x

د. ياسر عبد العزيز بخصوص حجب المواقع الإلكترونية د. ياسر عبد العزيز السبت 27-05-2017 21:27


أثار قرار الحكومة حجب 21 موقعاً إلكترونياً إخبارياً، فى الأسبوع الماضى، جدلاً كبيراً، لينقسم الناس حوله بين مؤيد يعتقد أنه أول الطريق لمكافحة المحتوى الداعم للإرهاب عبر وسائط الإعلام، ومعارض يرى أنه اعتداء على حرية الرأى والتعبير.

عند تحليل المواقف التى تم اتخاذها حيال قرار الحجب، نجد أنها صارمة وحادة بدرجة كبيرة، كما أنها لم تترك مساحة لتحليل القرار ولم تسع إلى اقتراب موضوعى شامل إزاءه.

تشير المواقف التى تم إعلانها فى هذا الصدد إلى آراء أصحابها فى نظام الحكم أو توجهاتهم الأيديولوجية أو مصالحهم، بأكثر مما تشير إلى مراجعة موضوعية لقرار مثير للجدل يتم اتخاذه فى أوقات توتر وتضاغط سياسى. يقول معسكر رفض القرار إن هذا الحجب ليس إلا استمراراً لمسلسل القمع والكبت الذى تمارسه الحكومة تجاه أى صوت معارض، وإن الحكومة استغلت تفجر الأزمة مع قطر لكى تصفى حساباتها مع مواقع معارضة ولا تمت بصلة للإرهاب أو تنظيم «الإخوان»، وإن هذا المنع «خطير واعتداء على الدستور وانتهاك لحرية الرأى والتعبير». لكن المؤيدين يرون أن القرار حكيم، ويتيح للدولة التخلص من تداعيات «قيام تلك المواقع بتأييد الإرهاب»، وأنه يجب أن تتلو تلك الخطوات خطوات أخرى فى الاتجاه ذاته. من جانبى، سأسعى إلى مقاربة موضوعية لهذا القرار تستعرض جوانب مهمة فيه قد يكون الاهتمام بها تراجع فى أجواء الانقسام المبدئى حياله.

أولاً: إن التعديلات الدستورية التى تم إقرارها فى يناير 2014 تحظر مصادرة أو وقف أو إغلاق وسائل الإعلام، لكن قانون الطوارئ، الذى نعيش فى ظله الآن، بسبب إعلان حالة الطوارئ، منذ إبريل الماضى، يتيح ذلك.

ثانياً: فيما يتعلق بتغطيتها الأوضاع المصرية تحديداً، لا يمكن النظر إلى منصات «الجزيرة» باعتبارها وسيلة إعلام، إذ كانت تلك المنصات بمنزلة أدوات دعاية لتنظيم «الإخوان» وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى، كما سعت، بكل وضوح، إلى تقويض الدولة وزعزعة استقرارها، عبر محتوى يثير الكراهية، ويحرض على العنف، ويختلق الوقائع، ويشوه الحقائق.

ثالثاً: بعض المواقع التى تم إغلاقها يتبع تنظيم «الإخوان» مباشرة، أو يُمول من جانب الحكومة القطرية، ويقدم محتوى يهدد الأمن القومى المصرى.

رابعاً: تقوم بعض دول العالم المتقدمة بإيقاف وتعطيل وسائل الإعلام أو البرامج التى ترى أنها تهدد أمنها القومى أو تخالف الأكواد التى تعلنها لتنظيم الممارسة الإعلامية، وهناك عشرات الأمثلة التى تدعم ذلك، لكن تلك الدول تفعل ذلك من خلال هيئات مستقلة ذات طبيعة فنية، وليس بواسطة السلطة الإدارية.

خامساً: إن الأوضاع الأمنية فى مصر حساسة، خصوصاً فى ظل تصاعد التحدى الإرهابى، ولا يجب التساهل إزاء أى منصة إعلامية تقدم ذرائع الإرهابيين أو تروج لهم.

لكن على الجانب الآخر ثمة ما لا يمكن تجاهله، ومنه:

أولاً: إن الحكومة لا تمتلك الذرائع الأخلاقية اللازمة لوقف بث تلك المواقع، لأنها تتغاضى عن ممارسات مشينة تقوم بها وسائل إعلام مؤيدة لها، ومن بين تلك الممارسات ما يحرض على العنف ويثير الكراهية أيضاً.

ثانياً: توسعت الحكومة جداً فى تقييم المنصات التى يمكن أن تكون خطرة أو داعمة للإرهاب، بحيث عاقبت أيضاً منصات أخرى تُظهر استقلالية وقدراً معقولاً من المهنية، بغرض إسكات أصوات معارضة، مثل موقع «مدى مصر» وغيره.

ثالثاً: إن إغلاق تلك المواقع لن يسكتها تماماً، لأن طبيعة المشهد الاتصالى الراهن تتيح لها العودة عبر تقنيات معينة أو البث عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى.

رابعاً: إن إسكات كل المواقع التى ترى الحكومة أنها مؤيدة للإرهاب أو داعمة له أو تابعة لدولة قطر لن يحل مشكلتها الإعلامية، والتى يتمثل أحد أوجهها فى تراجع قدرتها على الإقناع فى ظل تردى أداء المنظومة الإعلامية الوطنية، وخضوعها شبه الكامل لرؤية السلطة التنفيذية، وتقلص التعدد والتنوع اللازمين إلى درجة قياسية.

خامساً: إن الجمهور لا يستكين لرسائل إعلامية تأتيه من مصدر واحد بصوت واحد ورأى واحد، ولذلك فإن التوسع فى الإغلاق والحجب سيأخذ هذا الجمهور إلى قنوات أخرى يمكن من خلالها أن يتزود بمحتوى ينطوى على درجة مناسبة من التعدد ويتيح النقد ويبتعد عن التطبيل والتهليل. والشاهد أن قطر بالفعل شنت عدواناً إعلامياً ضد مصر بـ«الجزيرة»، وأن من حق أى دولة أن تحظر الرسائل الإعلامية التى تهدد أمنها القومى، خصوصاً إذا كانت تدعم الإرهاب، لكن ذلك يجب أن يحدث بحذر شديد، وأن يراعى التفرقة بين الأصوات الإرهابية والأصوات المعارضة. والأهم من ذلك أن الحكومة يجب أن تستخدم معياراً واحداً لمحاسبة الانفلات الإعلامى، سواء كان يصب فى صالحها أو ضدها، وأن الانفتاح والتعدد والتنوع وتشجيع الآراء الناقدة والمعارضة دليل صحة وحيوية للدولة والمجتمع.. وضرورة أمنية ومصلحة وطنية أيضاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية