تجاوزات كثيرة زلزلت العلاقة بين المواطن والشرطة، أثناء تعامل الجهاز الأمنى مع مظاهرات 25 يناير ودافعت وزارة الداخلية عن مصلحة النظام الحاكم لا عن مصالح الشعب.. هذا ما حدث بلا جدال.. لكن هل يصلح أن نعيش كدولة مدنية متحضرة فى ظل علاقة مشوهة بين جهازها الأمنى وشعبها؟.. وهل يمكن تغافل دور الشرطة فى تحقيق أمن المواطن والوطن من الداخل؟ هذا الملف قد يراه البعض فى غير وقته لغضب الشارع من ممارسات أدمت القلوب قبل الأجساد.. لكن نراه نحن فى توقيته السليم حتى لا نتمادى فى غضب لا ندرك عواقبه، ولإدراكنا أن مصلحة الوطن هى فى وجود مواطن يعرف حقوقه وأمن يسهر على تطبيق الواجبات.
«الداخلية» تسعى لتقليل الفجوة بين الشرطة والمواطن.. وتتعهد بالتصدى لأى عنف أو «بلطجة»
تقليل الفجوة بين المواطن ورجل الشرطة.. وعودة القوات الأمنية بقوتها إلى الشارع مرة أخرى، هو مطلب اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية، عقب لقاءات متوالية وجولات ميدانية، التقى فيها المواطنين واستمع إلى الشكاوى الخاصة بهم، كما تفقد الأقسام ومديريات الأمن وقطاع السجون للتأكد من تطبيق اللوائح والقوانين فى إطار احترام متبادل بين ضابط الشرطة والمواطن.
قال «وجدى» إن عودة الثقة بين رجال الشرطة والمواطنين ضرورية ويجب أن تتم فى أسرع وقت، وأن تكون العلاقة بينهما قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وأنه طلب من كل مساعديه عودة قوات الشرطة لمواقعها بشكل سريع لتحقيق الاستقرار فى الشارع المصرى.
ونوه بأن تحقيق الأمن يتم بالتواجد الأمنى الفعال، والتصدى لأى أعمال عنف وبلطجة وترويع، وأنه سيعتمد خلال الفترة المقبلة على اللقاءات المتوالية مع الضباط فى مواقعهم وأماكن خدماتهم، وأنه سوف يستجيب إلى كل المطالب الخاصة بهم، وأنه يلتقى المواطنين فى الشارع فى كل جولة ويلمس حجم تعاطف وتعاون المواطن مع جهاز الشرطة، وأن اللقاءات مع المواطنين مستمرة.
وأضاف الوزير أنه يأمل أن تقل الفجوة بين رجال الشرطة والمواطنين، خاصة أن رجاله موجودون فى جميع القطاعات من أجل حماية أمن واستقرار الوطن وتأمين مرافقه ومنشآته المهمة والحيوية انطلاقاً من الدور الوطنى والخدمى لجهاز الشرطة، وأكد أن ضباطه يسعون فى المرحلة المقبلة إلى تفعيل الشعار الجديد للشرطة «الشرطة فى خدمة الشعب»، وأن الضباط متلاحمون مع أبناء الوطن من أجل عودة الاستقرار والحياة الطبيعية مرة أخرى، وأن رجال الشرطة كانوا وسيظلون على ولائهم للوطن.
واعتبر «وجدى» أن المرحلة المقبلة «فاصلة» ويجب أن يضطلع بها رجال الشرطة، وطالب بضرورة إعادة الثقة بين رجال الشرطة والمواطنين فى أسرع وقت خاصة فى ضوء ما لمسه من خلال جولاته الميدانية، ولقاءاته بعدد كبير من مختلف طوائف الشعب، الذين أكدوا تقديرهم لجهود وأداء رجال الشرطة ودورهم الملموس فى حماية وتأمين الوطن والمواطن.
وشدد وزير الداخلية مجدداً على ضرورة أن تكون العلاقة بين الشرطة والمواطنين قائمة على الاحترام المتبادل، والتعاون وتضافر الجهود، وأن الأمن مسؤولية مشتركة توجب على الجميع أن تتضافر جهودهم وصولاً للهدف المنشود فى تحقيق الأمن بمفهومه الشامل.
وقال ضباط شرطة طلبوا عدم نشر أسمائهم إنهم يعاهدون الشعب على أن يتغير أداؤهم بعد الثورة وطالبوا الشعب بالثقة فيهم والتزامهم فى أداء مهامهم المختلفة بالشرعية وسيادة القانون وحسن معاملة المواطنين، كما طالبوا المواطنين بتغيير النظرة إليهم وعدم اتهامهم بالخيانة لأنهم لم يخونوا الوطن وأكدوا أن الشرطة أبناء الوطن وأخوة لهم وأشقاء، وتعهدوا بحسن المعاملة فى الفترة المقبلة، خاصة فى ظل الجهود التى تبذلها الوزارة فى إعادة تأهيل المواقع الشرطية، التى تم الاعتداء عليها حتى تستطيع القيام من جديد بمهامها المختلفة فى خدمة الوطن والمواطن.
خبراء يطالبون بتأهيل العاملين بـ«الشرطة» وتطهير «الوزارة من الفاسدين»
قال ضباط شرطة وخبراء إن عودة قوات الأمن إلى الشارع ضرورة، ولابد من تعاون وتضافر جميع الجهود لتحسين العلاقة بينهم، ووضع الخبراء 5 مساوئ قالوا إنه يجب أن يتخلى عنها ضباط الشرطة، منها الضرب والتعذيب وعدم تأهيلهم نفسياً وغياب تدريبهم باعتبارهم أشخاصاً مفيدين فى المجتمع، كما طالب الخبراء بالتخلى عن السلبية والواسطة والمحسوبية والبعد عن نظرة الاحتقار للضباط خلال الفترة الماضية واتفق الضباط والخبراء على ضرورة التعاون من أجل حماية الوطن وممتلكاته والبعد عن توجيه الاتهامات.
وقال الدكتور إيهاب يوسف، الأمين العام لجمعية الشرطة والشعب، إن إعادة علاقة الثقة بين الشرطة والمواطن تتطلب تغيير الصورة الذهنية لدى المواطنين عن رجال الشرطة، وأن يبعد رجال الشرطة عن استخدام أساليب الضرب والتعذيب داخل أقسام الشرطة من أجل الحصول على اعتراف من متهم فى إحدى القضايا.
وأضاف «يوسف»: «لابد من تحديث وتطوير الخطاب الإعلامى، وأن تكون البيانات الرسمية صادقة طبقاً للواقع، بمعنى أنه إذا كانت هناك مظاهرة وحدثت فيها أعمال شغب، فيخرج البيان بهذه الصورة بدلاً من صياغته فى عبارات تحتمل التأويل»، كما طالب بوضع منظومة تقييم لضباط الشرطة، على غرار ما يحدث فى الفنادق والأماكن السياحية، وأن يكون أسلوب وزارة الداخلية بعيداً عن الجزاءات، وفى حالة أن تكون هناك جزاءات فإنها يجب أن تكون معلنة خاصة فى شكاوى المواطنين التى يتم تقديمها عن طريق الوزارة.
وشدد يوسف على أهمية أن يكون هناك تواصل واضح مع المواطنين، عندما يقدمون شكاوى، وأن يكون الاحترام المتبادل هو السائد بين رجل الشرطة والمواطن، وأن تكون هناك مشاركة مجتمعية بين منظمات المجتمع المدنى والمواطنين ورجال الشرطة، وأن يكون هناك تسهيل للمواطن فى حالة إبلاغه عن أى حادث أو اشتباه حتى لا تجد ساكناً يرى شقة جاره تسرق دون أن يقوم بالإبلاغ عنها، خوفاً من أن يتم استجوابه واحتجازه، وشدد «يوسف» على أن دور الأمن فى الأساس هو منع وقوع الجريمة، وفى حالة وقوعها عليه ضبط مرتكبها.
وأوضح أنه لابد من معالجة نفسية لضباط الشرطة، لأن المعالجة النفسية ضرورة على غرار الطيار الذى يخضع إلى كشف نفسى كل 6 شهور، لأن ضابط الشرطة يعمل وسط جو به الكثير من الجرائم، وبالتالى فإنه من الأولى أن يخضع لمعالجة نفسية، ويجب أن يعلم الضابط قيمته فى المجتمع، معتبراً أن ملابس الشرطة بهذا الوضع لابد من تغييرها فى أسرع وقت، لأن كل الدول حدثت بها ثورات غيرت ملابس الشرطة، التى أصبحت مرفوضة بشكل كبير.
وقال اللواء رفعت عبدالحميد، خبير العلوم الجنائية، إن الأمن المصرى رسالة وليس وظيفة، والأمن هو شعور وإحساس وليس عصا ودرعاً، فلابد من تكاتف الشعب مع الشرطة، فى أداء الرسالة، وأن الأمن لن يتأخر فى أداء رسالته على الوجه الأكمل، دون انتظار لتلبية مطالب مالية، لكن على المواطن أن يساعد ضابط الشرطة فى أداء رسالته وطالب بتطهير وزارة الداخلية من الفاسدين ونوه إلى أن جهاز الشرطة به عدد كبير من الشرفاء الذين استنكروا الانسحاب المفاجئ وقال إن المؤسسات الشرطية أبوابها مفتوحة أمام المواطنين ولن تغلق أبوابها.
وقال «عبدالحميد»: «ليس هناك مانع من توثيق العلاقات بين وزارة الداخلية وجميع مؤسسات المجتمع المدنى بجميع أشكالها، مؤيدة ومعارضة وأن تستمع الوزارة إلى الانتقادات فى شكل اجتماعات دورية، والعمل على علاج السلبيات، بدلاً من استعراض الإيجابيات، بجانب تحديث الخطاب الإعلامى، الذى يجعل المواطن يثق ويقتنع تلقائياً ببيانات وزارة الداخلية، على أن يصل الخطاب الإعلامى لوزارة الداخلية إلى المواطنين بشكل صادق وبموضوعية ووضوح، والبعد عن أى محاولات للتقليل من الأحداث».
اتفق عدد من ضباط الشرطة- طلبوا عدم نشر أسمائهم- على ضرورة عودة رجال الشرطة إلى الشارع، مؤكدين أنهم يشعرون بغربة فى الشارع بسبب معاملة المواطنين لهم وأن التواصل بين المواطن والشرطة لابد أن يكون مستمراً، خاصة أن وزير الداخلية شدد على ضرورة عودة القوات إلى الشارع، لتحقيق الأمن والاستقرار، مؤكدين أنهم لم ينسحبوا من الشارع وتعهدوا بمواصلة العطاء وتحقيق الانضباط إلى الشارع.
ضباط سابقون وحاليون: يجب محاكمة الفاسدين فى «الداخلية» لفتح صفحة جديدة مع الشعب
اهتز كيان جهاز الشرطة فى الأحداث الأخيرة، التى شهدتها مصر، وأصبح مهدداً بالانهيار بعد أن انعدمت الثقة بين الشعب والشرطة، ما أثرعلى الحالة الأمنية وزاد الانفلات الأمنى.. التقت «المصرى اليوم» عدداً من الضباط لمعرفة رؤيتهم حول تصحيح الأوضاع داخل جهاز الشرطة.
قال النقيب محمد ملش، ضابط بمباحث القاهرة، إنه يرفض إلغاء عيد الشرطة ويطالب بتغيير اسمه إلى «عيد تحرير الشرطة من الفاسدين والظلمة» ويتم الاحتفال به سنوياً مع الاحتفال بيوم ثورة 25 يناير، وأوضح أن جهاز الشرطة يحتاج التصحيح وهذا يبدأ أولاً عند معاملة الأشخاص المتلبسين فى القضايا بطريقة آدمية وأن يكون داخل كل قسم شرطة حجز للمتهمين فى قضايا النفس، الذين يعتبرون من الفئة الخطرة، وحجز للمتهمين فى جنحة مرور أو شيك حتى لا يتعرض المواطن للإهانة، عندما يجد نفسه داخل حجرة مع شخص يخشى الوقوف بجواره عند رؤيته فى الشارع.
وأضاف «ملش» أنه لابد أن يكون متوافراً للشرطة كل الإمكانيات التكنولوجية التى تساعد على عدم إهانة المواطن، ففى حالة مرور الضابط فى دورية يجب أن يكون بداخل سيارة الدورية جهاز كمبيوتر يتم من خلاله الكشف على المشتبه فيه، ففى حالة عدم وجوده مطلوباً فى أى قضية يتم صرفه من مكانه، لأن النظام القديم فى الشرطة قائم على اصطحاب المواطن إلى القسم والكشف عنه يؤدى إلى إصابة المواطن بفقد الثقة.
وأكد أن المبدأ الأساسى لتصحيح الشرطة هو تغيير زى الشرطة والبدلة السوداء التى تؤدى إلى غضب المواطنين بعد الأحداث التى مر بها البلد، فالشخص الذى مات له ابن فى المظاهرة فإن البدلة السوداء تؤذى مشاعره، ويتذكر من خلالها أن هذا الشخص كان ضمن الواقفين فى المظاهرة، بالإضافة إلى تغيير لون «البوكس» الذى يؤدى إلى الإصابة بالانقباض.
وأوضح أنه من الضرورى أن يكون هناك عقاب مختلف للباعة الجائلين الذين يكرهون الضباط، فالبائع تاجر صغير يسعى لجلب لقمة عيشه بشرف، فعندما يجد أن الضابط متسبب فى قطع عيشه يؤدى ذلك إلى كراهية ويجب توفير فرصة عمل له.
وأكد أنه لابد أن يتم تفعيل دور التكنولوجيا فى وزارة الداخلية، بحيث تكون كل سيارة شرطة بها كاميرات مراقبة للشوارع، فعندما يقوم الضابط بإلقاء القبض على تاجر مخدرات يكون هناك دليل قاطع على ذلك.
وقال إن ضابط المباحث يتعرض لمصاعب كثيرة، فليس من الضرورى أن يشار إلى أسماء الضباط من خلال وسائل الإعلام، الذين ألقوا القبض على متهم فى قضية ما، لأن معرفة اسم الضباط تولد كراهية بين أسر المتهم والضابط. وقال النقيب عمرو دنانة، إن جهاز الشرطة يجب أن يتم إبعاده عن السياسة وعدم احتكاكه بالعمل السياسى مثل الانتخابات التى يتم تزويرها، فدور الشرطة هو الحفاظ على الأمن وسلامة المواطن ومنع وقوع الجريمة بشتى صورها ومنع أعمال الشغب.
وأضاف: يجب على الوزارة أن تعيد النظر فى قرارات مد العمل للقيادات التى تتجاوز الستين لإعطاء الفرصة لباقى الدفعات لكى تترقى، والاهتمام بالضباط من حيث الأجور والإجازات والراحات. وتابع: إنه يجب الاهتمام بأقسام الشرطة بمدها بأحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة وتوفير المركبات بتجهيزها بوسائل اتصال مناسبة لأستخدامها فى العمل، وطالب الدولة بأن تقوم بتقنين أوضاع الباعة الجائلين لتفادى الاحتكاكات المباشرة بينهم وبين المرور وضباط المرافق.
وأكد أهمية عودة نظام مكتب العلاقات العامة داخل كل قسم شرطة حتى يتم من خلاله حل مشاكل المواطنين وعمل اجتماعات مع الضباط لمعرفة ما يجرى فى الحياة ولو كان هناك قصور فى أداء عملهم يتم تنبيههم.
وأوضح أنه يتم نقل النيابات داخل أقسام الشرطة مثلما كان يحدث مسبقاً، حتى يسهلوا الأمور على المواطنين، وأنهى كلامه بقوله يجب أن يكون داخل كل قسم شرطة وكيل نيابة لكى يسهل مهمة الضابط باستصدار أذونات الضبط.
وقال النقيب عمرو زهران، إن بداية تصحيح جهاز الشرطة هى تنقيته من القيادات الفاسدة ومحاسبة كل من أعطى تعليمات غير قانونية وخارجة على القانون.
وأضاف أن جهاز الشرطة يتم إصلاحه من الداخل عن طريق فتح باب الحوار بين الضباط والقيادات وعمل اجتماعات دورية بمعدل شهرى لمعرفة المشاكل التى تعوق العمل والمساواة بين الضباط فى الرواتب.
وشدد على أهمية تخفيف العقوبات التى يتلقاها الضباط، فعلى سبيل المثال عندما يمر مفتش الداخلية ولم يجد الضابط فى خدمته يعطيه جزاء فورياً بخصم شهرين من راتبه ولا يعطيه فرصة لتبرير مكان وجوده، فهذا يؤدى إلى إصابة الضابط بضغط نفسى ويظهر هذا الضغط فى بعض الأحوال عند التعامل مع المواطنين.
وقال النقيب محمد صلاح، إن الثقة فى الداخلية وتصحيحها لن تعود إلا بعد إعلان لجنة تقصى الحقائق عن أسماء المسؤولين عما حدث أيام «المظاهرات»، لأن المواطنين لم يصدقوا الضباط ويعتبرونهم مدانين، فجهاز الشرطة به 75٪ من الضباط شرفاء وفى أى مكان يوجد السيئ والجيد.
وبدأ اللواء أحمد المراغى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، كلامه بأن جهاز الشرطة يجب أن ينقى نفسه، وأن يقوم اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية، بإعادة رسالة الشرطة القديمة المتمثلة فى «الشرطة فى خدمة الشعب»، وأن يتم ذلك أولاً بتحقيق الأمن والأمان للضباط وأفراد الأمن والمخبرين، لأن فاقد الشىء لا يعطيه، وتحقيق الأمن والأمان يكون عن طريق توفير رواتب مقبولة تساعدهم على المعيشة.