يحتل متجر فؤاد الليثى للبقالة الجافة والأدوات المنزلية ناصية شارع حيوى بمنطقة حدائق القبة، فيعد أثراً باقياً لباع عائلته الطويل فى التجارة، خبرة 40 عاماً على وجه الدقة، يذكر الرجل الخمسينى بالطبع الموسم الرمضانى كأحد مواقيت ازدهاره، خاصة عبر ما يُعرف بـ«شنط رمضان» أو دفعات الدعم اللوجستى المقدمة من القادرينن و«أصحاب الخير» كما يصفهم «الليثى»ن لغير القادرين بغية الصمود أمام شهر الصيام بوجبة مؤمنة مُشبعة لأفراد الأسرة.. أتت الأزمة الاقتصادية الأخيرة على استقرار أسعار«شنط رمضان» لهذا الموسم، بعد سلسلة من موجات ارتفاع أسعار السلع الغذائية طوال الأشهر الماضية، ليطرح صاحب البقالة المُكتظة بواباتها بحقائب رمضان المُنتفخة بالمواد الغذائية الأساسية: «السنة اللى فاتت كيلو الرز كان بـ4.5 النهارده بقى بـ8 كل حاجة فى الشنطة اتضاعفت لكن اللى بيعمل خير مُضطر».
هذا العام، وحسب عدد من الجمعيات الخيرية ومنافذ البيع تتبعتهم «المصرى اليوم»، يصل متوسط سعر «شنطة رمضان» إلى 120 جُنيهًا، فيما يلتزم أغلب جامعيها بالحرص على تقديم الحد الأدنى من المواد الغذائية الأساسية واللجوء للاستغناء عن الرفاهيات كافة. فى هذا التقرير رصدت «المصرى اليوم» أبرز التغيرات فى حقيبة الدعم المُجتمعى الموسمية وحيل موزعيها لتحقيق أكبر فائدة للمستفيد دون الغرق فى غياهب الفواتير.
يحفظ «الليثى» عن ظهر قلب قائمة مشترى الحقائب الرمضانية من متجره الصغير، حيث ينتمى أغلبهم لقائمة زبائنه الاعتيادية، من الراغبين فى تقديم يد المُساعدة لغير القادرين وفعل الخير، حيث يقوم أغلبهم بشراء الحقائب الرمضانية الجاهزة من متجره ويقدمونها للمُستفيدين بأنفسهم، بيد أن الطاقة الشرائية لهؤلاء تختلف حسب القدرة المادية: «فى زبون بيوزع كل شهر 10 شنط على ناس يعرفهم، زبون تانى معاه فلوس يقدر يوزع لحد 100 شنطة رمضان»، على الرغم من ذلك صدمت عواصف ارتفاع الأسعار الجميع إبان الاستعداد لرمضان هذا العالم، حيث تضاعف سعر الحقيبة الرمضانية ليصل إلى 80 جنيهًا فى بعض الأحوال بديلاً عن 40 فقط فى العام الماضى.
حسب رغبة الزبون المُتبرع أولاً ووفق حساب الأولويات، يحدد «الليثى» 6 مكونات أساسية: «الرز والسكر والزيت والمكرونة والسمن والبلح..الزيادة عن كدا رفاهيات»، تضم قائمة الرفاهيات المذكورة لفافة «قمر الدين» وبعض من الزبيب وجوز الهند والعصائر، وتتسع لتشمل مزيداً من الحلوى والمُلطفات الجانبية، غير أن القائمة استُبعدت مؤخرًا من حسابات المُتبرعين المُلتزمين بالوفاء بالحقيبة لمُستحقيها:«الناس تعبانة، دلوقتى أصحاب الخير ما ينفعش يقللوا عدد الشنط، لكن ممكن يستغنوا عن كل الرفاهيات ويلتزموا بالسلع الأساسية»، حجم المواد الغذائية فى الحقائب تقلص فى الوقت ذاته، حيث لجأ البعض لتخفيض عدد كيلوهات المواد الغذائية من اثنين إلى كيلو واحد من الأرز والسُكر مع زجاجة زيت طعام واحدة.
وفقًا لاحتكاكه الدائم بالجمهور والتعرف عن كثب على مُعدلات الأسر والأفراد الاستهلاكية من المواد الغذائية يستطيع أن يجزم أن الحقيبة الرمضانية لا يمكن بأى حال أن تكفى أسرة لمدة تزيد على 3 أيام: «هو فى أسرة ممكن تاكل بـ60 أو 80 جنيه؟! دا ولا يوم واحد حتى!».
منذ 4 سنوات على وجه الدقة، بدأت سارة عوف، الطالبة بإحدى الكليات الفنية، الانخراط فى أنشطة جمع وتوزيع الحقائب الرمضانية على المُستحقين من غير القادرين أو أصحاب الدخول المحدودة، ما جعلها تنضم لتجمع من جمعيات خيرية مُختلفة، يتشاركون سنويًا فى مُهمة إعداد الحقائب الرمضانية تحت شعار «مما تحبون» ويعمل التجمع لتحقيق هدفٍ واحدٍ لجمهور المُستفيدين: «مش عاوزين نوزع شنط وخلاص علشان نرضى نفسنا، عاوزين الشنطة تكون مُفيدة فعلاً»، لتحقيق المُعادلة الصعبة، تلجأ «عوف» وجمع المتطوعين لاستخدام استراتيجيات مختلفة فى تعبأة الحقيبة الرمضانية أبرزها الاستغناء عن عبوات المادة الغذائية الجافة المعبئة مُسبقًا، واستبدالها بشكائر الأرز والسكر والبقول، وتقسيم حصة كل مُستفيد بشكل مُنفصل وبطريقة يدوية، ما يحمى ميزانية التجمع من الوقوع ضحايا لتقلبات الأسعار فى الأسواق، أما عن حجم الحصة المُقدمة لكل أسرة مُستفيدة فعادة ما يتناسب مع عدد أفراد الأسرة: «الجمعيات الخيرية المحلية بتساعدنا بأبحاث عن حالة الأسر وعدد أفرادها فنروح على أسر معينة».
يتسع نطاق الأسر المُستفيدة من حصص حقائب رمضان المُقدمة من قبل عوف وزملائها من المتطوعين ليشمل محافظات مُختلفة، يرتحل إليها عدد من القوافل لتوزيع الحقائب على المستحقين دون أن يتكلف أى منهم عناء ومشقة السفر، وتصل قوافلهم لمناطق مُختلفة كمحافظات المنيا والشرقية وكذلك مدينة العياط وإدفو، بإجمالى عدد حقائب يتجاوز حاجز الـ7 آلاف حقيبة، تشرح المُتطوعة الحفاظ عاماً بعد عام على توزيع الكمية ذاتها: «لازم نحط لنفسنا تارجت عدد شنط هنوزعها ونلتزم بيه، ودا بيدينا مصداقية عند المتبرع»، كلما اقترب التجمع من تحقيق هدفه الأول قبل بدء شهر رمضان زدادت أهميته فى عيون المُتبرعين وجديته فى توصيل الدعم لمستحقيه، وهو الأمر الذى يلتزم به التجمع طوال شهر رمضان، حيث لا يقتصر توزيع حقائب الدعم الغذائى على بداية شهر الصوم بل يمتد إلى مدار كامل الشهر: «فى فريق شغال طول رمضان، وساعات عدد المتطوعين بيقل وسط الشهر لكن بنكمل».
برغم عمل التجمع على ترسيخ صورة جادة إيجابية فى نظر المُتبرعين إلا أن الأزمة الاقتصادية تسببت فى تراجع حجم التبرعات وعجز البعض عن الوفاء بها: «دلوقتى الشنط بقت أغلى، وبناخد وقت علشان نجمع نفس حجم التبرعات»، فى معادلة ينتج عنها فى النهاية عجز التجمع فى أغلب الأحوال عن إمداد الحقائب الرمضانية بمواد غذائية مُرتفعة الثمن بالبروتينات والمُنتجات الحيوانية، إلا أن «عوف» تعتبر أن الحقيبة الرمضانية المُعدة من قبلها أفضل وأكثر قيمة من نماذج أخرى تضعها المنافذ التجارية الكُبرى فتقول: «الهايبر ماركتس بيعلنوا عن أى شنط وغالبًا بتبقى محتوياتها قليلة».
خلاف المُبادرة التطوعية الأهلية لـ«سارة عوف» لتوزيع حقائب الدعم الرمضانية، تعرِف الجمعيات الخيرية نمطًا أكثر تعقيدًا من فعاليات تعبئة وتوزيع حقائب رمضان، يرتبط بالسلك البيروقراطى التابع لوزارة التضامن الاجتماعى. أحمد محمود مصطفى كامل، مُحام عشرينى، يترأس على هامش عمله بالمحاماة مجلس إدارة جمعية «بنكمل بعض» الخيرية، وقُبيل موسم الشهر الكريم بنحو شهر أو يزيد، تُعلن حالة الطوارئ بجمعيته الخيريّة وتسخر أغلب مواردها المادية والبشرية لصالح الفعالية الرمضانية الخيرية الأشهر «توزيع شُنط رمضان»، وعلى عكس أغلب أنشطة توزيع الحقائب الرمضانية فى بر مصر، يبدأ نشاط توزيع المواد الغذائية بالجمعيات الخيرية ببحث اجتماعى للأُسر المُستفيدة، تشترط الوزارة إجراؤه لتوزيع الحقائب، يقول أحمد «الشؤون بتطلُب بحث اجتماعى للأسر مذكور فيه موارد الأسرة بدقة وإذا كانت بتاخُد معاش تكافُل وكرامة».
بدأت جمعية «بنكمل بعض» نشاط توزيع حقائب رمضان منذ 2014، ليصبح العام الجارى عامها الثالث على التوالى، وبموجب خبرة الأعضاء فى الشراء والتعبئة والتوزيع، يستطيع أحمد أن يرصد بدقة القفزات الاقتصادية التى أودت بحقيبة المواد الغذائية الرمضانية من 40 جنيها إلى 80 جنيها فى بحر عام واحد «كنا بنعمِل حسابنا عادةً على زيادة لا تتعدى 25% فى سعر الشنطة، السنة دى قفز سعرها 50% دفعة واحدة». يُستعرض أحمد محتويات الحقيبة الرمضانية التى توفِرها جمعيته للأسر محدودة الدخل التابعة لها، فيما يقدِر بدقة المدى الزمنى لقدرتها على سد الحاجات الغذائية للأسر فى الشهر الكريم مقابل عدد أفراد كُل أسرة «الأسرة من 4 لـ6 أفراد تقضيهم الشنطة 10 أيام.