عندما وافقنا في المجلس الأعلى للصحافة- بعد طول نقاش- على صدور جريدة «المصرى اليوم»، وكنا في بدايات عام 2004، وضعت يدى على قلبى.. تحسباً من ميلاد نجم جديد في عالم الصحافة الورقية.. وكنت وقتها رئيساً لتحرير جريدة الوفد «اليومية والأسبوعية».. كنت أجلس في بلكونة شقتى- حتى ساعات الفجر الأولى- أفكر: كيف نواجه- في الوفد- تلك الصحيفة الجديدة، التي على وشك الخروج إلى النور.
ذلك أننى أعرف طموحات وأفكار ناشرها المهندس صلاح دياب.. وكان معنا عضواً بالهيئة العليا للوفد.. وكثيراً ما كان يدفعنى إلى تناول بعض القضايا شديدة الحيوية والحساسية، فيما أكتب من مقالات يومية وأسبوعية. وصلاح دياب من الشخصيات المشهود لها بـ«الأفكار غير التقليدية»، وبالتالى كنت أجهد عقلى في الغوص في أعماق أفكار المهندس صلاح دياب.. علنى أستكشف بعض ما يمكن أن نفاجأ به من أفكار.. تطرحها تلك الصحيفة، وهى بعد في علم الغيب.
وللحقيقة لم أكن أخشى الصحف القومية- أو الرسمية- لأنها في هذه الفترة كانت تعيش حالة خمول، وتجمد، وبالعربى: محلك سر.. ثم إننى أعرف أفكار مسؤولى هذه الصحف.. وكانت كلها: تقليدية.. ليست فيها أي فكرة براقة.. أو أسلوب ينم عن رغبة حقيقية في التطوير.
ولكننى كنت أخشى تلك الصحيفة، حتى قبل أن تبدأ في الصدور، وتذكرت الدور الرائد- غير التقليدى- الذي قامت به صحيفة «أخبار اليوم» الأسبوعية، عندما صدرت في نوفمبر 1944، والانقلاب الذي أحدثته في عالم الصحافة المصرية.. والعربية على السواء.. ليس فقط في قدرتها على جذب أفضل الكفاءات الموجودة في عالم الصحافة.. ولا الرواتب العالية التي قدمتها لجذب الأفضل منهم، والأكثر كفاءة.. ولكن في الأفكار الجديدة والجريئة، التي لم يتعودها القارئ المصرى.. وبالذات في أسلوب الكتابة التليغرافية البعيدة عن الإسهاب والإطناب.. وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته دار أخبار اليوم عندما أصدرت جريدة الأخبار «اليومية» في يونيو 1952.
وتذكرت كيف أصدرنا جريدة الوفد الأسبوعية في مارس 84، ثم الوفد اليومية في مارس 1987، وكيف كان القراء ينتظرونها لسياستها التحريرية والتحريرية.. حتى فرضت نفسها على عالم الصحافة المصرية.. وصارت نموذجاً.
وخشيت- حقيقة- أن تسحب الصحيفة الجديدة «المصرى اليوم» البساط التوزيعى من تحت أقدام جريدة الوفد.. وإن كنت على يقين أن الصحيفة الجديدة سوف تؤثر على توزيع الوفد وغيرها من صحف مصر، اليومية.. وكان كل تفكيرى: كيف أقلل من هذا التأثير على «الوفد».. ولم يكن خوفى من قاعدة إن كل غربال جديد له شدة!! بل كنت أخشى أن يستمر تأثير «المصرى»، خصوصاً أن بعض نجومها كانوا قبل ذلك من نجوم الوفد، أي يعرفون أسرارها، وكيف نفكر.
وصدرت «المصرى اليوم» واكتشفت أنها لا تخطط بإحداث ثورة توزيعية مستغلة انطلاقة التوزيع في الأيام الأولى من الصدور.. كما اكتشفت أنها صدرت «هادئة» لتبقى.. وتتقدم بهدوء.. وقد كان.