اكتست موجة الاحتجاجات الشعبية العربية بالدماء مع سقوط 13 قتيلاً، بالإضافة إلى مئات الجرحى فى مظاهرات للمعارضة المطالبة بالإصلاحات فى كل من البحرين وليبيا واليمن والعراق، وذلك فى الوقت الذى يعيش فيه المشهد السياسى والإعلامى فى المغرب أجواء ترقب وجدل واسع حول صدى «المد الثورى» من تونس ومصر فى ظل حركة احتجاجية نوعية تقودها مجموعة من الناشطين على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» دعت لمظاهرات فى 20 فبراير.
فقد قتل 4 أشخاص وأصيب العشرات بجروح خلال تفريق قوات الأمن البحرينية اعتصاماً لمتظاهرين من المعارضة الشيعية يطالبون بإصلاحات سياسية فى ميدان اللؤلؤة بوسط المنامة.
فاجأت شرطة مكافحة الشغب المعتصمين فجر الخميس ، وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى، قبل أن تقتحم الميدان وتفض المتظاهرين بالقوة، مما أدى إلى سقوط 4 قتلى وإصابة العشرات.
والقتلى الـ4 بحسب أقاربهم والمعارضة الشيعية والناشطين على فيس بوك هم: عيسى عبدالحسن (60 عاماً) وحسين زايد، ومحمود مكى (22 عاماً) وعلى خضير (52 عاماً). وكان قتيلان قد سقطا فى بداية حركة التظاهرات يومى الاثنين والثلاثاء الماضيين، مما يرفع الحصيلة الإجمالية للحركة الاحتجاجية فى البحرين إلى 6 قتلى.
قال النائب على الأسود، العضو فى جمعية «الوفاق»، التى تمثل أكبر تيار شيعى بحرينى إن 95 شخصاً على الأقل أصيبوا بجروح بينهم إصابات خطرة، ووجه الأسود نداء عاجلاً لإسعاف المصابين، متهما قوى الأمن بـ«منع إسعاف المصابين» فى ميدان اللؤلؤة.
وأكد شهود عيان وقوع «مواجهات قوية» بين المتظاهرين وقوات الشرطة خلال عملية فض التجمع. وفيما انتشرت قوات مكافحة الشغب فى المناطق المحيطة بعد إتمام العملية، شوهدت مدرعات ودبابات الجيش فى شوارع العاصمة البحرينية المنامة بعدما هاجمت قوات الأمن جموع المحتجين.
ويلبى المحتجون منذ الاثنين الماضى دعوات ناشطين على الإنترنت لقيام «ثورة» فى البحرين من أجل الإصلاح السياسى والإفراج عن معتقلين شيعة ووقف «التجنيس السياسى» فى إشارة إلى اتهامات يوجهها شيعة للحكومة بتجنيس أشخاص من الطائفة السنية لتغيير التوازنات الطائفية فى المملكة ذات الغالبية الشيعية. وصعّد بعض الناشطين المطالب وباتوا ينادون بـ«إسقاط النظام»، كما طالبت جمعية «الوفاق الشيعية» بدستور جديد للمملكة يتم بموجبه انتخاب الحكومة من قِبَل الشعب.
واعتبر الشيخ على سلمان، الأمين العام لجمعية «الوفاق الشيعية» المعارضة، أن قيام قوات الأمن البحرينية بتفريق المتظاهرين «إرهاب واعتداء وحشى وغير مبرر ضد معتصمين مسالمين». وتوقع سلمان أن «يبادر المحتجون بتنظيم أنفسهم والاعتصام فى أماكن أخرى». من ناحيته، صرح العميد طارق حسن الحسن، المتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية، بأن «قوات الأمن العام قامت، صباح الخميس ، بإخلاء منطقة ميدان اللؤلؤة من المتجمهرين والمعتصمين فيه وذلك بعد استنفاد جميع فرص الحوار معهم، حيث استجاب البعض منهم وغادر بهدوء، بينما رفض آخرون الامتثال للقانون، الأمر الذى استدعى التدخل لتفريقهم»، على حد قوله.
وفى ردود الفعل الدولية، دعا البيت الأبيض السلطات فى البحرين إلى احترام حق مواطنيها فى التظاهر بطريقة سلمية. بدورها، دعت بريطانيا «جميع الأطراف» فى البحرين إلى «التحلى بضبط النفس وعدم اللجوء إلى القوة» أثناء التظاهرات المناهضة للحكومة.
وفى اليمن، قتل شخصان وأصيب 5 آخرون على الأقل بجروح فى اشتباكات اندلعت أمام جامعة صنعاء لليوم الخامس على التوالى بين متظاهرين مطالبين بإسقاط النظام وآخرين مؤيدين للرئيس على عبدالله صالح بينهم بعض البلطجية.
وخرج حوالى ألفى متظاهر غالبيتهم من الطلاب من حرم جامعة صنعاء باتجاه ميدان التحرير القريب، حيث مقر الحكومة، إلا أن مناصرين للنظام معتصمين أمام الجامعة قاموا بمهاجمتهم على الفور. ووقعت مواجهات بالعصى والحجارة، ما أسفر عن سقوط 5 جرحى على الأقل، ثم تدخلت القوى الأمنية المنتشرة فى المكان وأطلقت الرصاص الحى لتفريق المتظاهرين.
وفى ليبيا، استبقت المعارضة ومنظمات حقوقية ليبية «يوم الغضب» ضد النظام الحاكم بقيادة العقيد معمر القذافى منذ قرابة 42 عاماً، الخميس ، وأعلنت مقتل 4 أشخاص، الخميس ، فى مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين فى مدينة البيضاء شرق ليبيا. وقالت منظمة «ليبيا ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان ومقرها فى لندن، إن «قوات الأمن الداخلى ومسلحى اللجان الثورية فرقوا تظاهرة سلمية للشبان فى مدينة البيضاء، مستخدمين الرصاص الحى»، مما أدى إلى «مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة آخرين». وأظهرت تسجيلات فيديو نشرت على الإنترنت عشرات الشبان الليبيين المتجمعين فى وقت متأخر، الاربعاء ، فى مدينة البيضاء وهم يرددون: «الشعب يريد إسقاط النظام» فى الوقت الذى اشتعلت فيه النيران داخل مبنى، بينما خلت الشوارع من عناصر الشرطة.
قال شاهد عيان وصحيفة محلية، إن مئات من الأشخاص اشتبكوا، الاربعاء، مع الشرطة ومؤيدين للزعيم الليبى فى مدينة بنغازى شرق ليبيا، وألقى المحتجون الغاضبون الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على اعتقال ناشط لحقوق الإنسان قنابل حارقة وأشعلوا النار فى سيارات أثناء الاشتباكات التى خلّفت 38 من الجرحى.
وفى العراق، لقى 3 أشخاص مصرعهم وأصيب عشرات آخرون فى مدينة الكوت جنوب العراق، الاربعاء ، فى اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون بتحسين الخدمات الأساسية. وهاجم المتظاهرون مكاتب حكومية فى مدينة الكوت بمركز محافظة واسط، ورشقوا مقر مجلس المحافظة بالحجارة، احتجاجاً على تردى الخدمات العامة، قبل أن يقوموا بإحراقه.
وفى المغرب، قرر ناشطون شباب على موقع «فيس بوك» وضع حركتهم الاحتجاجية على محك الاختبار الميدانى، من خلال الدعوة إلى مسيرات عبر عدد من مدن البلاد يوم 20 فبراير الجارى، ينتظر أن ترفع مطالب تحث السلطات على القيام بإصلاحات أكثر جذرية للهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبينما قوبلت مبادرة الشباب «الفيسبوكيين» بحملة عنيفة لتسفيه تحركاتهم من قِبَل بعض الأوساط الإعلامية والسياسية، القريبة من النخبة السياسية الرسمية، فإنها فى المقابل، حظيت بتعاطف ودعم فئات أخرى، خصوصاً فى صفوف التيار اليسارى الجذرى، وجانب من الصف الإسلامى.
وفى الجزائر، دعا عبدالحميد مهرى، أحد مؤسسى الدولة الجزائرية، الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للاستجابة إلى موجة الاضطرابات التى تجتاح العالم العربى بتغيير نظام حكم وصفه بأنه غير ديمقراطى وعفا عليه الزمن.
قال مهرى، الأمين العام السابق لحزب «جبهة التحرير الوطنى الحاكم بالجزائر»، فى خطاب وجهه إلى بوتفليقة، إن الجزائر فى حاجة إلى تغيير جذرى قبل أن تحتفل العام القادم بالعيد الـ50 لاستقلالها عن فرنسا. وتابع مهرى: «إن النظام الحاكم لم يعد قادرا على مواجهة التحديات الكبرى التى تواجه الأمة». واستطرد أن الأصوات التى تنادى بتغيير سلمى لهذا النظام كثيرة، معتبرا أن هذا التغيير يجب ألا يتأخر أكثر من ذلك. وتكتسب كلمات مهرى ثقلا لأنه كان شخصية قيادية فى كفاح الجزائر ضد الاستعمار الفرنسى وساعد فى صياغة هوية البلاد بعد الاستقلال. ومهرى (84 عاماً) واحد من جزائريين اثنين فقط مازالا على قيد الحياة ممن شاركوا فى مفاوضات معاهدة إيفيان التى أنهت 130 عاما من حكم الاستعمار الفرنسى للجزائر بعد حرب الاستقلال التى سقط فيها مئات الآلاف من القتلى.
ويرى مراقبون ومحللون جزائريون إن مهرى يقدم لبوتفليقة مخرجاً مشرفاً لترك منصبه، غير أنهم استبعدوا حدوث انتفاضة شعبية فى الجزائر لأن لديها أموالا تكفى لعلاج المشاكل الاقتصادية، فضلا عن عدم وجود رغبة للدخول فى اضطرابات جديدة فى الوقت الذى لاتزال فيه البلاد تسعى للخروج من صراع مع الإسلاميين استمر أكثر من 10 سنوات.