x

«البجعة السوداء».. النصف الشرير يخرج من الجسد الأبيض

الأربعاء 26-01-2011 16:04 | كتب: فاطمة ناعوت |
تصوير : اخبار

لا شىء أجمل من الباليه. تشاهده فكأنك قرأت عشر قصائد، وسمعت عشر مقطوعات موسيقية، وتأملت فى قول عشرة فلاسفة. فى فن الباليه تحتشد عيناك مع الإيقاع البصرى والحركى، وتحتشد أُذناك مع التوقيع الصوتى، فتحتشد روحك لتسمو وتتعالى فوق الشأن الأرضىّ. فماذا لو كان فيلمٌ عن إحدى أجمل ما أبدع تشايكوفسكى من مقطوعات، وأرقى ما رقصت باليرينات العالم؟ تقول النظرية السيكولوجية إن الخير والشر كامنان فى الإنسان، وما اشتغاله على نفسه إلا من أجل ترجيح نصفٍ على نصف، فيكون المرء خيّرًا أو شريرًا. يطرح الفيلم لحظةً فارقة فى حياة باليرينا شابة، كان عليها استحثاث طاقاتها الداخلية من أجل إخراج نصفها الشرير من داخلها لكى يبرز ويشتعل ويؤدى دور البجعة السوداء. «نينا» راقصة باليه راودها ذات نوم حلمُ أن ترقص «بحيرة البجعة» مع البولشوي. والقصةُ كما نعرفها: «عذراء جميلة محبوسة داخل جسد بجعة بيضاء طيبة، تحلم بالتحرر من الجسد الآسر، ولا سبيل لكسر التعويذة السحرية سوى بحب حقيقى. كاد حلمُها يتحقق على يد أمير أحبها وأحبّته. ولكن، قبل أن يُعلن حبَّه لها، تأتى توأمتُها الشهوانية الشريرة، البجعة السوداء، لتُغويه وتسرقه. تتحطم روح البجعة البيضاء، وتلقى بنفسها من جرف شاهق، فتموت. وفى موتها تجد حريتها».

يقفُ مُخرج العرض أمام الراقصات ويسأل نفسه بصوت عال أى واحدة منكن قادرة على تجسيد البجعتين معًا: الطيبة البيضاء، والشريرة السوداء؟ يعقد اختبارًا منفردًا لكل منهن، وتحاول «نينا»/ ناتالى بورتمان، أن تؤدى الرقصة، فيخبرها المخرج/ فينسينت كاسيل، أنه لم ير فيها سوى البجعة الطيبة، لكن توأمتها الشرسة غير موجودة. يقول لها: «لابد أن تُغوى، ليس الأمير وحسب، بل البلاط الملكى، الجمهور، العالم بأسره. أنتِ تؤدين الرقصة بكامل السيطرة، حاولى أن تفقدى السيطرة على نفسك قليلا حتى يتحرر نصفكِ الشرير»، فتخبره أنها إنما تسعى للإتقان، فيعلّمها أن الإتقان لا يكون فقط بالسيطرة، بل أحيانًا بالتخلى عنها. يحتضنها ويحاول أن يقبّلها، تقاوم وترفض، ولكن فى اللحظة التى تتجاوب معه فيها، يتركها ويمضى وهو يقول لها: «ذاك هو الإغواء» ثم تظهر راقصةٌ أخرى، «لى لى»/ ميلا كونيس، تبدو فيها المقدرة على أداء دور البجعة السوداء. تجفل «نينا» هلعًا من فقدان الفرصة. تعلن عن مخاوفها للمخرج، فيخبرها أن العدو الأول لنجاحها هى نفسها وليس غريمتها، فتقتل نفسها فى التدريب والمحاولة. ثم تفاجأ يوم تعليق النتيجة بأنها مَن اختيرت لتكون ملكة البجع، لكنها مع ذلك لا تنجح إلا فى تمثيل البجعة البيضاء. تكتشف أمها خربشاتٍ وجروحًا فى جسد ابنتها الباليرينة. ثم تصرفات طائشة لم تعتدها منها. نعلم فى نهاية الفيلم أن نصفها الشرير، فى غفلة منها، كان هو الفاعل لهذه الجروح وتلك السلوكات المشينة. يوم العرض تؤدى «نينا» دور البجعة البيضاء بإتقان. وحين تدخل غرفة الماكياج لترتدى فستان البجعة السوداء للفصل الثانى تفاجأ بـ«لى لى»، تخبرها أن هذا دورها. تتشاجران وتقتل «نينا» غريمتَها «لى لى». ثم تخرج لأداء البجعة السوداء. تعود للغرفة وتمسح دماء الجريمة، وتوارى القتيلة. ثم تدخل «لى لى» لتهنئها على الأداء الرائع، فتصعَق نينا وتعود لتبحث عن الجثة والدماء، فلا تجد شيئًا. فى مشهد الختام، تقفز من فوق الجرف، ليجد الجميع أن جرحًا غائرًا ينزف من قلبها ليلطّخ الفستان الأبيض. يسألها المخرج لماذا فعلتِ هذا، فتجيبه، وهى تحتضر، أنها كانت تبحث عن الإتقان. هكذا نجح المخرج فى إخراج توأمتها الشريرة من داخلها، تلك التى قتلت توأمتها الطيبة فى الأخير. الفيلم، رغم أنه يعالج قضية سيكولوجية، إلا أنه لم يفقد خيطه الاستعراضى الراقص. نغمات تشايكوفسكى لازمت كل مشاهد الفيلم كخلفية موسيقية خافتة أضفت للفيلم ثراءً. أما ناتالى بورتمان، فقد أدّت الرقصات على نحو مدهش استحقت معه جائزة جولدن جلوب التى نالتها بالأمس. كذلك نجح كاسيل فى أداء دور مخرج العرض الذى يلعب اللعبة النفسية مع البطلة لاعتصار واستخراج طاقة الشرّ من داخلها. مثلما نجح المخرج آرنوفيسكى فى التركيز على ملامح الفتاة التى تجتهد لتُخرج الشريرَ من الطيب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية