الذين نقلوا لنا مشهد هدم فيلا أحمد نظيف فى البدرشين، باعتباره دليلاً على أنه لا أحد فى البلد فوق القانون، لم يكونوا أمناء مع المصريين!
فالدكتور نظيف رئيس وزراء سابق، ولا يملك سلطة من أى نوع، وبالتالى فهدم الفيلا التى يملكها لا يحتاج إلى كل هذا التصوير المباشر على الهواء، لأن هدمها من أسهل ما يكون، ولأن الذين ذهبوا لهدمها كانوا متأكدين تماماً من أن أحداً هناك لن يقاومهم، ولن يقف فى طريقهم، ولن يسألهم عما يفعلون!
كان من الوارد أن يكون المشهد دليلاً على إنفاذ القانون على الجميع لو أن الفيلا يملكها المهندس شريف إسماعيل مثلاً.. أو يملكها واحد من أصحاب النفوذ والسطوة والقوة، وهى أشياء يظل نظيف مُجرداً منها كلها، ولا بطولة لذلك فى الموضوع من أوله إلى آخره!
ولابد أن كثيرين ممن طالعوا منظر فيلا رئيس الوزراء الأسبق وقد تهدمت قواعدها فمالت على الأرض، قد تساءلوا بينهم وبين أنفسهم: أين بالضبط رأوا هذا المنظر ذاته من قبل؟!
ولو أن أحداً منهم حاول أن يتذكر فسوف يكتشف أنه رأى المنظر نفسه متكرراً مرات ومرات، على طريق القاهرة- الإسكندرية الزراعى.. فلا تكاد تقطع مئات الأمتار على هذا الطريق حتى تطالع عيناك بيتاً مالت أركانه هنا، أو مبنى تهدمت قواعده هناك، ثم يبقى الأمر على هذه الصورة سنين وسنين، وكأن هذا هو القصد من إزالة التعديات على أرض الدولة، أو كأن هذا هو الهدف!
الهدف ليس أبداً تحويل البيت المخالف، أو المبنى المعتدى على أملاك الدولة، إلى خرابة، ثم تركه هكذا لسنوات كما هو الحال على جانبى الطريق الزراعى لأكثر من مائتى كيلومتر!.. الهدف هو إزالة المبنى المخالف بالكامل، لينتفع صاحب الأرض بها، أو تنتفع الدولة إذا كانت هى المالكة.. أما أن يميل المبنى على أحد جوانبه، ثم يتعايش الناس مع هذا القبح، ولا يجدون فيه أى غرابة، فهذا ما لا تجد له مثيلاً على جانبى أى طريق ممتد فى أنحاء العالم!
وعندما صدر بيان عن لجنة استرداد أراضى الدولة يطلب من المحافظين عدم إزالة الأرض المثمرة، توقعت على الفور أن يكون هذا قد حدث، وعلى مستوى مساحات كبيرة، وتوقعت أن يكون المسؤولون الذين تلقوا تعليمات بإزالة الاعتداءات على أرض الدولة قد اندفعوا فى التنفيذ دون أى تفرقة بين أرض مزروعة ومثمرة لا يجب تخريبها، بل لابد من حمايتها، وبين أرض أخرى فضاء، لا مشكلة فى التعامل معها على أى صورة!
زارع الأرض الجاد يجب أن نكافئه، حتى ولو كان قد اعتدى عليها، لا أن نعاقبه، فنكون قد عاقبنا أنفسنا جميعاً فى حقيقة الأمر دون أن ندرى!.. فلا شىء متوافرا لدى مصر أكثر من الأرض التى نملك منها مليوناً من الكيلومترات المربعة، وفى لغة أخرى أوضح، نملك منها ٢٤٠ مليون فدان، ومع ذلك هناك شعور لدى الغالبية من الشعب بأننا أفقر الناس فيها!
علينا أن نرسخ، لدى الجميع، أن أسهل إجراء هو أن تحصل كمواطن على أرض تزرعها، أو تبنيها، وأن يكون إجراء كهذا حقيقة ممكنة ومتاحة، لا كلاماً معلقاً فى الهواء، فلا شىء يربط المواطن ببلده سوى أرضه التى تحت يده!