وشاركت في أول تحقيق يجريه مكتب التحقيقات الاتحادي في قضايا تجارة البشر. وكانت الضحية في القضية أمرأة من سكان جواتيمالا الأصليين تدعى «ماريا تشوز»، حيث تم نقلها قسرا إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشر للعمل في مزرعة طماطم حيث تعرضت للاعتداء الجنسي من صاحب العمل والذي هددها بتسليط السحر على والديها إذا هربت من المزرعة.
وتقول «رودريجز» إنه لا توجد أرقام خاصة بتجارة البشر بهدف تشغيلهم قسريا أو للخدمة المنزلية بالسخرة لأن السلطات لا تبحث عن هذه القضايا.
وأضافت أن حوالي 70% من ضحايا جرائم تجارة البشر يدخلون الولايات المتحدة بطرق مشروعة من خلال المطارات قادمين من أوروبا وآسيا أكثر ممن يأتون من أمريكا اللاتينية، وعندما يصلون يتم إجبارهم على العمل بدون أجر مع سحب جوازت السفر منهم ولا يحصلون على الطعام الكافي على أساس أنه لا توجد وظائف خالية في الأعمال التي تم وعدهم بها قبل القدوم إلى الولايات المتحدة.
ويتعرض بعض ضحايا تجارة البشر الآخرين لمصير أسوأ وأخطر مثل التبني وإللحاق بأسر لا تنجب أو الزواج القسري أو سرقة اعضائهم. وتقول السلطات إنها لا تعرف شيئا عن مثل هذه الجرائم.
يقول المدعي العام «جوناثان بارو» في بنما إننا «لا نستطيع القول أننا نعلم بوجود عمليات نزع أعضاء بشكل غير قانوني أو زواج قسري».
ورفض مكتب الإدعاء العام في المكسيك الرد على الأسئلة بشأن تجارة الأعضاء. ولكن «أليخاندرو سولاليندي» القس والناشط في مجال حقوق المهاجرين في المكسيك يؤكد وجود تجارة للأعضاء في البلاد.
وتحدث القس عن 15 مهاجرا برازيليا غير شرعي دخلوا المكسيك عام 2007 عبر ساحل المحيط الهادئ ثم سافروا عبر البلاد حتى وصلوا إلى فيراكروز حيث تم تخديريهم وإجراء عمليات نزع اعضاء منهم.
ولكن «كارلو سيا رئيس مجلس الدولة لرعاية المهاجرين في المكسيك قال إنهم أجروا تحقيقات مشتركة مع الولايات المتحدة ولم يتوصلوا إلى أي دليل مادي على تجارة الأعضاء.