x

الطائفية الدينية فى سوريا.. إرث داخلى يدعمه صراع إقليمى ودولى

السبت 17-09-2011 19:19 | كتب: عنتر فرحات |
تصوير : أ.ف.ب

مع دخول الثورة السورية المطالبة بسقوط الرئيس بشار الأسد شهرها السادس وتفاقم القمع وقتل المتظاهرين السلميين، وبما رافقها من مخاوف من اندلاع حرب أهلية قوامها طائفى، بسبب الانقسام الواضح بين العلويين المؤيدين للأسد وبعض الطوائف الدينية والعرقية الأخرى من جانب، والسنة من جانب آخر تبرز مخاطر الملف الطائفى فى سوريا وما له من أبعاد إقليمية قد تؤجج الحرب الأهلية حتى حال سقوط النظام.

وبينما أسس الاستعمار الفرنسى للفكرة الطائفية باعتماده على نخبة من المسيحيين «الكاثوليك» إلا أنه خلال حكم الرئيس السابق حافظ الأسد ونجله «بشار» فشل النظام فى لجم المخاوف الطائفية بل عززها كأحد أهم مقوماته، ومع وصول البعث للسلطة توصل إلى تشكيل قيادة تضم ممثلين عن معظم الطوائف والعشائر الكبرى ثم قام الأسد «الأب» بإجراء «تصحيحاته» على سياسة البعث، وحافظ على السياسة الشكلية لضمان منافع زعماء العشائر وتمثيل جميع الفئات الطائفية والمناطق الجغرافية، أما من الناحية الفعلية فقد اتجهت سياسته إلى فصل الطوائف والاعتماد على عناصر الطائفة العلوية البسطاء، الذين عانوا الفقر والعزلة فأصبحوا قوام الجيش والمخابرات وكله يصب فى مصلحة النظام على أساس الولاء الطائفى.

وجاءت أهم نتائج «الحركة التصحيحية» بتعميق الولاءات الضيقة على مستوى الطوائف والأقليات القومية والعشائر، وبحكم الوضع السياسى واجه من يرفض الخضوع للنظام مشاكل توارثها أفراد عائلته وانتشرت فكرة أن النظام الحاكم أخذ على عاتقه حماية الأقليات الدينية والطائفية، وبذلك تربعت عائلة الأسد على عرش الطوائف، ومع ذلك لا يمكن لتلك التركيبة أن تبقى بسبب الخلافات والانقسامات بين شيوخ الطائفة العلوية ومن يطلق عليهم «فقهاء الشيعة» لدرجة أن كلا منهما كفر الآخر ووجد الشيعة دعما غير مسبوق من إيران التى وقفت ولاتزال مع الأسد منذ أول يوم فى الثورة، وقدمت له نحو 5.8 مليار دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات وهروب الاستثمارات، وكشفت تقارير استخبارية بريطانية عن استعانة القوات السورية بعناصر من حزب الله إضافة إلى أسلحة من الحرس الثورى الإيرانى لقمع الاحتجاجات.

ويكمن سبب دعم «حزب الله» للأسد فى أنه بات يتولى مقاليد الحكم فى لبنان ولا يأمل يوما أن يسقط النظام الذى طالما كان سببا فى وصول الدعم والسلاح الإيرانى له، كما يسعى الحزب للبقاء على الأسد ليصبح محور دمشق وحماس والحزب رأس الحرب فى صراع إيران مع إسرائيل، بما يؤكد امتداد البعد الطائفى السورى لأطراف إقليمية.

أما «علماء السنة» فهم يعتبرون أنفسهم قادة الثورة المطالبة بسقوط الأسد، باعتبارها ثورة طائفة «أكثرية سنية» محكومة ضد طائفة «أقلية علوية» حاكمة. ومع ذلك يواجهون عدة اتهامات أهمها أن النظام الحاكم يستخدم منهم عدداً أكبر من الطائفة العلوية، بحسب بعض المراقبين والمحللين، كما أن الأكراد ليسوا بعيدين عن هذه المعادلة بينما تثير الانقسامات فى الجيش السورى وتشكيل الجيش السورى الحر أبرز نتائج اعتماد النظام على

وبينما كان «إخوان سوريا» من أول من دعا إلى الثورة ضد النظام فى فبراير الماضى، ورغم العنف،أكدت الجماعة على سلمية الثورة فيما أفادت تقارير بأن بعض عناصر ومكونات الثورة مسلحون وهو ما يسعى النظام لترويجه بما يهدد بانحراف الثورة عن طابعها السلمى.

لكن «الإخوان المسلمين» لا يتمتعون بالثقل السياسى والتنظيمى والشعبى المطلوب ليلعبوا دوراً ريادياً فى الثورة لأن الجماعة دخلت منذ سبعينيات القرن العشرين فى صدام مسلح مع النظام، ما تسبب فى توجيه ضربة قاصمة لجسمها التنظيمى، حين قتل منهم ما بين 20-40 ألفاً فى حماة وخرج غالبية كوادرهم للخارج وسجن من تبقى منهم، وسن النظام السورى عقوبة الإعدام لكل من يثبت انتماؤه لـ«الإخوان»، كما لا يوجد اتفاق واسع على الجماعة فى سوريا، بينما أفادت أنباء وثيقة الصلة لموقع «سوريون نت» أن مسؤولين أمريكيين التقوا مؤخرا فى دولة عربية وبحضور ممثلين عن دولتين عربيتين واتفقوا على استبعاد الإخوان من الثورة، وعلى تهميش دورهم والدفع بالقوى الليبرالية العلمانية، كما تعرض الإخوان لاتهامات بمحاولة القفز على الثورة كما هو الحال لوضع «الإخوان المسلمين» فى مصر، رغم أن التركيبة الديمغرافية والدينية والاثنية والسياسية السورية تقلل من هذا الاحتمال بحسب ما يرى محللون. وما ينطبق على مواقف العلويين يسرى أيضا على بعض المسيحيين والدروز ممن يخشون سقوط النظام الأمر الذى خلق علاقة ومصالح متبادلة بينهم وبين النظام، وأشيع عن استخدامهم يضا لقمع الثورة، فيما يرى مراقبون أن من يعتمد عليهم النظام من السنة أكبر من العلويين والمسيحيين والدروز.

ومن أحد الأبعاد الأخرى للطائفية الدور السعودى الذى ظل صامتا عن القمع حتى الشهر الخامس من الثورة إلى أن سحبت الرياض سفيرها من دمشق وحذت حذوها دول خليجية أخرى، فبينما تخشى الرياض سقوط الأسد ليتسع نطاق بلدان «الربيع العربى» بما يهدد عرش العائلة المالكة لكنها رأت أن القمع فى سوريا ذو بعد طائفى وموجه أساسا ضد السنة من قبل العلويين وحزب الله وطهران وحتى شيعة العراق ولو من الناحية السياسية، وتسعى الرياض لدعم الإسلام الوهابى والتيارات السلفية التى كانت تجمعها علاقات قوية بالنظام الحاكم الذى كثيرا ما استخدم ورقة السلفيين كتخويف المعارضين والثوار حاليا لأن النظام لا يجد مخرجا، مع تصاعد وتيرة الثورة، سوى التهديد بإشعال فتيل الفتنة الطائفية والحرب الأهلية.

ومن ثم يتبين أن الموقف السنى السعودى يتطابق مع الموقف «الشيعى الإيرانى»، كما يدعم الموقف السنى الدور التركى القوى فى الأزمة السورية الذى تجسد فى التعامل مع اللاجئين الذين فروا من إرهاب النظام،وتدخلت تركيا مرارا مطالبة بوقف العنف وبعثت رسالة تحذير للأسد وحرك الموقف التركى المصالح المشتركة التى تزايدت فى السنوات الأخيرة من تجارة وصناعة وغيرها بجانب التقارب الجغرافى، ومما لا شك فيه أن أنقرة ترغب فى الحفاظ على مصالحها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية