أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من اتفاقية باريس لحماية المناخ، عازلا الولايات المتحدة على الساحة الدولية وباعثا صدمة بين الدول الـ 194 الأخرى الموقعة على هذا النص التاريخي.
أطلق إعلان ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ سلسلة من ردود الفعل من جميع أنحاء العالم، صدرت عن الأوساط السياسية كما عن الأوساط الاقتصادية، وعكست مشاعر تتراوح ما بين الدهشة والغضب والذعر، فقد جاء رد الأوروبيين سريعا وقاطعا، فأصدرت برلين وباريس وروما بيانا مشترك أبدت فيه «أسفها» للقرار الأميركي، مؤكدة أنه لا يمكن في أي من الأحوال معاودة التفاوض في الاتفاقية.
ورأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ترامب ارتكب «خطأ بحق الولايات المتحدة» و«خطأ بحق كوكبنا» في آن، داعيا العلماء والمهندسين ورجال الأعمال الأميركيين إلى القدوم إلى فرنسا للعمل على «حلول عملية» من أجل المناخ، وإذ انتقل ماكرون إلى الكلام بالإنكليزية متبنيا موقفا هجوميا، شدد على المسؤولية المشتركة لجميع البلدان، رافعا شعار «لنجعل كوكبنا عظيما من جديد» في اقتباس لشعار حملة ترامب الانتخابية «لنجعل أميركا عظيمة من جديد».
وندد الفرنسي لوران فابيوس الذي ترأس مؤتمر الأمم المتحدة الـ21 للتغير المناخي في باريس، بـ«خطأ معيب وغلطة كبرى»، متهما ترامب بإصدار «سيل من الأكاذيب» بشأن المناخ.
وأكد المفوض الأوروبي للتحرك حول المناخ ميغيل ارياس كانيتي مساء الخميس أن العالم «يمكنه أن يواصل التعويل على أوروبا» لقيادة التصدي للاحتباس الحراري. كما تعهدت بكين بالاستمرار في تنفيذ اتفاق باريس وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا شونيينغ للصحافيين أن الاتفاق «يعكس أوسع توافق في الأسرة الدولية بشأن التغير المناخي، وعلى الأطراف أن تتمسك بهذه النتيجة التي توصلت إليها بجهد كبير».
وأجرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اتصالا هاتفيا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب أخبرته خلاله أنها «محبطة» جراء قراره بالانسحاب من اتفاق باريس بشان المناخ، بحسب ما ذكره مكتب ماي في بيان.
وجاء في البيان: «عبرت رئيسة الوزراء عن خيبة أملها إزاء القرار وشددت على أن المملكة المتحدة ما تزال ملتزمة باتفاق باريس كما أعلنت مؤخرا في مجموعة السبع».
ونقلت وكالة الإعلام الروسية اليوم الجمعة عن نائب رئيس الوزراء أركادي دفوركوفيتش قوله إن موسكو لن تعدل عن قرار الانضمام إلى اتفاقية باريس الموقعة عام 2015 للحد من تغير المناخ رغم انسحاب الولايات المتحدة منها.
وقالت اليابان إن قرار الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ «مؤسف» وإن ظاهرة تغير المناخ تتطلب جهدا منسقا من المجتمع الدولي بأكمله.
بدوره قال رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم تيرنبول إن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاق باريس المناخي ليس مفاجئا ولكنه مخيب للآمال.
وأضاف تيرنبول للصحفيين في سنغافورة اليوم الجمعة «كنا نفضل ان تظل الولايات المتحدة جزءا من الاتفاق. نحن ملتزمون باتفاق باريس».
وباشرت عشرات المدن والولايات الأميركية الممتدة من نيويورك إلى كاليفورنيا، على الفور بتنظيم المقاومة ضد هذا القرار، واعدة بأن أميركا ستواصل التقدم في اتجاه اقتصاد مراع للبيئة ولو على المستوى المحلي، حيث تجمع مئات الأشخاص أمام البيت الأبيض للإعراب عن غضبهم.
وقالت ريبيكا ريغان ساكس (34 عاما) «إنه لا يفهم العلم، سوف يعيدنا سنوات إلى الوراء» وهي ترفع رافعة لافتة كتب عليها «رسالة إلى باقي العالم: إننا آسفون، غالبيتنا صوتت لهذا الأحمق».
وكان هدف الولايات المتحدة كما حددته إدارة اوباما السابقة يقضي بخفض انبعاثات غاز الدفيئة بنسبة 26 إلى 28% بحلول العام 2025 مقارنة مع 2005. وأبدى باراك أوباما أسفه الشديد لقرار خلفه.
وقال الرئيس السابق في بيان «اعتبر أن على الولايات المتحدة أن تكون في الطليعة. ولكن حتى في غياب القيادة الأميركية، وحتى لو انضمت هذه الإدارة إلى حفنة صغيرة من الدول التي ترفض المستقبل، أنا واثق بأن ولاياتنا ومدننا وشركاتنا ستكون على قدر (المسؤولية) وستبذل مزيدا من الجهود لحماية كوكبنا من اجل الأجيال المقبلة»، كذلك أعرب الكثيرون في الأوساط الاقتصادية عن خيبة أملهم مشددين على الضرورة الملحة للتحرك حيال الاحتباس الحراري.
وقال رئيس مجلس إدارة «جنرال إلكتريك» جيف إيملت أن القرار شكل «خيبة أمل» له، مؤكدا أن «التغير المناخي واقع. وعلى الصناعة أن تعطي المثل وألا تعول على الحكومة».
وسارع رئيس مجلس إدارة شركة «تيسلا» لسيارات الكهربائية إيلون ماسك المدافع بشدة عن مصادر الطاقة المتجددة، إلى الإعلان عن قراره الخروج من مختلف مجالس أرباب العمل التي تقدم النصح لدونالد ترامب، وحذا حذوه رئيس مجلس إدارة «ديزني» بوب إيغر. ورأى رئيس مجلس إدارة مصرف «غولدمان ساكس» للأعمال لويد برانفين أن الانسحاب الأميركي من اتفاقية باريس هو «انتكاسة» للبيئة و«لقيادة الولايات المتحدة في العالم».
ويتحتم على الرئيس الأميركي الـ45 عمليا تفعيل المادة 28 من اتفاقية باريس التي تسمح للموقعين بالانسحاب منها. وبحسب الآلية الواجب اتباعها، فإن هذا الانسحاب لن يدخل حيز التنفيذ قبل 2020. غير أن ترامب أوضح في كلمته أن الولايات المتحدة ستتوقف «منذ اليوم» عن تطبيق بنود الاتفاقية «غير الملزمة».