الفارق كبير بين ثورات الشعوب وثورات الجيوش، فالثانية حتى لو احتضنها الشعب يمكن أن يقال عليها انقلاب عسكرى، أو حركة ضباط، وما بين الحديث عن الانقلابات السوداء والبيضاء، تبقى الثورات الشعبية خارج إطار التصنيف، تستمد شرعيتها من الشعب، وليس من أحد غيره.
وهناك ثورات تنقل أوطانها إلى الأمام، وثورات تعود ببلادها إلى الخلف، وثورات تقف لتراوح مكانها، فلا هى تقدمت خطوة، ولا هى حافظت على مواقعها القديمة، والثورات الشعبية فى أوروبا الشرقية نقلت شعوبها إلى المعسكر الديمقراطى من العالم، وتنعمت بمزايا الاستقرار الحقيقى القائم على إرادة شعب يشارك فى قراره عبر دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
ومصر التى بنت تاريخها الحديث خلال الـ60 عاماً الأخيرة عبر ثورتين، الأولى فى عام 1952 عندما تحرك الأحرار من ضباط الجيش والتف حولهم الشعب حين أسقطوا النظام الملكى، ومنح حركتهم المباركة شرعيته، فتحولت إلى ثورة حقيقية أثرت فى العالم العربى كله، والثانية التى بدأت فى 25 يناير ونجحت فى تحقيق أهدافها بتحرك شعبى جامح يمتلك إيماناً بحقوقه وإصراراً على بلوغها، واقترب جيش الشعب من مطالب الثوار، وانتهى الأمر إلى أن صارت البلاد وديعة فى يد جيش الشعب الباسل كما هى دائماً.
لم تنته ثورة 25 يناير بتنحى الرئيس مبارك، لكنها بدأت الآن فقط، والحفاظ على مكاسب هذه الثورة صار مسؤولية مشتركة بين الجيش الوطنى الباسل وجماهير الشعب، والمرحلة المقبلة تتطلب إلى جانب استعادة الهدوء، واستعادة الدولة، الاستمرار فى بناء النموذج الديمقراطى المدنى الذى ناضلت من أجله الجماهير وسقط فى سبيله شهداء أبرار، روت دماؤهم شجرة الحرية. إن «المصرى اليوم» فى هذا الظرف التاريخى، تحيى موقف المؤسسة العسكرية التى تثبت كل يوم أنها خير من يؤتمن على أحلام الشعب، وتحيى إعلانها الحاسم والقاطع أنها «ليست بديلاً عن الشرعية التى ارتضاها الشعب»، وأداءها التحية العسكرية احتراماً وعرفاناً بشهداء مصر، وتدعو الجميع إلى تقديم جميع أشكال الدعم والعون للقوات المسلحة، لإنجاز مهمة المرحلة الانتقالية فى إطار جدول زمنى محدد، حتى تعود الأمانة إلى أصحابها متضمنة دستوراً حديثاً يليق بمصر الجديدة وشعبها العظيم.
عاش جيشنا.. وعاش كفاح شعبنا.. وبقيت ثورتنا الشعبية الطاهرة جسراً ينقلنا إلى الغد بأمان وحرية، وسرعة تلحق بالعالم الديمقراطى المدنى المتحضر.