احتضان قطر للإخوان المسلمين الهاربين من مصر ليس وليد هذه الأيام.. بل يعود إلى أكثر من 63 عاماً.. كيف ذلك؟!
فى أعقاب حادث المنشية فى أكتوبر 1954 ومطاردات الأمن المصرى لهم - أيام جمال عبدالناصر - بعد فشل محاولة الاغتيال الشهيرة.. تمكن عدد من قيادات الصف الأول والصف الثانى من الهروب.. وبحث هؤلاء عن أبعد نقطة تحميهم من مطاردات الأمن المصرى.. فكانت مشيخة قطر فى المقدمة.. وكانت قطر فى هذه الفترة تحت الحماية البريطانية.. وكانت أسرة آل ثانى هى الأسرة الحاكمة.. ولكن كما هو معروف - أيامها - لم تتدخل بريطانيا فى الأمور الداخلية لمشيخات ساحل عمان المتصالح وهى من الغرب جنوب الكويت، نجد مشيخات أو إمارات قطر والبحرين وأبوظبى ودبى والشارقة وعجمان وأم القيوين، ثم رأس الخيمة عند مدخل مضيق هرمز.. وكذلك مشيخة أو إمارة الفجيرة على بحر العرب، الذى هو جزء من المحيط الهندى.
وكان حاكم - أو شيخ قطر - أيامها هو الشيخ أحمد بن على آل ثانى الذى جاء إلى الحكم وسط نزاعات بين فرعى الأسرة.. إذ كان الأحق بالحكم هو الشيخ خليفة بين حمد آل ثانى.. ولكن لما كان هذا الشيخ صغير السن.. أصبح الشيخ أحمد بن على هو الحاكم.. واكتفى الشيخ أحمد بأن جعل المستحق الحقيقى للعرش وهو الشيخ خليفة ولياً للعهد.
وفتح هذا الشيخ أبواب قطر أمام الهاربين الإخوانيين الفارين من مصر.. ودون ذكر أسماء - رغم أننى أعرفهم - أقول إن الشيخ أحمد عم الشيخ خليفة سمح لهم بالعمل والحياة.. وقدم لهم تسهيلات عديدة، وبالذات فى مجال التدريس والدعوة.. وكانت هذه المجموعة هى الخلية الإخوانية الأولى التى استضافتها قطر، قبل الاستقلال.
ثم جاءت الموجة الثانية من الإخوان فى أوائل الستينيات عقب انتفاضة عبدالناصر عليهم باكتشافه مؤامراتهم ضده، وضد نظام حكمه.. وخلالها تمت محاكمات أقطابهم داخل مصر، وعلى رأسهم سيد قطب صاحب كتاب «فى ظلال القرآن».. ذلك أن مجموعة من الإخوان - أيضاً من الصفين الأول والثانى - هربت من مصر وكانت قطر - أيضاً، هى الأرض التى رحبت بهم.. وأطلقت لهم حرية العمل وأيضاً فى الدعوة والتعليم.
وتوحدت المجموعة الأولى التى هربت عام 1954 مع المجموعة الثانية التى هربت أوائل الستينيات لكى تعملا معاً فى إنشاء خلايا إخوانية، بعضها علنى من القيادات المعلومة.. وأكثرهم يعملون تحت الأرض، أى من الخلايا النائمة، شأنهم شأن من يخشى دائماً السلطة والسلطان.
وزاد نفوذ الإخوان فى قطر.. وأطلقت الدوحة والأسرة الحاكمة بالذات أيديهم فأنشأوا المدارس الدينية.. والنوادى.. والجمعيات وزاد نشاطهم وسطوتهم.. ومن هذه الخلايا من انطلق إلى أبوظبى، وبالذات بعد تولى الشيخ زايد بن سلطان أمور الحكم هناك فى أغسطس 1966. واستغل الإخوان تعطش الشيخ زايد - رحمه الله - إلى إنشاء دولة عصرية جديدة.. وتقربوا من الديوان الأميرى - مقر الحكم - فى أبوظبى.. وصار منهم المستشارون الذين نجحوا فى عدم الكشف عن هوياتهم واتجاهاتهم. وللحقيقة كانوا كلهم «تحت السيطرة»، أى عدم العمل السياسى العلنى.
ولكن جماعة منهم تركوا إمارة أبوظبى - سواء قبل إنشاء دولة الإمارات الاتحادية فى ديسمبر 1971 أو بعده بقليل.. وانطلقوا يعملون فى الإمارات الشمالية من دولة الإمارات، أى من دبى وعجمان وأم القيوين.. إلى رأس الخيمة وأنشأوا جماعة الإصلاح فى دبى.. بل أصدروا مجلة تعبر عنهم.. وللحقيقة، تنبهت دولة الإمارات الوليدة لهذا النشاط.. وضيقت عليهم. وصادرت مجلتهم الدورية.. وأتذكر أن سمو الشيخ زايد تنبه إلى خطرهم وحاول كثيراً مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبى، ونائب رئيس الدولة، ووالد الحاكم المستنير الحالى الشيخ محمد بن راشد.. حاول التصدى للنشاط الإخوانى بالذات فى هذه الإمارات الشمالية.. إلى أن نجح فى إغلاق جمعيات الإصلاح الإخوانية هذه، ومنع مجلتهم الدورية التى كانت تروج لأفكارهم.
■ ولكن ذلك دفعهم إلى العمل تحت الأرض.. فهذا هو أسلوبهم.. إلى أن أصبحوا يمثلون خطراً جسيماً على أمن دولة الإمارات وعلى شعبها.. ولذلك كانت وقفة سلطات الإمارات رادعة وكشفت عن نشاطهم المعادى للدولة.
■ معنى ذلك أن قطر كانت «الراعية الأولى» لجماعات الإخوان الهاربة من مصر منذ عام 1954.. كما أصبحت هى أيضاً الدولة المحتضنة لجماعات الإخوان الهاربة من مصر بعد إسقاط دولتهم فيها عام 2013.
■ ولكننى أشهد أن من لجأ إلى أبوظبى من قيادات الإخوان كانوا تحت السيطرة، وهذا دور لعبه بإتقان الأستاذ أحمد خليفة السويدى، أول وزير خارجية للدولة وأقرب مستشارى الشيخ زايد إلى نفسه.
ولكن آل ثانى فى الدوحة لم يكونوا فى حكمة الشيخ زايد التى تسمح باللجوء السياسى والمعيشى.. ولكن بشرط الابتعاد عن أى عمل يضر الدولة ويضر الأشقاء.. وشتان هنا بين آل نهيان فى أبوظبى.. وآل ثانى فى قطر!!