هو استثناء من القاعدة، فلم يحاول أن يلعب دورا يجعله يتصدر المشهد، أو يطرح نفسه باعتباره حكيما يمكنه حل الأزمة، ولم ينضم لطابور طويل من «راكبى الموجة»، الذين انقلبوا على أفكارهم، ولم يقفز فوق أكتاف الشباب ليصبح زعيما.
وظل حريصا على أن تكون كتاباته من أجل الوطن فقط وليس من أجل أن يحظى برضا هذا أو ذاك.
إنه الكاتب الكبير الساخر أحمد رجب، الذى يمكن حصر عدد الحوارات التى أجراها طوال حياته على أصابع اليد، لكن فى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ مصر كان لابد أن يتحدث، بعد أن نجحت الثورة باعتباره واحدا من أهم الداعمين لها بـ«نص كلمة»، التى كان يكتبها يوميا فيحيى فيها شباب الثورة، لذلك عندما طلبنا الحوار معه وافق قائلا: «هذا الحديث تعبير عن فرحتى بأعظم ثورة فى تاريخ مصر».
■ هل ذهبت لميدان التحرير أثناء الاحتجاجات؟
- أنا ذهبت لكننى لم أستطع المرور إلى قلب الميدان، لأن صحتى لا تسعفنى، فأنا أصاب بدوار حال تواجدى بالأماكن المزدحمة، لكننى كنت سعيدا سعادة خرافية عندما رأيت فتاة مسيحية تصب الماء على يد شاب مسلم يتوضأ، ويومها تأكدت أن الثورة نجحت وأن مصر استعادت صورتها الحقيقية.
■ ما أبرز أسباب قيام الثورة؟
- الفساد الذى انتشر بصورة غير مسبوقة حتى أصبح من الصعب ملاحقته، إلى جانب سيناريو التوريث واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، إذ عجل ذلك بنهاية النظام. وهناك أسباب أخرى منها رغيف العيش الذى أصبح الحصول عليه بمثابة إنجاز كبير للمواطن البسيط، رغم أن هذا الرغيف يحمل كل الكوارث من مسامير وأمراض وغيرها، لكن الشعب المصرى ارتبط برغيف العيش بشكل لا يمكن أن تبعده عنه، لدرجة أن هناك عدداً كبيراً جدا من الأمثال الشعبية تحدثت عن الرغيف، منها «عض قلبى ولا تعض رغيفى» و«اللى عنده عيش وبله عنده الخير كله» و«وشه مش بيضحك حتى للرغيف السخن».
وأتمنى أن تكون هناك وزارة مستقلة اسمها «وزارة الرغيف»، لأنه ببساطة يحتاج إلى اهتمام خاص، فمنذ فترة أثناء حملة تفتيش على الأفران تم العثور على ثمانية عاملين مصابين بالسل، وهذه كارثة توضح أنه لا يوجد كشف صحى على العاملين فى هذا المجال، رغم أنهم يمكن أن يكونوا سببا مباشرا فى نقل الكثير من الأمراض عن طريق الرغيف.
■ هل هناك أسباب أخرى؟
- طبعا، قيمة الجنيه التى تتدهور كل يوم، لدرجة أن الجنيه بحساب الذهب أصبح يساوى مليما، وهذه الحسبة قام بحسابها أحد خبراء الاقتصاد، وبالتالى العيشة أصبح من الصعب احتمالها، بل إنها أصبحت عقوبة للفقراء.
■ فى تقديرك لماذا نجحت الثورة؟
- الثورة نجحت لأنها تمت بمنتهى الصدق، ولم تكن فيها أى مطامع لأحد، بل كانت كلها لوجه الله ثم الوطن، هذا بجانب أن من قاموا بها شباب أبرياء لم يتلوثوا ولا يوجد بينهم تنازع على القيادة، لأن ما دفعهم للقيام بهذا العمل هو حب الوطن فقط وليس حب الذات، الذى سيطر على كثيرين تلوثوا بالحياة السياسية، لذلك ساندتهم العناية الإلهية ليستطيعوا تحقيق أهدافهم، لأنه ما كان لهذه الثورة أن تتحقق لولا توفيق الله. وهناك أسباب كثيرة من الصعب حصرها ساهمت فى نجاح الثورة، منها التحضر الشديد الذى اتسم به الثوار، علاوة على الوسيلة الجديدة التى ابتكرها الشباب، وهى «فيس بوك» تلك الوسيلة الحديثة التى يتعامل معها الأمن بجهل شديد، فلم يتخيل المسؤولون عن الأمن أن الثورة يمكن أن تنطلق عن طريق موقع على الإنترنت، رغم أن الشباب أعلنوا فى اليوم السابق للثورة أن الثورة غدا.
■ هل ترى أن إعلان الثوار عن موعد الثورة أربك أجهزة الأمن؟
- طبعا، فأى شخص يعمل فى جهاز أمنى منذ سنوات طويلة، عندما يقرأ أن الثورة غدا لابد أن يتعامل مع المسألة بسخرية ويقول «سيبوهم.. دول شوية عيال بيلعبوا» ولم يخطر ببال أحد أن تكون هذه الثورة ممتدة من الإسكندرية حتى أسوان وأن يكون مركزها أهم موقع فى مصر لتجمع الناس وهو «ميدان التحرير»، لذلك أتوقع فى السنوات المقبلة أن تكثف الأجهزة الأمنية اهتمامها بالإنترنت بشكل عام و«فيس بوك» بشكل خاص.
■ أليس غريبا أن تقوم الثورة من خلال «فيس بوك» فى عصر الحكومة الذكية؟
- بصراحة حاجة مضحكة، فالحكومة المسؤولة عن حماية الأمن كانت تطلق على نفسها الحكومة الذكية وتجلس بشكل دائم فى القرية الذكية، واتضح فى النهاية مدى ذكائها، لذلك أود أن أشير إلى أن كل ما يقال عن أن الدكتور أحمد نظيف هو الذى أدخل الإنترنت مصر كلام غير صحيح، فالحقيقة أن من أدخل الإنترنت هو الدكتور هشام الشريف (مؤسس ورئيس مركز معلومات مجلس الوزراء بين عامى 1990 و1999) وهو أيضا الذى ساهم فى نشر تكنولوجيا المعلومات التى بسببها تم استخراج بطاقات الرقم القومى، وللأسف هذا الرجل العظيم تم تجاهله تماما ونحن الآن مدينون له، كأحد أسباب قيام الثورة.
■ ما تقييمك لـ«شباب 25 يناير»؟
- ما فعله الشباب فى 25 يناير خطوة مذهلة لم يكن أحد يتوقعها، فقد نجحوا فيما عجزنا عن فعله، فجيلنا كان مليئا بالنقائص من كذب ونفاق ورياء، لكن هؤلاء كانوا فى منتهى الشجاعة والرقى والتحضر، لدرجة أنهم أبهروا العالم، وحققوا مكاسب خرافية، على رأسها أنها أول ثورة فى الدنيا ترفض كل ألوان العنف، ولا تنطلق فيها رصاصة واحدة من جانب الثوار، الذين كانوا فى منتهى النبل، فلم يقوموا بإيذاء إنسان واحد، لذلك أتوقع بعد سنوات قليلة أن تظهر مواهب كبيرة وعظيمة مثل المواهب التى أفرزتها ثورة 19، أمثال أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم من العظماء فى كل المجالات، لأن الفنان والمثقف والعالم لا يستطيع التنفس إلا فى جو من الحرية والعدالة بين جميع الأفراد.
■ ألم تشعر بأن الشخصية المصرية تغيرت؟
- بصراحة شعرت بأن هؤلاء الشباب من «طينة» أخرى، وكأنهم جاءوا من عالم آخر ليضعوا مصر فى المكانة التى تستحقها.
■ ما رأيك فى فكرة عمل قائمة سوداء تضم كل من وقف ضد الثورة؟
- لا أحب أن تكون هناك قوائم سوداء تضم الذين عارضوا الثورة، لأن الثورة يجب أن تبقى بنبلها، ولا يتم استخدامها لتصفية الحسابات مع أحد، فما فعله الأبطال الشباب من 25 يناير حتى 11 فبراير، يجعلهم أكبر من أن يقوموا بعمل مثل هذا، خاصة أنهم أصبحوا حديث العالم بأسره، الكل ينظر إليهم ويريد أن يتعلم منهم.
■ كنت شاهدا على حرب أكتوبر.. ما الفرق بين عبور الشعب المصرى من نفق «مبارك» والحزب الأوحد وبين عبور خط بارليف؟
- ما حدث فى 25 يناير لا يقل عظمة عما حدث فى حرب أكتوبر، والعبور نحو الديمقراطية الحقيقية لا يقل عن عبور خط بارليف عام 73، والشهداء الذين سقطوا فى الثورة دفعوا الثمن لسعادتنا وحريتنا، لذلك أرى أنهم لا مثيل لهم، ولا نملك إلا أن ندعو الله لهم أن يرحمهم ويسعدهم قدر ما أسعدونا.
■ كيف تُقَيّم «موقعة الجمل» أو الأربعاء الدامى؟
- هذا المشهد صدمنى كثيرا، فلم أتصور أن نصل لهذه الدرجة من الحماقة، لكنى وقتها تأكدت أن النظام انتهى إلى غير رجعة، بدليل أنه لايزال يعيش عصر الجاهلية الأولى.
■ قمت بإعادة نشر «نص كلمة» عن شباب الثورة مرتين.. لماذا؟
- لكى أؤكد نقاء هؤلاء الشباب وأنهم أفضل منا، فقد تحملنا النفاق والقمع إلى أن جاء هؤلاء ليخلصونا بمنتهى التحضر.
■ ما رد فعلك عندما سمعت «بيان التنحى»؟
- كنت أنتظر بيان التنحى وأتوقع توقيته، لذلك لم أنفعل، لكن فى الوقت نفسه لا أنكر فرحتى الشديدة التى جعلتنى أريد الخروج إلى البلكونة لأحتفل مع الناس بالحرية.
■ ما تقييمك لبيانات القوات المسلحة؟
- هذه البيانات رائعة، فهى تؤكد وجود كفاءات فى كل المجالات داخل هذه المؤسسة العظيمة، فالقوات المسلحة لديها رجال يتمتعون بمهارة عالية فى النواحى العلمية والثقافية والقانونية والسياسية بجانب تميزهم العسكرى، لذلك تخرج البيانات فى منتهى الدقة والحزم وفى التوقيت المناسب، لأنهم لا يوجد لديهم الروتين الحكومى الذى نعانى منه، فعندما ينكسر كرسى يقوم أى فرد بتصليحه، أما فى الوزارات الأخرى، فربما يقومون بعمل مناقصة من أجل تصليح الكرسى!.
■ لماذا كتبت عن وائل غنيم فى الصفحة الأولى بـ«الأخبار»؟
- لأننى شعرت بصدقه، وعندما بكى فى برنامج «العاشرة مساء» بكيت معه، لأن دموعه كانت إنسانية رفيعة بلغت القمة فى تحضرها، لكنى لم أكن أريد أن تخرج «نص كلمة» إلى الصفحة الأولى فى هذا الظرف التاريخى لأن من يقرأ لى يعرف المكان الذى أكتب فيه منذ سنوات طويلة.
■ ما أكثر شىء تتمنى أن يتحقق قريبا؟
- أتمنى إلغاء الحصانة نهائيا عن أعضاء مجلسى الشعب والشورى، وأن تكون الحصانة داخل قاعة المجلس فقط، لأن هذا هو الأساس فيها، فكلمة «برلمان» بالفرنسية تعنى حرية الكلام أى أن تكون للنائب حرية التعبير عن رأيه داخل المجلس دون أن يتعرض للمساءلة، لكن للأسف الحصانة التى كانت موجودة لدينا جعلت بعض النواب يستغلونها فى تجارة المخدرات والحصول على تأشيرات للحج والعمرة والاستيلاء على أراضى الدولة، لذلك أرى أنه لو تم إلغاء الحصانة عن أعضاء المجلس فمن الصعب أن يتقدم أحد من الفاسدين للترشح فى الانتخابات المقبلة.
■ منذ سنوات ابتكرت شخصية «كمبورة» وهى شخصية تمثل عضو مجلس الشعب الانتهازى.. هل ترى أنها يمكن أن تختفى قريبا؟
- فى الفترة الماضية أغلب النواب عندنا كانوا «كمبورة» بكل فساده وانتهازيته، لكن بمجرد إلغاء الحصانة لن نجد «كمبورة» واحداً فى البرلمان المقبل، بل سنعود إلى الأيام التى كان فيها النائب شخصاً محترماً يقف ضد الفساد ويحترم القوانين ويدافع عن الفقراء وذلك قبل أن تصبح الحصانة «مفرخة» للفاسدين.
■ أنت تهتم كثيرا فى كتاباتك بمجلس الشعب.. فما رأيك فى نسبة الـ50% «عمال وفلاحين»؟
- نسبة 50% «عمال وفلاحين» واحدة من طرق تضليل الناس والكذب عليهم، خاصة أننا نجد لواء سابقاً يرشح نفسه ممثلا عن العمال، ومذيعة شهيرة ترشح نفسها على أنها فلاحة، وهذه جريمة يجب أن نتخلص منها قريبا، كى نتحول إلى جمهورية برلمانية تتقلص فيها صلاحيات رئيس الجمهورية وتتوزع السلطات فيها بين رئيس الوزراء ومجلسى الشعب والشورى، وأن يعرض الوزير على مجلس الشورى - بعد إصلاحه - وألا تتدخل أجهزة الأمن فى اختيار الوزراء.
■ هل تصلح الأحزاب بشكلها الحالى لأن تكون موجودة فى الفترة المقبلة؟
- الأحزاب الموجودة «كرتونية»، لا تمثل أحداً ولا تعبر عن أى توجه سوى توجه الشخص صاحب الحزب، الذى لم يكن يريد سوى رضاء النظام عنه، لذلك، أرى أن هذه الأحزاب تشبه «شهود الزور» فى المحكمة فهى أحزاب تقول ما يمليه عليها النظام، مقابل أن تحصل على 84 ألف جنيه من الدولة سنويا، لدرجة أن الدولة قامت بعمل جائزة كبرى قدرها 500 ألف جنيه لمن يرشح نفسه من أجل تشجيعه ليلعب دورا فى مسرحية الانتخابات، فكان بديهيا يومها أن نرى الشيخ أحمد الصباحى مرشحا للرئاسة.
■ هل ترى أن النظام السابق قضى على الحياة الحزبية؟
- النظام سمح بخروج الأحزاب إلى النور، لكنه عندما كان يجدها تقف وتنهض كان يقوم بتفجير الصراعات داخلها وهذا ما حدث مع عدد كبير من الأحزاب حتى لم يعد لها وجود إلا على الورق فقط، وبالمناسبة، هذا الكلام قلته فى أكثر من مناسبة فى الفترة السابقة.
■ هل تتوقع أن نسير على خطى تركيا فى السنوات المقبلة؟
- لا أتوقع أن نسير على خطى دولة بعينها، فتركيا نموذج جيد، لكن يمكننا أن نتخطاه فى ظل دستور جديد يعطى لكل مواطن حقه دون أى تفرقة.
■ فى رأيك.. من الشخص المناسب لرئاسة مصر فى المرحلة المقبلة؟
- أعتقد أن عمرو موسى هو الشخص المناسب وأرى أنه قامة مصرية عظيمة، ولم تختبر قدراته ومواهبه السياسية بالقدر الكافى، فهو لديه أفكار إصلاحية عظيمة، بالإضافة إلى أنه شخصية محبوبة جدا، وله آراء مهمة لذلك، أرى أنه الشخص المناسب لمصر.
■ ما تقييمك لأداء اللواء عمر سليمان فى الفترة القصيرة التى عمل بها نائبا للرئيس؟
- اللواء عمر سليمان رجل مخابرات مثالى ومتزن ويجمع فى يديه كل خيوط السياسة الخارجية لمصر، لكنى أعتقد أنه لا يصلح للعمل الداخلى لأنه ليس ملما بإدارة الشعوب.
■ والفريق أحمد شفيق؟
- أحمد شفيق صديق عزيز ورجل منظم يستطيع القيام بأى عمل يكلف به على أكمل وجه، وهو شخصية محترمة لا يعلن عن شىء إلا بعد إنجازه، فقد قام بعمل معجزة فى المطار، رغم أنه لم يكلف الدولة مليما واحدا، بل إنه قام بالحصول على قروض خارجية وداخلية على أن تقوم شركة مصر للطيران بتسديدها من مكاسبها، هذا بجانب أنه مستمع جيد ورجل عسكرى من طراز فريد، لذلك، أرى أنه بحكم موقعه كرئيس للوزراء فى هذه المرحلة الانتقالية، الرجل الأقدر على التحاور مع القوات المسلحة.
■ ما رأيك فى الدكتور محمد البرادعى؟
- كنت أحترم «البرادعى» قبل ثورة 25 يناير باعتباره من العلماء فى مجال الطاقة الذرية، لكن بعد الثورة شعرت أنه رجل انتهازى حقيقى، فقد انتظر فى «فيينا» حتى وجد أن الثورة فى طريقها للنجاح، فعاد إلى القاهرة ليقف فى مقدمتها ويتحدث باسم الثوار ليأخذ الثورة «على الجاهز».
■ البعض يطالب بمحاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك.. ما رأيك؟
- فى البداية، أنا أرفض أن أتحدث عن فارس سقط من على الحصان، وأنا أحترم التاريخ العسكرى لـ«مبارك»، ولا أحب أن تتم محاكمته، خاصة أن ما فعله الشباب فى الثورة جعل العالم كله ينظر إلينا باحترام شديد، فلا أريد لهذه الصورة أن تهتز ويتم تصوير محاكمة الرئيس على أنها عملية انتقامية، فعندما كان الرئيس مبارك فى السلطة أنتقدته كثيرا، وانتقدت التوريث وتحدثت كثيرا عن الحكام فى دول العالم الثالث لدرجة أننى كتبت أنه فى الدول الغنية يذهب المجنون إلى مستشفى الأمراض العقلية، أما فى العالم الثالث، فيذهب إلى قصر الرئاسة!، لكن الرئيس لم يتدخل فيما أكتب، رغم أن البعض ممن حوله كانوا يتضايقون مما أكتبه.