منذ نشأة تركيا الحديثة، كان الجيش هو حامى العلمانية، ونجحت المؤسسة العسكرية فى الإطاحة بـ4 حكومات مدنية إلا أن السياسات والإجراءات المتتالية التى اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، قلمت أظافر الجيش وأبعدته عن دوره السياسى، حتى أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشل، نقل تبعية الجيش والمخابرات لمؤسسة الرئاسة، بما يسمح له بتعيين قائد الجيش، ليصبح الجيش خاضعا للرئيس، لمنع ظهور أى سلطة موازية تهدد حكم أردوغان.
ووجه الرئيس التركى ضربة قوية لعلمانية تركيا، بقرار إلغاء حظر الحجاب داخل المؤسسة العسكرية، التى أصبحت آخر مؤسسة تطالها تعديلات الحكومة الإسلامية، بعد الشرطة والقضاء. ويرى مراقبون أن مسألة ارتداء الحجاب باتت سلوكا مسموحا، لكن ارتداءه من قبل العاملات فى الجيش، يعكس عزماً من قبل النظام السياسى على المضى قدما فى «أسلمة» بشكل غير معهود.
ويرى خبراء أتراك أن سياسة أردغان نجحت فى جعل الجيش التركى مؤسسة تابعة للحزب الحاكم وحامية للنظام، الذى سيمنحه الدستور الجديد صلاحيات واسعة، إضافة إلى التحديات التى يواجهها الجيش فى محاربة الإرهاب والمسلحين الأكراد وتدخله فى الحرب السورية.
وكشفت المحاولة الانقلابية الفاشلة تفاقم الانقسامات داخل ثانى أكبر جيش فى حلف شمال الأطلنطى «ناتو»، وبعد المحاولة، أقدمت الحكومة التركية على 4 عمليات تطهير رئيسية فى 27 يوليو و30 يوليو و2 سبتمبر و7 سبتمبر من العام الماضى، على إثرها تم تسريح آلاف الضباط وضباط الصف من القوات المسلحة التركية، وهو ما اعتبره محللون تطهيراً لأى طرف معارض لأردوغان تمهيداً للتحول إلى النظام الرئاسى. وطبقاً للتعديلات الجديدة، فإن رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، مقارنة بصلاحياته الشرفية فى الدستور الذى حكم تركيا منذ سنوات.
ويبلغ عدد قوات الجيش التركى 670 ألفاً، وتقدر ميزانيته بنحو 18 مليار دولار، ما يجعله يحتل المرتبة الـ15 عالميا على مستوى الإنفاق العسكرى، إلا أن عمليات التطهير التى طالت آلاف الجنود، هزت القوات المسلحة التركية فى بلد يرى فيه الجيش نفسه الوصى النهائى على الديمقراطية العلمانية، بالنظر إلى أن آخر انقلاب عسكرى عنيف كان منذ أكثر من 30 عاما.
ومنذ ذلك الحين، انتشرت التكهنات حول كيفية تأثير عمليات التطهير على الفعالية القتالية للجيش وقدرته على احتواء تهديد تنظيم «داعش» فى سوريا.
وقال القائد الأعلى السابق لـ«ناتو» الأسبق، جيمس ستافريديس، إن تداعيات محاولة الانقلاب سيكون لها «تأثير مروع» على الاستعداد العسكرى التركى، وسيكون هناك تأثير سلبى قوى على قدرة الجيش التركى فى أداء واجباته نحو أنشطة التحالف، فيما رأى زميل مجلس الأطلنطى، هارون شتاين، أن «الجيش التركى الآن قوة مكسورة وسيستغرق الأمر سنوات ليتعافى».