بداية ساخنة ومفارقة تكسر الحاجز المسرحى بين الممثلين والجمهور، لحد يصل إلى حد توريط الجمهور فى اللعبة المسرحية، فهو أيضا مدان، لأنه يشاهد مسرحية أجازتها الرقابة بعد سنين من المنع لتمنعها قوى الأمن الباطشة التى تتوجس خيفة من وعى الجمهور والمؤلف والمخرج، والممثلون مدانون جميعا، لأنهم شركاء فى عرض مسرحى يجترئ على النظام ويتحدث فى السياسة، كما أن الذهنية الأمنية التى يمثلها الضابط الذى انقض على العرض فى الافتتاح هى الذهنية ذاتها التى تقول بأن الديمقراطية «عند الأمن والحكومة» تعنى أن الحرية مكفولة للحكومة والأمن فى أن يفعلا أى شىء لحماية النظام، وأنها مكفولة لكل فرد «على مقاس الكرسى الذى يجلس عليه»، وأنها ليست «سداح مداح»، غير أن المخرج والمؤلف تحايلا على الضابط وأمكنهما إقناعه بتقديم العرض المسرحى تحت حصار قوته الأمنية التى داهم بها المكان ووافق الضابط «ضيق الفهم» مادام المسرح تحت الحصار، ومادام وعده المخرج والمؤلف بأن يلقى القبض عليهما إن تعرضت المسرحية للسياسة، على أن يقولا للجمهور إن العرض هو مجرد كوميديا وخيال وإنها تتحدث عن الأوضاع فى القرن الخامس والعشرين، ويذكر أن محسن الجلاد قد كتب هذا العمل الاستشرافى منذ سنوات، غير أن الرقابة لم تجزه إلا قبل عامين تقريبا، وكان من المقرر أن يخرجها فهمى الخولى ثم تعطل المشروع كما كانت هناك فرصة أخرى أمام هذا النص ليخرج للنور ليتم عرضه على خشبة المسرح القومى بإخراج لجلال الشرقاوى، غير أن أشرف زكى حال دون تحقق هذا- حسب ما ذكره محسن الجلاد- وكان الروائى علاء الأسوانى قد كتب فى تقديمه لهذا النص: «إنه عمل يكشف الاستبداد وكيف أن ثروات البلاد تذهب للحاكم المستبد وحاشيته فيما يتضور الشرفاء جوعا كما يسقط بعضهم فى بحر الرذيلة وكيف يستبيح الحاكم المستبد كل شىء من أجل السلطة والثروة حتى إنه يبيع أرض الوطن، وفى عهده تتوحش أجهزة الأمن التى اعتقلت وانتهكت الحرمات» ومحسن الجلاد- كما يعلم قراؤه- واحد من الوجوه المعروفة فى مجال الدراما التليفزيونية ومن أعماله التى عرضها التليفزيون: «لدواعى أمنية» و«قضية رأى عام» و«اغتيال شمس» و«قضية معالى الوزيرة» و«للثروة حسابات أخرى» وله فيلم «جواز بقرار جمهورى» وله نص مسرحى صدر قبل سنوات بعنوان «وادى الجن» غير عروض مسرحية سابقة لم تصدر فى كتب، وتدهشنا هذه التفاصيل الكثيرة التى رصدها الجلاد فى هذا العمل والتى تشكل فى مجملها مخاضا للانفجار الثورى العظيم الذى تعيشه مصر حاليا، ولعل كثرة التفاصيل كانت وراء طول النص المسرحى، غير أن الملاحظ هو تعاظم المذاق الدرامى والحوار الدرامى فى هذا النص بفعل امتلاء الجلاد بالدراما التليفزيونية، كما أن الشخصيات فى العمل منحوتة بدقة من الداخل والخارج ولعلنا صادفنا نماذج مماثلة لها فى حياتنا.. ويبدأ العرض بالمشهد الأول من الجزء الأول للمسرحية، بميدان عام من المقرر أن يمر منه موكب «الزعيم» ويجرى تأمينه أمنيا وتوزيع الأموال على الناس الذين سيصفقون ويهللون للزعيم عند مرور موكبه، ويتم تعليق لافتات الترحيب والتأييد للزعيم ومن هذه اللافتات نقرأ لافتة تقول: «يحيا الزعيم.. نبايع الزعيم زعيما إلى الأبد»، و«يعيش زعيم الرخاء والتقدم والازدهار»، وفى الميدان نرىثلاثة شباب يخططون لاغتيال الزعيم، ثم ينضم إليهم مخلص (المطرب وصوت الثورة)، والذى لم يكن يعلم بنية الشباب فى اغتيال الزعيم، فطريقه للخلاص مفروش بالأغانى وعلى الجانب الآخر سمير ودلال المتزوجان منذ فترة طويلة لكنهما لم يستطيعا شراء شقة، ويظل سمير على رفضه طلب سميرة بأن يكتب أغانى هابطة، وتقرر سميرة البحث عن عمل فيسألها سمير: «أين؟ إذا كانت لاتوجد فرصة عمل واحدة فى البلد؟» والدولة مقعدة ملايين من غير شغل بقالهم سنين والوظائف المحترمة كلها راحت لولاد الأكابر، ويدخل إلى المشهد عم عبده بأبنائه الثلاثة يعرضهم للبيع، لأنه لا يستطيع القيام بأعبائهم المعيشية، ثم يدخل عنتر القواد (الديوث) وزوجته سوسو الغانية ويعرضها على رجل الأمن، و«الأسعار على الكارت الشخصى» لكن رجل الأمن يصفعه على قفاه فالشرطة لا تدفع، ويمر موكب الزعيم ويتعرض لإطلاق النار فى ثالث محاولة اغتيال يتعرض لها خلال عام واحد، ويسأل الزعيم: «معقول شعبى بيكرهنى للدرجة دى؟» لكن كبير الوزراء ينفى ذلك بشدة ويصف هؤلاء بـ«الشرذمة» وأنهم «من الجماعات اليسارية والدينية المتطرفة»، وفى قاعة الاجتماعات الفخمة فى مجلس الحكومة يواصل كبير الوزراء نفاقه للزعيم قائلا: «والله والله يازعامة الزعيم وعلىّ الطلاق بالتلاتة مافيه شعب حب زعيمه زى ماشعبك بيحبك» فيرد الزعيم: «طلاقى على طلاقك إنت كداب ومنافق» ويقول وزير الشرطة: «وعهد الله ماتقلق.. الشعب فى إيدينا عجينة طرية نشكلها زى ما احنا عاوزينها» فيرد الزعيم: «المجاعة لو حلت بالبلد هاتكون ثورة جياع وهاتبقى نار محدش يقدر يسيطر عليها ولا يسيطر ع البلد وأقل احتمال وقتها إنهم يرغمونى على التنحى»، ويقترح الزعيم على الوزراء أن يتنازلوا عن ثرواتهم التى تجاوزت المليارات لسداد ديون الدولة فيقترحوا حلا أفضل وهو بيع أراضى الدولة ويتفق الوزراء على إغواء الزعيم بالجميلة سارة، لكى يقبل ببيع أراضى الدولة بأبخس ثمن مقابل سمسرة سيحصل كل منهم عليها، ويوافق المجلس على بيع أرض الوطن بالإجماع، ويفسد وزير الشرطة سهرة حمراء على الزعيم، إذ يبلغه باندلاع مظاهرة بسبب عدم توفر الخبز ونفاد الدقيق من الأسواق وأن المتظاهرين حطموا تمثال الزعيم إلى «فسافيس»، وتقوم سارة و(المستر) بتعرية زعماء الأحزاب وأهدافهم الحقيقية فيقايضون على قناعاتهم، كل وفق مايناسبه من غنائم.
ويوافق زعماء المعارضة على بيع الأرض، فيما يظل العضو المستقل على رفضه البيع رغم إغواءات وتهديدات سارة، ويرفض بيع صوته بمائة مليون دولار أو بمتعة زائلة مع سارة.