فى كتابه الجديد «صراع على روح مصر» للدكتور حسن أبوطالب الصادر عن مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع.. يؤمن قطاع مهم من المصريين بأن بلادهم مستهدفة، سواء كان سبب ذلك النظام أو جماعات محظورة أو قوى خفية تعمل لهدف مستتر معاكس لما تعلن.
وهنا يثار تساؤل هل تستطيع أن تصمد أمام المتغيرات الجارية سواء التى تحدث داخل المجتمع المصرى نفسه أو الآتية من المحيط القريب والمحملة برياح عاتية. ويمتد الحوار إلى دور الدين ومؤسساته الرسمية أو غير الرسمية، ورموزه ذات التأثير والشعبية فالمفردات التى يدور حولها الحوار العام ذات بريق أخاذ أحيانا، وصاحبة مفعول تدميرى للوطن والجماعة الوطنية أحيانا أخرى.
مفردات كالديمقراطية والحريات والريادة والنموذج الفاعل تعد الأكثر استخداما والأكثر تكرارا، ومع ذلك فليست ذات معنى أو مغزى واحد لدى الفرقاء. ومن ثم نجد التماسك المجتمعى تقابله الفتنة الطائفية، والجماعة الوطنية يقابلها تشكيك فى انتماء المصريين، والهوية المدنية فى صراع مع الهوية الدينية السلفية، والحريات تقابلها قيود ومنغصات، وطموحات الناس المشروعة فى المستقبل يقابلها فقدان اليقين الجماعى، والثقة المطلوبة للحركة والفعل يقابلها الخوف والتردد، والتخطيط للمستقبل يقابله التحرك قصير المدى فاقد الأفق.
وهنا يظهر السؤال الأكبر: من المسؤول عن هذه الحالة السريالية التى عاشتها مصر فى السنوات الماضية؟.. فى الظن أنه لا إجابة واحدة ، ولا يقين منفرداً.
الإجابات المتنوعة والمنوعة هى الأصل، بيد أن الإشكالية هنا أن هذا التنوع لم يكن رصيدا يمكن استثماره وفقا لنظرية القوة فى التنوع، وإنما للأسف صار خصماً متزايدا من قوة البلاد، والسبب ببساطة أنه تنوع فى الأصول ذاتها وليس فى مجرد الفروع.
ومن هنا أيضا يبدو الصراع على روح مصر هو الغالب، وهذا هو موضوع الكتاب، الذى يرصد حالة المجتمع المصرى خلال العقود الماضية، وكيف نشأت فيها مجموعات لكل منها أهدافها واستراتيجياتها، كل يريد أن يشكلها على هواه، كل يتصور أنه قادر على خطف مصر وحبسها داخل قمقمه، ولذلك وبالرغم من أنه كُتب قبل ثورة 25 يناير، فقد زادت أهميته بعد ما كشفته تداعياتها.
إن الصراع على روح مصر وشعبها له أشكاله المتعددة، وفى السنوات الخمس الماضية فرضت الظواهر والتطورات المختلفة نفسها على الباحث فى أكثر من جريدة وموقع إلكترونى فى مصر وفى الخارج، كنوع من الاجتهاد والتأمل والتمعن فى شؤون الوطن وقضاياه.
يتكون كتاب «صراع على روح مصر» من أربعة فصول يحاول من خلالها الكاتب طرح أفكاره ساعيا إلى فك الاشتباك بين أطراف الصراع المختلفة.
فى الفصل الأول من «وطن فى مواجهة الفتنة» يرصد الكاتب فيه النزاعات التى تحدث من وقت إلى آخر بين طرفى الأمة المصرية، مسلميها وأقباطها، مما قد يسبب خللا فى العلاقة بينهم ويهدد وحدتهم الوطنية وتماسكهم الداخلى. ويلقى الضوء على مواقف أقباط المهجر. ويتعرض لرواية أثارت جدلا كبيرا أثناء طرحها وهى رواية «عزازيل» للكاتب يوسف زيدان، والصخب الذى أحدثته.. أما الفصل الثانى «فى أصول المسألة الحزبية» يحاول الكاتب هنا رصد كل القرارات والأحداث المتعلقة بالأحزاب فى مصر منذ تعديل المادة 76 من الدستور عام 2005.
كما يرصد الكاتب فى الفصل الثالث «الصراع على قلب مصر وعقلها» بعض القضايا التى يتضح فيها الصراع الناشب بين القوى المختلفة سواء كانت سياسية أو عقائدية أو اجتماعية، التى تحاول كل منها الفوز بقلب مصر وعقلها والتفرد بها. ومنها مثلا إلغاء المادة الثانية من الدستور والخلاف الناشب حول هذا الأمر، والتعديلات الدستورية عام 2007، وقضية المواطنة وما تحمله من إشكاليات.
ويحاول الكاتب، فى قسم من هذا الفصل، الاجابة عن سؤال مهم هو: هل مصر بلد أقليات؟ وإجابة هذا السؤال، تبعا لرأى الكاتب، هى جزء من جدل أشمل حول هوية مصر.
ويناقش الكاتب فى هذا الفصل الرابع «تأملات سياسية وإنسانية» بعض المشروعات التنموية والطاقات والمقومات المهدرة، وكيفية استغلالها من خلال رؤية للمجتمع ككل، مع دراسة للجوانب المختلفة المساعدة أو المعوقة لمثل هذه المشاريع، مثل: مشروع تطوير سيناء وما له وما عليه! ومشروع إحياء البرنامج النووى المصرى ومشكلة الضبعة، مع تحليل بعض المظاهر المستحدثة داخل المجتمع المصرى والتحول الذى حدث فيه، ومدى توافق التغير المجتمعى مع التغير السياسى والمؤسسى.