أعتبر الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، أن «صلاح الدين الأيوبى، من أعظم شخصيات التاريخ، وحالة فذّة بكل المقاييس». وأوضح «النمنم»، خلال حواره مع «المصرى اليوم»، أن القائد الكردى «وحّد العالم العربى، وأحيا العروبة، واستطاع إعادة الإسلام السنّى إلى المنطقة، وحرر القدس واستطاع رد الهجمة الغربية، وانتبه لموقع مصر وقيمتها ودورها».
وقال: إن الهجوم على الأزهر المستفيد الأول منه الآن هو «الإخوان والدواعش»، فهذا يصب لصالحهما، لأن الذى استن الهجوم على الأزهر منذ الأربعينيات كان جماعة الإخوان، ويمكنكم العودة إلى مقالات سيد قطب عامى 1950 و1951.. وإلى نص الحوار:
■ تعالت أصوات التكفير من جديد، وظهرت على السطح، كيف يمكن التصدّى لذلك، بالإشارة إلى واقعة تصريحات سالم عبدالجليل بشأن تكفير المسيحيين؟
- بشأن تصريحات «عبد الجليل» فالأمر قيد التحقيق ولن أخوض فيه والرجل اعتذر عن إساءة تصريحاته إلى المسيحيين لكنه لم يعتذر عن الكلام نفسه، وبشكل عام لا ينبغى الخوض فى عقائد الآخرين، خاصة إذا كنا نتحدث من منبر إعلامى متاح للعامة، فهناك ضوابط علمية ومنهجية لتناول العقائد.
فنحن فى البرامج الإعلامية المتاحة لعوام الناس نتحدث فى العموميات، وفى مسألة الدين بشكل عام، نفرق بين شيئين، فالدين كعقيدة متاح للناس كلها، لكن حين يتحول إلى علم فإن له ضوابطه ومناهجه، ففى صحيفتكم من الممكن أن تنشر مقالا لأى أحد، لكن ليس كل من يقول تصريحا يمكن أن يؤخذ به، لأن هناك معايير للخبر.
وأصبح هناك الآن عرف إنسانى وعالمى وهو عدم الخوض فى عقائد الآخرين، لأن العقيدة ليست قضية نتعامل معها بالمنطق والعقل، أو معادلة رياضية، لأننا إذا تعاملنا فى الإسلام بمنطق العقل فكثير من المستشرقين لا يستوعبون أن القرآن الكريم وحى من عند الله، لذلك يقولون إنه من تأليف سيدنا محمد، وعندما يُطبع القرآن فى الغرب يُكتب (القرآن الكريم تأليف محمّد)، ذلك لأننا نظرنا فى العقيدة بمنطق العقل، لكن العقيدة بها جزء وجدانى وجزء يتعلق بالإيمان، إضافة للفهم الروحى، لا يجوز أن أنازعك فيه أو أناقشك فيه، لأن أى نزاع أو نقاش بهذا المعنى، يكون فى حد ذاته اعتداء على وجدانك وعقيدتك بغض النظر إذا كنت أرى عقيدتك على صواب أو خطأ، وسأعطى نموذجا بزيارة قمت بها إلى مدينة شيناى جنوب الهند، وهذا البلد كما هو معروف نموذج لتعايش الأديان وبه كل العقائد، وكنت فى جلسة مع وجهاء المدينة فطلبوا أن أُلقى كلمة، وكان معنا أحد المتخصصين فى علوم الدين وكان وكيلًا لوزارة الأوقاف، فاعتذرت عن الكلمة له، وافتتح كلامه بالنار وعذابها، فهمست له بالتوقّف عن هذا لأن هؤلاء يعبدون النار، فاستجاب وشكر لى لفت النظر، ثانيًا، فى آخر ركعة فى كل صلاة نذكر التشهد، فمن هم «آل إبراهيم» الذين أُمرنا بالدعاء لهم فى كل صلاة؟ هم المسيحيون واليهود، فالديانات الإبراهيمية ثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلام وهى 3 حلقات تكمل بعضها، وفى كل الأحوال من المفترض أن يكون هناك ميثاق شرف إعلامى، لأنه أحيانًا تحدث فلتات تكون ذات طابع عنصرى.
■ فى كل أزمة يتم الحديث عن تجديد الخطاب الدينى، لكن على الأرض لا نرى تحركًا ملحوظًا؟
- التجديد ليس للخطاب الدينى فقط، لكن للفكر الدينى كله، وهذه ليست مهمة الأزهر وحده ولا رجال الدين وحدهم، لكن مهمة كل الأطراف، المثقفين وأساتذة الجامعة والباحثين والصحافة والإعلام إلى جانب رجال الدين، فتجديد الفكر أو الخطاب الدينى له شقان، عملى على الأرض وهو يتم بنجاح فى مصر، ونظرى، فالعملى نستدل عليه مثلًا بهبّة المجتمع كله ضد تصريحات سالم عبدالجليل وهو أمر يؤكد أن هذا المجتمع لا يقبل مثل هذه الأمور، ومثلًا فى «عيد الميلاد» يذهب رئيس الجمهورية إلى الكنيسة ويهنئ المواطنين المصريين المسيحيين، ويتحدث عن أنه فى بيت من بيوت الله، فهذا يدعم المواطنة والتجديد، وأيضًا أن يتم تكليف القوات المسلحة بتجديد الكنائس، نوع من التجديد أيضًا وهو أن الدولة تقول إن دور العبادة عامة من مسؤوليتها، وفيما يخص الجزء النظرى، لا نحتاج به تجديدا فقط لكن إلى ثورة فكرية ومفاهيم جديدة تناسب هذا العصر، وأن نأخذ خطوات جديدة، وسأعطى نموذجًا على هذا فالخديو إسماعيل حين جاء لحكم مصر كانت هناك تجارة الرقيق ليس فى مصر فقط لكنها كانت منتشرة كظاهرة إنسانية، والقرآن الكريم لا يحبّذ الرق، والقرآن والرسول قدما التحفيز والدوافع الإيجابية للحد من هذه الظاهرة، لكن لم يحرمها القرآن، والخديو إسماعيل عندما أصدر قانونًا بتحريم الرق، استجاب المجتمع ولم يقل أحد إن هذا خروج عن نصوص الدين، لأن الإسلام فى جوهره دين يدعو إلى الحرية، وسيدنا محمد عندما أعلن الدعوة فى مكة دعا إلى تحرير العبيد وسنجد أن من وقف ضد دعوته الأغنياء أى الأحرار، لذا نحتاج الآن إلى ثورة من هذا النوع، لذا لم يعد مقبولا أن نتحدث عن المسيحيين بهذا الشكل، لأن هذا يعطى مشروعية لمن يتحدث عن الإسلام بهذه الصورة فى الغرب، وأيضًا لمعاملة الأقليات المسلمة فى بلاد أخرى بتلك الطريقة، وأظن أن هذا التغيير يحتاج لوقت.
■ فى ظل هذا التغيير والثورة التى نحتاجها، شهدنا هجومًا ضاريًا على الأزهر فى الفترة الأخيرة، كيف ترى هذا؟
- كتبت فى فبراير الماضى فى جريدة «المصرى اليوم» مقالا بعنوان «خطورة الهجوم الحاد على الأزهر»، فالأزهر إحدى مؤسسات الدولة ينبغى الحفاظ عليها، وهو مؤسسة مدنية تعمل فى شؤون الدين، وهذا لا بد أن نفهمه، وأنا أنظر للهجوم على الأزهر فى إطار الرغبة لدى الناس فى الهجوم على مؤسسات الدولة، ففى الواقع الفرق بيننا وبين ليبيا، أن الأخيرة لم تمتلك مؤسسات لذا حدث ما حدث هناك، فنحن لدينا مؤسسات موجودة منذ عصر محمد على، فأنا ضد الهجوم على المؤسسات، والهجوم على الأزهر المستفيد الأول منه الآن هو «الإخوان والدواعش»، فهذا يصب لصالحهما، لأن الذى استن الهجوم على الأزهر منذ الأربعينيات كان جماعة الإخوان، ويمكنكم العودة إلى مقالات سيد قطب عامى 1950 و1951 كانت كلها هجوما على الأزهر ورجال الدين، لكن أنا ضد هذا الكلام، وضد الهجوم على شيخ الأزهر، فهذا ليس مقبولا بأى حال، لكن أن الأزهر لا يلبى طموحات كل الناس؟ فهذا يصبح محل حوار مع الأزهر ونطرح حلولا لقضايا عديدة تستوجب أن تحسم، فنحن بحاجة فى كثير من القضايا أن نشتبك فيها مع علماء الأزهر ونصل إلى حلول لصالح البلد، وهذا ليس معناه هدم الأزهر أو هذا الهجوم الذى كان فى بعض الحالات مستفزًا، فحين وقعت حادثتى الكنيستين لم نجد برنامجا إعلاميا فى مصر، وجّه الاتهام إلى الإخوان، وأصبحت الجماعة بريئة والجماعات التى تحرض على المسيحيين بريئة، وأصبح المتهم رقم واحد هو شيخ الأزهر شخصيًا، هل يعقل هذا، هل كان مقصودًا كتصفية حسابات مع شيخ الأزهر شخصيًا؟ أم لتبرئة تلك الجماعات؟ فإذا نظرنا إلى تفجير الشانزليزيه فى باريس، لم نجد أحدًا يتهمهم، لكنهم يعرفون بوجود عناصر إرهابية، إذًا هناك إرهابى سنقوم بالبحث عنه، لكن ما يحدث تجاه الدكتور أحمد الطيب عيب، فأنا شخصيا حضرت معه مؤتمر المواطنة الذى قال فى ختامه كلمة لا بد أن نباهى بها الدنيا كلها فى الدفاع عن الدولة الوطنية، فهذه الحملة ضده تصب فى مصلحة الإخوان والجماعات المنشقة منها.
■ أين دور الثقافة والمثقفين فى مواجهة هذا الفكر المتطرف؟
- لولا الأنشطة الثقافية والفنية والجهود التى تبذلها وزارات الأوقاف والشباب والثقافة، لم تكن مصر لتظل صامدة، وأنا أزعم برغم كل شىء أن التطرف والتشدد يتراجع فى مصر.
■ وما هى أدلتك على تراجعه؟
- فى السابق حادثة مثل ما قال سالم عبدالجليل كان يُقال يوميًا ويمر، لكن أن يعترض المجتمع بهذا الشكل، ويخرج الرجل بعد ساعات ليعتذر على شاشات الفضائيات، لم يحدث فى قبل، وهذا معناه أنك فى مجتمع شديد الوعى والحساسية، وإذا عدنا إلى كمية الإنتاج الأدبى الذى يصدر فى مصر يوميًا يقول إن التطرف والتشدد فى تراجع كبير، فكثير من الظواهر التى يشهدها المجتمع حاليا يجب الوقوف عندها وتحليلها، فالأمر لدينا ليس بالشكل الذى نتصوره، فالإرهاب يوجد لدينا كما هو موجود فى فرنسا وغيرها من دول العالم المختلفة، فعلى سبيل المثال وجدوا منذ أيام فى لندن تنظيمين من فتيات للقيام بعمليات إرهابية، وهذه أيضًا باريس، والتى ما زال يُنظر إليها على أنها المعقل الثقافى الأول على مستوى العالم، فالإرهاب فى تصورى تدعمه جماعات عالمية من أجل تجارة السلاح وأشياء أخرى كثيرة.
■ وزارة الثقافة تمتلك أذرعا منتشرة فى أرجاء الدولة وهى قصور الثقافة، لماذا لا يتم تفعيل دورها فى مواجهة الفكر المتطرف؟
- أنا معترض بشدة على اختزال الوزارة فى الثقافة الجماهيرية، وعلى اختزال الثقافة فى مصر فى الثقافة الجماهيرية، وعلى تصور أن الثقافة الجماهيرية هى التى ستحل مشاكل التطرف والإرهاب، وإلا لو كان هذا الكلام صحيحا، فكيف انتشر التطرف من الأساس، فنحن نقول إن الثقافة الجماهيرية كانت فى أوجها فى الستينيات والسبعينيات، فكيف اغتيل كل من الرئيس السادات، والشيخ الذهبى، ولماذا عشّش التطرف والتشدد فى كل محافظات مصر فى تلك الفترة، فهل نسينا ما حدث فى أسيوط عام 1981، وما كان يحدث لبيوت الأقباط فى أسيوط والمنيا. ونحن لدينا فى قطاع الثقافة الجماهيرية قصور ومراكز وبيوت ثقافة مجموعها 588، منها 17 تحت التجديد هذا العام وستدخل الخدمة قريبًا، وهناك 14 منها مهدومة تمامًا، بعضها منذ 20 عامًا، وهذا لأسباب مالية، والذى يعمل بكامل طاقته منها 488، إنما ما يُقال عن أن قصور الثقافة أصبحت خرابات هذا الكلام كذب.
■ لكن وجود الإرهاب فى الفترات التى ذكرتها، وما حدث، لا ينفى دورها المهم والحيوى؟
- أنا لا أنفى دورها، لكن ما حدث هو تكثيف الحملات الإعلامية على الثقافة الجماهيرية، وقد أدت إلى أمرين، أولا إحباط فى قطاعات الوزارة الأخرى، التى أصبحت تظن أنها مهما قدمت لن يلتفت إليها أحد، ثانيًا زيادة معدلات الفساد فى الثقافة الجماهيرية، فهم يقولون «أنا كل الناس باصة عليا هتدفع لى وإما كذا»، وأصبحت أواجه يوميًا بإلزامى بتعيين جُدد فى الثقافة الجماهيرية وإعطاء امتيازات مالية لآخرين، لأنهم يقولون إن الصحافة لا ترى غيرهم، وبالتالى أصبح الاهتمام منصبا على الثقافة الجماهيرية، وينتهى الأمر بأن أرسل إحدى الفرق من القاهرة إلى أحد قصور الثقافة فى عام 2015، فيقطع العاملون هناك التيار الكهربائى عليهم، فتواصلت مع المحافظ، فتم تشغيل التيار، فقالت الصحف كيف يُسمح للمحافظ بدخول قصر ثقافة، وكان سبب قطعهم التيار أنهم بوجود تلك الفرقة لن يحصلوا على إضافى 100%، وكان هناك مدير لأحد قصور الثقافة حين توليت الوزارة، حاصل على إعدادية، وعندما عزلته من منصبه، اعترض نائبان من مجلس النواب، وحينها وقفت الصحافة إلى جانب المدير المعزول، وقالت إحدى الصحف وقتها إنه مظلوم، وهو حاصل على إعدادية.
لكن بإمكانياتنا المحدودة نعمل، ولدينا فرق نفاخر بها العالم، مثل فرقة سوهاج التى أبهرت المكسيك، وفرقة أسيوط وتوشكى، والتنورة فى الأقصر من الفتيات فقط، وهى لا توجد فى أى مكان فى العالم، وأشاد بها العالم أجمع، ولكن ما يُقال حول فشل الثقافة الجماهيريّة ظلم كبير.
■ كانت لك ندوة منذ أيام حول إعادة قراءة التاريخ، كيف نعيد هذه القراءة، وسأشير فى ذلك إلى واقعة تصريحات الكاتب يوسف زيدان بشأن صلاح الدين الأيوبى؟
- التاريخ بحاجة إلى إعادة كتابة وقراءة، لكن من الممكن أن نراعى فى ذلك عدة أشياء على رأسها أنه يجب ألا نحاكم شخصية ولا أقيّمها فى لحظة تاريخية معينة بمعايير وقيم لحظة أخرى، بمعنى مثلًا أنا واحد من الناس فى رأيى أن حروب الردّة أنقذت الإسلام بالكامل، ولولا الموقف الذى اتخذه الخليفة الأول أبوبكر الصديق فى مسألة حروب الردة، ربما ما بقى الإسلام، وموقف القائد الفذ العظيم خالد بن الوليد يُحسب له فى هذا الأمر، وإذا قيّمنا هذه اللحظة بمعيار اليوم، فسنُدين «الصديق» واللحظة التاريخية بالكامل، فلابد أن ننتبه ألّا نقيّم مرحلة بمعايير أخرى، فأنت تدرس شخصية أو مرحلة فى ضوء الظروف التى تعيشها وما تم وقتها، وشخصية صلاح الدين الأيوبى من أكثر الشخصيات التى تجد إشادة فى الثقافة الغربية، إلى درجة أن «دانتى» فى الكوميديا الإلهية وضع صلاح الدين فى مكانة كبيرة، وهناك خلاف تاريخى حول صلاح الدين، فنقطة الذروة لديه هل هى معركة حطين وتحرير القدس، فبعض الناس يرون عظم هذا الأمر والبعض لا يرونه هكذا، وهناك أيضًا من يرى عظمته فى إعادة الإسلام السُنّى إلى مصر والمنطقة العربية بالكامل، بإسقاطه الدولة الفاطمية التى كانت تمتد من اليمن والحجاز والشام ومصر وحتى حدود المغرب، وفى وسط هذا كله تُقال أشياء مثل أنه فى عهده قُتل الشاعر «عمارة اليمنى» وكان شاعراً شيعياً، وأنه فى عهده حدث كذا وكذا، وهذه أشياء جانبية لا يجب أن تُغفل ولكن يجب وضعها فى إطارها العام، فصلاح الدين الأيوبى فى رأيى من أعظم شخصيات التاريخ، وحالة فذّة بكل المقاييس، فهذا مواطن كُردى وحّد العالم العربى، وأحيا العروبة، واستطاع إعادة الإسلام السنّى إلى المنطقة، وحرر القدس واستطاع رد الهجمة الغربية عن المنطقة بالكامل، هذا رجل انتبه لموقع مصر وقيمتها ودورها، وبالتالى هو فى الإطار العام، شخصية عظيمة بكل المقاييس، وإذا قرأنا وصيته لابنه فى ليلة موته، قال له فيما معناه، «إياك والدم فإن الدم لا يموت، وصالح الناس فما بينك وبينهم لن يتصالحوا فيه، أما ما بينك وبين الله فإنك ستتوب عنه»، فعندما تحلل تلك الوصية، يجب أن تقف بعظمة أمام ذلك الرجل، وليلة وفاته لم يجدوا فى جيبه ما يكفى لكفنه، حيث لم يكن يمتلك أكثر من 77 درهماً، وعندما ترى قبره فى دمشق فى المسجد الأموى، ستجده بسيطاً ومتواضعاً.
■ تطرقت فى الندوة أيضًا إلى التاريخ القبطى، هل ظُلمت تلك الفترة تاريخياً؟
- عندما بدأ طلاب الجامعة المصرية فى دراسة التاريخ، لم تكن بها مادة للتاريخ الإسلامى، لأننا أخذنا بالتقسيم الغربى للتاريخ، الذى يقسم إلى قديم وعصور وسطى وتاريخ حديث، وتلك الوسطى تشمل العصور المظلمة فى أوروبا ويدخل ضمنها التاريخ الإسلامى والقبطى، وبالتالى ينبغى أن نقدم تصورنا للتاريخ، فالمرحلة القبطية كانت تدرس على الهامش على أنها جزء من تاريخ مصر الرومانية، لذا فقد آن الأوان ألا نسمى العصور بحكامها، فلماذا لا يكون عصر الفراعنة نطلق عليه العصر المصرى بدلًا من نسبه إلى الفراعنة وهم حكام تلك الفترة، وكذلك تسمية العصر الرومانى بهذا الاسم فيما يمكن أن نطلق عليه العصر القبطى، ثم نقول بلا حرج أو خجل مصر الإسلامية، لكن حتى الحقبة القبطية ظُلمت على مستويين، الأول هو أخذنا بالتقسيم الغربى للتاريخ، والثانى هو اعتمادنا على الكتب المصرية التى أصدرها رجال الكنيسة أو المؤرخون المسيحيون، وما كانوا يؤرخون للتاريخ القبطى لكن يؤرخون لتاريخ البطاركة.
■ 500 عام مرت على دخول العثمانيين إلى مصر، البعض كان يتحدث عن إقامة احتفالية بخصوص هذا، هل يمكنك التوضيح؟
- أولًا أنا لا أسميه دخولًا وإنما الاحتلال العثمانى لمصر، وهى ليست احتفالية، المجلس الأعلى للثقافة ولجنة التاريخ بالاتفاق مع الجمعية المصرية للدراسات التاريخية تعد لمؤتمر علمى بمناسبة مرور 500 سنة على الغزو العثمانى لمصر، لأن تلك المرحلة أثّرت كثيرًا فى مصر، ونحن فى أشد الحاجة لأن ندرسها لأننا إلى اليوم مازلنا ندفع فواتير هذه المرحلة، حتى اللحظة التى نتحدث فيها الآن، فالغزو العثمانى لمصر- وأصر على كونه غزوا واحتلالا- أسقط الدولة المصرية، وبعد أن كانت سلطنة وحاكمها يسمى سلطاناً ويحكم مصر والشام ومنطقة البحر الأحمر، تحولت مصر إلى مجرد ولاية أو «إيالة» عثمانية يأتيها الحاكم من إسطنبول، والدولة العثمانية أعادت تقسيم مصر وضمت العريش وغزة فى ولاية واحدة، وظل الحال على هذا النحو إلى أن جاء محمد على وكان من أهم ما فعله هو إعادة ترسيم حدود مصر على النحو الحالى، وأيضًا كانت الإسكندرية تتبع إسطنبول إدارياً وليست القاهرة، وكان يأتيها «والى» من إسطنبول وتُرسل ضرائبها إلى هناك، وهذا حدث فى بعض مناطق الصعيد مثل نجع حمادى وجرجا، وبالتالى فتتوا البلد جغرافيًا، ولهذا عندما نقول إن محمد على أعاد بناء مصر فهو شىء عظيم، لذلك نعد لمؤتمر علمى ندرس فيه كل هذه الأشياء، لأن الأفكار التى جاء بها سليم الأول وغزا بها مصر هى التى يرددها جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية إلى اليوم، فهو جاء بفتوى أن مصر أصبحت ديار كفر، والشعب المصرى كافر ويجب غزوه ونهبه، وحدث ما حدث.
■ الرئيس التركى الآن يحاول إعادة ذلك من جديد؟
- هذا موضوع آخر، وأنا فى أول كتاب لى، كان «أيام سليم الأول فى مصر» وكتبته عام 1992، وتحدثت فيه عن العثمانيين الجدد والعثمانية الجديدة التى يُراد بعثها فى المنطقة.
■ هل تراجع دور مصر كمركز ثقافى إقليمى أمام مراكز أخرى مثل بيروت على سبيل المثال؟
- لا، فى حركة النشر لاتزال القاهرة أعلى معدل للنشر، سواء فى عدد دور النشر أو أرقام العناوين التى تصدر سنويًا، القاهرة هى الأعلى نشرًا فى المنطقة، وعلى مستوى الترجمة، فنحن تقريبًا نصدر عنوانًا مترجمًا كل يوم على الأقل، والمركز القومى للترجمة يصدر فى السنة حوالى 360 عنوانًا بمفرده، وفى وزارة الثقافة، نصدر كل يوم كتابًا مترجمًا على الأقل.