فيما يبدو من مقدمة هذا الكتاب، الذى كتبه محمد طعيمة وقدمه الروائى صنع الله إبراهيم- أنه يقترب كثيراً من واقع هذه الأيام التى نعيشها الآن يقول طعيمة فى كتابه: فيما بعد عندما ينجلى غبار المعركة، ويفوز الشعب المصرى بحقه فى اختيار حكامه، ويتخلص من القوانين المقيدة للحريات، ومن القمع الذى كبّل حيويته، عندما يفرض خطة للتنمية الحقيقية تأخذ مصالح الأغلبية فى الحسبان، وحقوقها فى العمل والصحة والتعليم والعدالة، عندما يتحرر من النفوذ الأجنبى والهيمنة الأمريكية، ويستعيد دوره الطليعى عربيا وعالمياً، فيساند بحزم المقاومة العراقية للاحتلال الأجنبى، ويتصدى للعدو الإسرائيلى ولبرنامج تصفية الشعب الفلسطينى.
عندما يحدث كل ذلك، سنكون فى حاجة إلى سجل يذكرنا بالدور الذى لعبته مقالات محمد حسنين هيكل فى تصحيح الوعى الجمعى، والدور الذى لعبه برنامج حمدى قنديل فى إشعال الوعى القومى، وموقف الصحفيين الشجاع من رموز السلطة فى انتخابات نقابتهم، ودورهم فى كشف المستور والتصدى للفساد الضارب فى ظل سلطة شاخت وباعت مصالح البلاد وثرواتها من أجل الاستمرار بالتمديد أو التوريث، وبالدور الطليعى لحركة «كفاية» التى نقلت المعركة من الغرف المغلقة إلى الشارع رغم أنف الطغيان.
من هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى يوثق فيه المؤلف -من خلال مقالاته المتتابعة فى صحيفة العربى الناصرى- لقضية التوريث، ويلقى الضوء على كثير من تجلياتها وشخوصها.
يسجل الكتاب أول ظهور لجمال مبارك فى 1998، والخطوات التى صحبت إعداده للدور القادم، بدءاً من جمعية المستقبل والمجلس الرئاسى المصرى الأمريكى حتى السيطرة على الحزب الوطنى والحكومة، وتفاصيل الصراع الذى نشب بين الحرسين القديم والجديد.
ويسجل للمؤلف أنه -فى وقت أن كان الاقتراب فيه من العائلة الحاكمة من المحظورات- من أوائل من تعرضوا إلى دور زوجة الرئيس المتشعب فى الحياة السياسية، وربما أولمن تحدث عن اللواء عمر سليمان، الذى مازال يعتبر من الشخصيات الغامضة فى الحياة السياسية، وأول من أشار إلى حديث جمال مبارك الشهير فى يناير 1999، واعتراف الأب فى 1993 بمشاركة ابنه فى شراء وبيع ديون مصر.
وفى سطور هذا الكتاب قال مؤلفه: مع مجرد خطوات تمهيدية لسيناريو التوريث تكاد بنية الدولة الأقدم تاريخياً أن تتفكك.
والأمر لا يقتصر على «أنكم.. أنت وأبيك لا تدركان قيمة البلد الذى تحكمونه»، كما قال المفكر الليبرالى الراحل سعيد النجار لجمال مبارك فى نادى الدبلوماسيين، بل إنهم أصلاً لا يعون معنى «دولة».. من مصلحتهم الإبقاء عليها ليجدوا ما يحكمونه.. وينهبونه.
حالة تجريف عام تتعرض لها مصر، توحش أمنى لا يرحم أحداً.. من العشوائيات إلى بنية الدولة القانونية، القضاء.. وإهدار تام لفكرة «الوطن»، آخرها ترك «المواطنين» لتطحن عظامهم، بعد كرامتهم، تحت أحجار جبل المقطم، وحرائق طاردت فئة من المصريين.. قطار الصعيد.. مسرح قصر ثقافة بنى سويف.. ثم مؤسسات هى أعمدة رئيسية فى بنية مصر التى حلمنا بها دولة حديثة.. البرلمان والمسرح القومى ومصانع المحلة، ولكل منه دلالته فى ذاكرة البلد، وحرائق الفتنة بين «عنصرى الأمة» -لم تعد تحت الرماد.. بعد أن أصبحت دائمة الاشتعال.
فى ظل حكم الأب مبارك، ثم بالشراكة مع الابن جمال، تآكل الرصيد الاقتصادى والسياسى والإقليمى والاجتماعى والثقافى و«الائتمانى» للبلد، فإذا كان الأب لا يدرك معنى «رجل الدولة»، فالابن وفريقه يتصرفون وكأنها «إقطاعية يتقاسمون ناسها وزرعها وضرعها، ومع تجفيفهم المستمر لينابيعها، قننوا تعاونهم، على النهب الفوضوى، مع نماذج مثل ممدوح إسماعيل وأحمد عز وهشام طلعت مصطفى.. علناً وبفجاجة ملاك الإقطاعيات.
توابع إفرازات شراكة الأب والابن المدمرة حركت البعض من داخل «بنية» النظام نفسه.. للتحذير.. ثم الاعتراض المباشر، الذى قيل إنه أوقف محاولة لتنفيذ سيناريو التوريث كان مقرراً لها نوفمبر القادم، وتنقل مصادر لها صدقيتها أن عنصرين فاعلين جداً فى بنية النظام، رغم ما يشاع بأن «العادى» هو تنافسهما، عرضاً الاستقالة بهدوء.. حينما جاءهما رد حاد على انتقادهما «المشترك»، لاستمرار خطوات التمهيد للتوريث.