الأربعاء الماضى، حذرت السفارة الأمريكية بالقاهرة رعاياها من عمل إرهابى، العملية الإرهابية فى المنيا تمت بعد أقل من 48 ساعة من التحذير، ليست المرة الأولى، كما التحذيرات الإسرائيلية العديدة أيضاً للإسرائيليين من زيارة سيناء قبيل وقوع عمليات إرهابية بالفعل، يبدو أننا لا نتوقف كثيراً أمام تلك التحذيرات، التى كان يجب أن تؤخذ على محمل الجد، ليس ذلك فقط بل كان يجب أن نطلب تفاصيل المعلومات، التى توصلوا إليها مبكراً قبل أصحاب الدار، فإما أن نتعلم ونستفيد منها، وإما أن نعى خيوط علاقتهم بالفاعل مادام هناك ما يُطلق عليه «التنسيق الأمنى» بيننا وبينهم، أو ما هو أكثر من ذلك، وهو التعاون الأمنى، وإلا فعلى ماذا نتعاون؟!
أتصور أن وزارة الداخلية يجب أن تصدر تقريراً حول ملابسات هذه العملية الأخيرة تحديداً، والتى كان معظم ضحاياها من الأطفال الأبرياء، ماذا فعلت بعد صدور التحذير الأمريكى، وكيف تعاملت معه، وفى أى اتجاه سارت، وكيفية تعاملها مع مثل هذه التحذيرات بشكل عام، ولماذا لا تصدر التحذيرات من مصر قبل أن تصدر من آخرين مادام الأمر يتعلق بشأن مصرى، وإلى متى سوف نظل نتلقى تحذيراتنا من الخارج، وإلى متى سوف يظل الأبرياء يسددون فواتير سياسية لا دخل لهم بها؟!
أذكر فيما قبل 25 يناير 2011، أى خلال سنوات الفساد، وخلال سنوات الوزير الأسبق المطارَد حبيب العادلى، كانت مصر هى التى تحذر الآخرين، أكثر من دولة عربية تلقت تحذيرات مصرية بوجود تنظيمات سرية لديها، ليس ذلك فقط، بل بوقوع عمليات إرهابية وشيكة تم تلافيها بالفعل، أذكر أنه تم تحذير أكثر من دولة غربية أيضاً، الولايات المتحدة نفسها استفادت من مصر كثيراً فى هذا الإطار، كانت هناك منظومة مشهود لها اسمها «أمن الدولة»، قبل أن يتم تخريبها بفعل فاعل، فى إطار تصفية حسابات لم تعد سراً، كان هناك جهاز أمن عام حقيقى يعمل بروح وطنية، قبل أن يتم كسره لأسباب معلومة أيضاً، كان هناك جهاز شرطة حقيقى يمكن الاعتماد عليه، بالتأكيد كانت له سلبياته المتعلقة بهدر حقوق الإنسان، التى لم يتم تلافيها حتى الآن، إلا أنه كان أعلى كفاءة بكثير مما نحن عليه الآن.
التحذيرات الأمريكية والإسرائيلية من عمليات إرهابية وشيكة بمصر أصبحت تجد اهتماماً شعبياً أكثر منه رسمياً، أصبح المواطن يتابعها ويخشاها ويتعامل معها، بل يحلل ملابساتها، فى الوقت نفسه أصبح المواطن يتعجب من عدم التعامل الرسمى معها، بدليل وقوعها بهذا الشكل المريع، إلا أن الشك أصبح يراود كل المتابعين والمراقبين، كيفية وصول كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تحديداً إلى مثل هذه المعلومات الخطيرة، بالتأكيد ليس عن طريق ضرب الودع، أو قراءة الكف، أو حتى قراءة الفنجان، هناك عملاء كما هناك مخبرون كما هناك خبراء، وماذا ينقصنا إذن؟! ما أكثر عملائنا ومخبرينا وخبرائنا، إلا أن التركيز يبدو واضحاً فى اتجاهات أخرى لا تتعلق بأمن المواطن.
أمن المواطن أيها السادة لا يقل أبداً عن أمن أى مسؤول، أمن الشارع لا يقل عن أمن المنظومة السياسية، نحن هنا نتحدث عن أمن السياحة كما أمن الاقتصاد كما أمن الاستثمار، كل ذلك ينهار بانهيار أمن المواطن، ينهار بمقتل ٢٨ مواطناً لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون فى مصر، رأينا رؤساء وزارات يذهبون إلى مكاتبهم فى وسائل المواصلات العامة، رأينا وزراء يتوجهون إلى أعمالهم على دراجات هوائية، رأينا كبار المسؤولين فى دول كثيرة من العالم يفعلون ذلك، لسبب واحد فقط يجمع بينهم، وهو أنهم حققوا العدل، حققوا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فكان لهم ولمواطنيهم الأمن والأمان، حتى الدول التى ابتُليت بالإرهاب لم يكن من فعل مواطنيها أبداً، بل كان بفعل مواطنى الدول التى تعانى الظلم وتعيش فى الفقر.
سوف أظل أتوقف طويلاً أمام التحذيرات الأمريكية الإسرائيلية فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية فى مصر، إلى أن نستطيع فك هذه الشفرة بين هاتين الدولتين وهذه العمليات أو تلك المعلومات، ذلك أننا لم نسمع تحذيرات مشابهة لبريطانيا حول عمليتى لندن ومانشستر الأخيرتين، أو تحذيرات مشابهة لألمانيا أو فرنسا قبل وقوع أكثر من عملية إرهابية هناك، أو حتى تحذيرات مشابهة قبيل وقوع عمليات من هذا النوع داخل إسرائيل نفسها، فى دليل واضح على أنها عمليات مفاجئة، لماذا كانت العمليات الإرهابية فى مصر هى التى تسبقها معلومات مؤكدة هكذا؟!!
على أى حال، أخشى ما أخشاه أن نظل نعلق فشلنا على شماعة الدين، ذلك أن الأمر لا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، نحن أمام مشكلة سياسية من الألف إلى الياء، وبالتالى لم يعد مقبولاً استمرار أو تكرار مثل هذه النكبات دون مواجهة علمية تضع فى الاعتبار كل مجريات الأحداث فى مصر، وذلك قبل أن تصبح مثل هذه الأنباء الكارثية اعتيادية كما هو حال الأنباء القادمة من سيناء على مدى ثلاث سنوات مضت، أطفال تتيتم، وزوجات تترمل، وأمهات ثكلى، وأسر تتمزق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.