x

ديوان أبى القاسم الشابى

الأحد 20-02-2011 16:12 | كتب: كريمة حسن |
تصوير : other

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلى

ولابد للقيد أن ينكسر

أبيات خالدة، محفورة فى ذاكرة كل من ينطق بلغة الضاد، تتحدى الزمن والنسيان، وهى بالطبع للشاعر التونسى الأشهر أبى القاسم الشابى.

عن شاعرنا العربى الكبير صدر عن مكتبة الآداب كتاب (ديوان أبى القاسم الشابى.. أغانى الحياة وقصائد أخرى).. تقديم وشرح أحمد عبدالهادى، يضم الكتاب شعر الشابى جميعه والوارد فى ثلاث طبعات سابقة هى طبعة دار الكتب الشرقية بتونس عام 55، وطبعة مؤسسة المعارف ببيروت عام 2001، وطبعة هيئة قصور الثقافة بالقاهرة عام 2002.

يعد أبو القاسم الشابى ظاهرة شعرية فريدة فى الأدب العربى الحديث، فهو أحد الشعراء الرومانسيين اللامعين فى مدرسة أبوللو التى أسسها الشاعر الكبير أحمد زكى أبوشادى فى النصف الأول من القرن العشرين وهو الذى احتضن أبا القاسم، وأفرد الصفحات الطوال لشعره ودراساته الأدبية فى مجلة أبوللو خلال الفترة الوجيزة التى عاصرها الشابى، قبيل وفاته (أى فيما بين 1932 – 1934 م).

ولد أبوالقاسم الشابى بقرية (الشابية) التونسية فى اليوم الثالث من شهر صفر لعام 1327 هـ الموافق 1909 م وينتسب إلى أسرة محبة للعلم عريقة فى علوم الدين، إذ كان والده قاضياً شرعياً تلقى علومه بالأزهر الشريف.

عاش أبوالقاسم حياته متنقلاً بين كثير من البلاد التونسية، وهكذا تأتى له أن يشاهد الطبيعة التونسية الخلابة ويتأثر بهذه المشاهد، مما ساهم فى اتساع خياله وقدرته على إبراز هذه الانطباعات شعراً رائقاً عذباً، درس أبو القاسم بجامع الزيتونة فى الثانية عشرة من عمره، وكون لنفسه ثقافة واسعة جمعت بين التراث العربى فى أزهى عصوره وروائع الأدب الحديث، وبين ما تنشره المطابع عن آداب الغرب وحضارته، نُشر أول إنتاج شعرى له فى عام 1923 م فى مجلة النهضة التونسية، ثم ظهر شعره مجموعاً فى عام 1927 م فى المجلد الأول من كتاب (الأدب التونسى فى القرن الرابع عشر – الهجرى)، وألقى فى العام ذاته محاضرة بنادى قدماء الصادقية بعنوان (الخيال الشعرى عند العرب) التى وضعها فى كتاب أحدث ضجة كبرى، ثم جاوز النطاق التونسى إلى جماعة أبوللو عند قيامها فى مصر عام 32م، فانتشر وذاع صيته فى العالم العربى أجمع.

نحا الشابى نحو التجديد فى الديباجة للشعر العربى بما أطلق عليه حركات الإصلاح والتجديد وساهم فى حركة الشبان المسلمين، وناصر حركة تحرير المرأة، وفى عام 29 نُكب بوفاة والده واضطلع أبوالقاسم بأعباء عائلته الكبيرة وعاش عيشة ضنكاً ورضى بحياة بسيطة، حيث تزوج وعاش أيامه القليلة قانعاً بنصيبه من الحياة، وفى العام ذاته أو ما بعده أصيب الشابى بداء تضخم القلب ورغم نصائح الطبيب واصل إنتاجه شعراً ونثراً وفى صيف 34 جمع ديوانه (أغانى الحياة) ليطبع فى مصر، ولكن باغتته المنية إذ انتابه المرض بشدة فعاد إلى بلاده ليرحل عن الحياة وهو فى نضارة الفتوة وطراوة الشباب تاركاً تراثاً عظيماً مدوياً لا تزال كتب الأدب تشيد به، وهو نتاج فترة عطائه الشعرى التى لم تدم سوى ست سنوات، يضم الكتاب قصائد إرادة الحياة والتى يقول فيها:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلى

ولابد للقيد أن ينكسر

ومن لم يعانقه شوق الحياة

تبخر فى جوها واندثر

فويل لمن لم تشقه الحياة

من صفعة العدم المنتصر

كذلك قالت لى الكائنات

وحدثنى روحها المستتر

هناك أيضاً قصيدة إلى طغاة العالم والتى يقول فيها:

ألا أيها الظالم المستبد

حبيب الظلام عدو الحياة

سخرت بأنات شعب ضعيف

وكفك مخضوبة من دماه

وسرت تشوه سحر الوجود

وتبذر شوك الأسى فى رباه

رويدك لايخدعنك الربيع

وصحو الفضاء وضوء الصباح

ففى الأفق الرحب هول الظلام

وقصف الرعود وعصف الرياح

حذار فتحت الرماد اللهيب

ومن يبذر الشوك يجن الجراح

تأمل هنالك.. أنى حصدت

رؤوس الورى وزهور الأمل

ورويت بالدم قلب التراب

وأشربته الدمع حتى ثمل

سيجرفك السيل سيل الدماء

ويأكلك العاصف المشتعل

وفى نشيد الجبار يقول:

سأعيش رغم الداء والأعداء

كالنسر فوق القمة الشماء

أرنو إلى الشمس المضيئة.. هازئاً

بالسحب والأمطار والأنواء

لا أرمق الظل الكئيب.. ولا أرى

ما فى قرار الهوة السوداء

وأسير فى دنيا المشاعر حالماً

غرداً – وتلك سعادة الشعراء

يرى الكاتب أن الشابى قد أجبرته الأيام على أن يظهر لنا فى شعره فى شخصيتين، شخصية عامة (وهى شخصية قوية) تستنهض الهمم، وتستثير الأمم، والثانية شخصية مستضعفة مستكينة سحقتها الأيام ولم تستطع الصمود أمام الكوارث، فإن ضنك العيش الذى لازمه بعد وفاة والده، والمرض الذى دهمه، كل هذا جعله يتقمص هذه الشخصية المستضعفة فى شعره ومن ذلك قصائد: فى فجاج الآلام، أغانى التائه، الدموع، وغير ذلك وفى قصيدة الأشواق التائهة يقول:

يا صميم الحياة إنى وحيد

مدلج تائه فأين شروقك؟

ياصميم الحياة إنى فؤاد

ضائع ظامئ فأين رحيقك؟

ياصميم الحياة قد وجم الناى

وغام الفضا فأين بروقك؟

ياصميم الحياة أين أغانيك؟

فتحت النجوم يُصغى مشوقك

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية