توقفت كثيراً أمام حلقة من البرنامج التليفزيونى الأمريكى الشهير لـ(أوبرا وينفرى)، عُمر هذه الحلقة نحو ٣٠ عاماً، تحديداً منذ عام ١٩٨٨، كان ضيف الحلقة الشاب الأمريكى فى ذلك الوقت دونالد ترامب، الذى كان عمره وقتها ٤٢ عاماً، قال لا أريد أن أكون رئيساً الآن، أنا أكسب الآن أكثر، تحدث ترامب عما سيفعله فى حالة ما إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، تحدث عن ثروات الخليج، ذكر الكويت تحديداً، قال نصاً: لماذا لا نحصل على ربع ثروتهم؟ الفقراء هناك يعيشون كالملوك، لو أصبحت رئيساً سأجلب أموالاً كثيرة للولايات المتحدة، مضى ثلاثون عاماً، أصبح الشاب عجوزاً «٧١ عاماً» وأصبح رئيساً بالفعل، مطالبه كما هى لم تتغير، ذلك أنه تم إعداده لهذا الهدف، إضافة إلى مجموعة أخرى من الأهداف تتكشف سريعاً، محورها العرب وإسرائيل.
أفاض الكتاب الأمريكيون كثيراً فى الحديث عن صناعة الرؤساء، مخابراتياً تارة، وإعلامياً تارة أخرى، وغالبا يجتمعان معاً، باعتبار أن هذه الصناعة أصبحت علماً يرقى إلى مستوى أهم علوم العصر الحديث، بل الأهم من ذلك أنها بدأت مبكراً، كانت الأصابع تشير طوال الوقت إلى اليهود، سواء فى الولايات المتحدة أو فى الغرب، باعتبار أنهم هم الذين يقفون خلف الستار دائماً وأبداً فى إدارة المعارك الانتخابية، أو حتى فى الصناعة المبكرة لهذا الرئيس أو ذاك، إلى أن أصبح الأمر يتعدى الستار إلى العلن، خاصة عندما يتعلق بوسائل الإعلام المملوكة لهم والتى لا تستطيع فى النهاية إلا أن تدعم علناً.
لم يعد الأمر يتوقف عند صناعة الرؤساء فقط، بعد أن أصبح يتعلق بصناعة النجوم بشكل عام، نجوم السياسة، كما الاقتصاد، كما المجتمع، كما السينما تماماً، حتى نجوم الإعلام أيضاً، جميعهم يجب إنتاجهم من خلال مجموعات المصانع التى أُعدت لذلك، وجماعات المصالح التى سوف تستفيد من وجودهم فى المستقبل، لا تندهش إذن إذا وجدت أحد السياسيين دون المستوى رغم بزوغ نجمه بطريقة لافتة أو سريعة، لا تتعجب أيضاً إذا رأيت أحد كبار الاقتصاديين يغزو الأسواق رغم ضعف مهاراته فى هذا الشأن، بالتالى لا تتوقف كثيراً أمام ذلك المذيع أو الإعلامى دون المستوى، أو حتى بعض الممثلين فى أحيان كثيرة.
فى مصر، على سبيل المثال، أصبح أمر النجومية يتعلق فى جزء كبير منه بالوراثة، ذلك أن ابن الممثل يلتحق بالضرورة بأبيه، ثم ابن الصحفى أو الإعلامى عموماً، إلى أن انتشرت أكثر وأكثر فى أوساط القضاء والشرطة والجيش والأجهزة المخابراتية السيادية بشكل خاص، وعلى الجانب الآخر سوف نجدها فى أوساط رجال المال والأعمال والتجارة والسياحة إلى غير ذلك من كثير يتناقض مع ما كان شائعاً على الدوام من الترويج لفكرة (لن أعيش فى جلباب أبى) بعدما تم اكتشاف أن هذا الجلباب هو أسهل الطرق للدخول فى معترك الحياة وأيسرها فى الوصول للهدف.
إلا أنه وبالتزامن مع عملية التوريث هذه، بدا فى العقد الأخير، على الأقل، أن مصر هى الأخرى دخلت عصر صناعة النجوم من أوسع الأبواب، وعلى كل المستويات، سياسياً وإعلامياً واقتصادياً وفنياً، لكن الفارق كان كبيراً بين الصناعة الأمريكية والغربية من جهة، والصناعة المصرية من جهة أخرى، كما هو حال كل الصناعات الأخرى، لذا كان هذا التردى على كل الأصعدة، رأينا تردى الأداء الاقتصادى، تردى الأداء الإعلامى، تردى الأداء السياسى، تردى الأداء الفنى.. باختصار، وجدنا أنفسنا أمام منظومة متكاملة من الفشل فى كل المجالات، بما يشير إلى أن هناك خطأً كبيراً، إما فى نوعية مصانعنا، وإما فى طرق الإعداد، أو فيهما معاً، وهو ما أرجحه، ذلك أننا أمام إصرار على إنتاج هذه النوعية الرديئة من المنتجات، دون أى محاولات للتحسين، بما يجعلنا نخشى أن يكون اليهود قد دخلوا على الخط لدينا أيضاً، سواء من خلال المصانع، أو من خلال الإعداد.
كل المؤشرات الآن تؤكد أن النجومية فى مصر أصبحت صناعة، لاشك أبداً فى ذلك، بدءاً من صناعة الرؤساء إلى السياسيين إلى الحزبيين إلى الاقتصاديين إلى الإعلاميين، لم يعد لدينا السياسى الحصيف بحُكم قدراته التى حباه الله إياها، ولا الاقتصادى البارع، ولا حتى الممثل الموهوب، بل أستطيع التأكيد أنه يتم التخلص من أمثال هؤلاء فى الكثير من المجالات وفى كثير من الأحيان، بدأت فى السابق بالاغتيالات التى خسرت معها مصر الكثير من أهم عقولها، والتى كانت تتم عادة بمساعدة من الداخل، إلا أن الأمر الآن لم يعد يحتاج مثل تلك الممارسات مادام ممكناً وأدها فى المهد بمساعدة الداخل أيضاً.
على أى حال، إذا كنا ننظر إلى مصر على أنها دولة محورية فى العالم وليس فى المنطقة فقط، بحُكم التاريخ أو الجغرافيا على الأقل، فيجب ألا نندهش إذا وجدنا أن الصناعة التى نحن بصددها هى الأكثر رواجاً على المستويات المختلفة، بدءاً من الحكومات وحتى صغار المسؤولين، إلا أن ما أخشاه هو ألا تصبح صناعة وطنية، حتى لو بنسبة أسهم محلية، بعد أن تدهورت قيمة العُملة المحلية تماماً، كجزء أيضاً من الصناعة، ليصبح البقاء للعملات الأجنبية وأصحابها فى آن واحد.